تنديد دولي واسع بإلاعلان الأميركي

الأمم المتحدة ترفض القرارات الأحادية... وباريس تصف القرار بـ«المؤسف»... والكرملين يحذر من التداعيات

TT

تنديد دولي واسع بإلاعلان الأميركي

أثار اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس «عاصمة لإسرائيل» وقراره نقل سفارة بلاده إلى المدينة موجة تنديد وقلق دولية، تقدّمها رفض أممي صارم للقرار الأميركي الأحادي الجانب، ودعوات أوروبية للحفاظ على الهدوء.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس، أن وضع القدس لا يمكن أن يحدد إلا عبر «تفاوض مباشر» بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مذكرا بمواقفه السابقة التي تشدد على «رفض أي إجراء من طرف واحد».
وقال غوتيريش، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إنه «لا يوجد بديل عن حل الدولتين»، على أن تكون «القدس عاصمة لإسرائيل وفلسطين».
وأضاف أمين عام الأمم المتحدة، في كلمة قصيرة، أنه «منذ اليوم الأول بصفتي أمينا عاما للأمم المتحدة، دأبت على التصدي لأي تدابير من جانب واحد من شأنها أن تعرّض عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين للخطر». وتابع أن «القدس هي قضية نهائية (في عملية السلام)، يجب حلّها من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين على أساس قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة، مع مراعاة الشواغل المشروعة لكل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي». وقال غوتيريش إنه يدرك «التعلق العميق الذي يحمله الكثيرون للقدس. استمر ذلك لعقود، وسيبقى دائما». وأضاف: «بصفتي الأمين العام للأمم المتحدة، سأبذل كل ما في وسعي لدعم الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين للعودة إلى مفاوضات مثمرة، وتحقيق سلام دائم لكلا الشعبين».
إلى ذلك، أعلن سفير بوليفيا لدى الأمم المتحدة، ساشا سوليز، أنه سيطلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن بعد قرار الرئيس الأميركي قراره بنقل مقر السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ووصف الدبلوماسي البوليفي، في تصريح صحافي، قرار ترمب بـ«الخطير والمتهور»، وأنّه يتعارض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، مضيفا أن القرار «يشكّل تهديدا ليس فقط لعملية السلام بل أيضا للسلام والأمن الدوليين».
من جانبه، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بـ«المؤسف». ودعا إلى «تجنّب العنف بأي ثمن». وشدّد الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحافي عقده في الجزائر حيث يقوم بزيارة، على «تمسك فرنسا وأوروبا بحل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمن، ضمن حدود معترف بها دوليا ومع القدس عاصمة للدولتين». وتابع ماكرون: «أوجّه نداء إلى الهدوء وإلى التهدئة، وأدعو الجميع إلى التصرف بمسؤولية». وقال أيضا: «علينا أن نتجنب بأي ثمن أعمال العنف، وأن نعطي الأولوية للحوار. إن فرنسا مستعدة مع شركائها لاتّخاذ كل المبادرات المفيدة في هذا الإطار».
ومن لندن، أعلنت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي في بيان أن المملكة المتحدة «لا توافق» على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. وقالت ماي في بيان: «نحن لا نوافق على القرار الأميركي بنقل السفارة من القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق نهائي حول وضعها»، معتبرة أن هذا القرار «لا يساعد بشيء» في التوصل إلى السلام بالمنطقة.
وأدلَتْ المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بموقف مشابه، وقالت إن حكومتها لا تدعم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ونقل المتحدث باسم ميركل، ستيفن سايبرت، عن المستشارة الألمانية قولها إن الحكومة الألمانية «لا تدعم هذا الموقف، لأن وضع القدس لا يمكن التفاوض بشأنه، إلا في إطار حل الدولتين».
بدوره، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا صدر عن مكتب فيدريكا موغيريني منسقة السياسة الخارجية، يعرب فيه عن قلقه البالغ إزاء إعلان الرئيس الأميركي حول القدس وتداعياته على آفاق السلام. وأكد الاتحاد أنه لا يزال على موقفه دون تغيير، «وأن تطلّعات الطرفين يجب أن تتحقق، وأنه يجب إيجاد طريق من خلال المفاوضات لحل وضع القدس عاصمة مستقبلية لكلتا الدولتين».
وقال البيان، إن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه سيواصلون احترام توافق الآراء الدولية بشأن القدس، بما في ذلك بشأن موقع ممثليها الدبلوماسيين، إلى أن يتم حل الوضع النهائي للقدس. ودعا الاتحاد، من خلال البيان، جميع الجهات الفاعلة على الأرض وفي المنطقة الأوسع إلى إظهار الهدوء وضبط النفس من أجل منع أي تصعيد.
ومن الفاتيكان، دعا البابا فرنسيس إلى احترام «الوضع الراهن» في القدس، معتبرا أن أي توتر جديد في الشرق الأوسط سيلهب الصراعات في العالم. وناشد البابا جميع الأطراف احترام قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالمدينة المقدسة لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين. وقال: «أدعو من كل قلبي الجميع إلى إلزام أنفسهم باحترام الوضع الراهن للمدينة، تماشيا مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة».
من جهتها، حذرت موسكو من تداعيات اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، إنه من السابق لأوانه التعليق على قرار لم يتم تنفيذه بعد، لكنه وصف الوضع حول المدينة بأنه معقد. وأشار بيسكوف إلى اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، عبّر له خلاله عن قلقه إزاء الوضع، واحتمالات تعقيده. وأكد بوتين لعباس تمسك موسكو بموقفها المبدئي، الداعي لاستئناف المفاوضات المباشرة دون أي تأجيل، لبحث كل القضايا الخلافية بما فيها ملف مدينة القدس.
من جانبها، حذرت وزارة الخارجية الروسية من أن «الاعتراف بالقدس الشرقية» عاصمة لإسرائيل لا يساعد على تسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وقال سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إن «روسيا تنطلق من أن وضع القدس الشرقية، واحدة من القضايا الرئيسية في الحل الشامل للقضية الفلسطينية. ذلك الحل الذي تحاول روسيا تحقيقه عبر الرباعية خلال وقت طويل من الزمن». وأضاف: «لذلك، نعتقد أنه بحال تم تنفيذ ما أعلن عنه البيت الأبيض، فإن هذا قد يخلف عواقب جدية على آفاق التسوية، ومن المستبعد أن يساعد أمر كهذا في تسوية النزاع».
جدير بالذكر أن روسيا كانت أول دولة تعترف بحق إسرائيل في إعلان عاصمتها بالقدس، لكنها حصرت الحق في القدس الغربية، بينما أكدت حق الفلسطينيين في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم في إطار حل «دولتين لشعبين».
وانضمّت الصين إلى قائمة المنددين بقرار ترمب، وأبدت قلقها من احتمال تفجير الموقف الأميركي الجديد من القدس أعمالا عدائية جديدة. وقال قنغ شوانغ، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، في إفادة صحافية دورية، إن وضع القدس مسألة معقدة وحساسة، وإن الصين قلقة من أن القرار الأميركي «قد يعمق الصراع في المنطقة».
وأضاف قنغ: «يتعين على جميع الأطراف بذل مزيد من أجل إقرار السلام والهدوء في المنطقة، والتصرف بحذر، وتجنب التأثير على أسس حل القضية الفلسطينية وبدء أعمال عدائية جديدة في المنطقة».
ويفيد الموقف الصّيني المعلن منذ فترة طويلة بأنه يتعيّن السماح للفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».