«عبد الوهاب» عراقة بيروت في متناول يديك

ارتبط اسمه بأحد شوارع العاصمة القديمة فأحدث الفرق

الشرفة الخارجية المطلة على روعة معمار منطقة الأشرفية في بيروت
الشرفة الخارجية المطلة على روعة معمار منطقة الأشرفية في بيروت
TT

«عبد الوهاب» عراقة بيروت في متناول يديك

الشرفة الخارجية المطلة على روعة معمار منطقة الأشرفية في بيروت
الشرفة الخارجية المطلة على روعة معمار منطقة الأشرفية في بيروت

لن تتوه عنه فيما لو قصدت شارع عبد الوهاب الإنجليزي العريق في مدينة بيروت والمعروف بعمارته التراثية. فمطعم «عبد الوهاب» الذي اتخذ من هذا الشارع الذي يقع فيه اسما له، لا تقتصر أصالته على ذلك فحسب، بل تشمل كل زاوية منه وكذلك أطباق الطعام التي تندرج على لائحته.
يقال بأن الموضوع يقرأ من عنوانه، وهو الأمر الذي ينطبق على هذا المطعم الذي تدخله من باب خشبي قديم يذكرك بتلك المعروفة بارتفاعها في بيوت بيروت أيام زمان. ومنه تشق طريقك إلى بهو واسع حديث في ديكوراته، إلا أن لمسة تاريخية من اللوحات القديمة والأحجار الأثرية تلونه.
وفي داخل المطعم الذي يتألف من طابقين أحدهما (العلوي) يحتضن مشهدية للدار اللبنانية العريقة التي تتوسطها بركة مياه مع نافورة وتحيط بها حديقة غناء تظللها أشجار الليمون الحامض والزيتون والنخيل وغيرها. فيما ينتظرك في الطابق الأرضي وبين جدرانه المغمورة بطابع الأرابيسك جلسة من العمر نظرا لفساحة المكان الذي ينعكس إيجابا على جلستك بعيدا عن زحمة الطاولات المصفوفة على مسافات قريبة والتي تطالعك في مطاعم أخرى.
تأسس هذا المطعم الذي يحمل التراث اللبناني قلبا وقالبا في عام 1999 وما زال منذ تلك الحقبة وجهة للسياح الأجانب واللبنانيين المغتربين والمقيمين. وعلى الرغم من كثافة أعداد المطاعم التي تقدم اللقمة اللبنانية في بيروت، فقد شكلت منافسته معضلة لدى كثيرين منها، إذ بقي فاتحا أبوابه أمام زبائنه أيام الحرب والسلم فيما أقفلت مطاعم أخرى على مقربة منه أبوابها بعد أن غلبها تاريخه العريق. فكان خير ملاذ لأجيال لبنانية متتالية وأفضل عنوان لتذوق لقمة تعبق بعطر المائدة اللبنانية المشهورة في العالم أجمع.
وبين ديكورات استحدثت أخيرا فيه، تألفت من طاولات خشبية ومقاعد زرقاء فيما زينت جدرانها بباب المطعم العريق ذي المسكات النحاسية والذي تم تجديده مؤخراً في أول عملية ترميم يشهدها منذ تأسيسه حتى اليوم، تستمتع بجلسة دافئة من وراء واجهة زجاجية ضخمة تمتد على طول مساحته. فتطل على أبنية الشارع التراثية والتي ينتمي بعضها إلى العمارة اللبنانية القديمة المطلوب المحافظة عليها من قبل الدولة. وفي القسم الداخلي للمطعم الذي علقت على جدرانه لوحات حجرية تمثل فن الأرابيسك بتفاصيلها الفنية العربية، ستمضي وقتا لطيفا وأنت تراقب خلية النحل التي تتألف من طهاة يحضرون الأطباق أمامك مباشرة من مطبخ مفتوح، فيما يتناوب فريق على خدمتك على أكمل وجه فتشعر وأنك في منزلك الخاص.
ومن التابلة والفتيلة والكبة أورفلية مرورا بالتبولة والفتوش وسلطة الراهب وغيرها يبدأ مشوارك مع «عبد الوهاب» على إيقاع قرقعة صحون تصطف بسرعة أمام ناظرك فيدق جرس معدتك الفارغة إيذانا بانطلاقك في رحلة على متن مائدة لبنانية لا مطبات فيها سوى شهيتك المفتوحة.
ومن الأطباق البيتوتية التي تمسّك فيها المطعم ليقدمها لزبائنه لنحو 20 عاما، هي تلك التي تذكّرك بأكلات جدتك ووالدتك والتي ترتكز على تحضيرها بالزيت، كاللوبيا والفاصوليا والهندبة والمدردرة وورق العنب وغيرها. فيما تشمل لائحة أصناف المقبلات الساخنة حساء العدس والكلاج والفول المدمس والبليلة وغيرها من جوانح دجاج ونقانق متبلة بدبس الرمان فتؤلف مع غيرها لائحة طويلة تصبّ في هذه الخانة.
ومن أنواع الفتة والمعجنات والسمك تصل إلى لائحة الأطباق الرئيسية الساخنة المشهور بها هذا المطعم ك«مشكل عبد الوهاب» و«كستلاتة عبد الوهاب» و«عرايس كفتة» و«مسبحة ذهبية» و«كفتة خشخاش» و«أورفلية».
وفي مسك الختام تأتيك الحلويات البيروتية العريقة كـ«القشطلية» و«العثملية» و«غزل البنات مع السحلب» و«بقلاوة عبد الوهاب» وغيرها من الأطباق التي سيأسرك طعم حلاوتها البيروتي الأصيل.
ومن على «تيراس» المطعم الذي يطل على نوافذ مكللة بالـ«أباجور» الأحمر (مردات خشبية قديمة ازدهرت فيها مباني بيروت العتيقة)، وعلى شرفات مبانٍ أخرى تذكرك ببيروت الستينية، سترتشف فنجان القهوة وأنت تدخن النرجيلة بحيث تمضي ليلة خريفية هانئة في «عبد الوهاب»، وهو الأمر الذي ينطبق على أي ليلة أخرى تمضيها هناك في مختلف فصول السنة.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات «عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.