دائرة «الشوف ـ عاليه» تنتظر انقضاء الأزمة لبلورة التحالفات الانتخابية

TT

دائرة «الشوف ـ عاليه» تنتظر انقضاء الأزمة لبلورة التحالفات الانتخابية

يرسم التقارب بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» برئاسة النائب وليد جنبلاط، و«تيار المستقبل» في منطقة الشوف في جبل لبنان، ملامح تحالف انتخابي قد ينضم إليه «التيار الوطني الحر» الذي يترأسه وزير الخارجية جبران باسيل، رغم أن الأزمة السياسية الحالية جمدت إلى حد ما البحث في التحالفات الانتخابية التي يُنظر إليها على أنها «مبكرة».
ويتمتع «التقدمي الاشتراكي» و«المستقبل» في منطقة الشوف بنفوذ واسع، أوصل مرشحيهما ومرشحي حلفائهما، أبرزهم «القوات اللبنانية»، إلى البرلمان في دورات سابقة. لكن المشهد ينطوي على مفاجآت في الدورة الحالية، بعدما أصبح قضاءي الشوف وعاليه دائرةً واحدة وضعت أغلبية الأطراف في دائرة التنافس على المقاعد.
ويقول النائب في تيار «المستقبل» من دائرة الشوف محمد الحجار لـ«الشرق الأوسط» إن التيار لم يحدد خياراته في الدوائر وبينها دائرة الشوف - عاليه. لكنه ألمح إلى أن «المستقبل» أبدى استعداده للتحالف مع «الاشتراكي» في هذه الدائرة، وهذا هو الثابت الوحيد حتى الآن، خصوصاً مع عودة الأمور إلى مجاريها إثر لقاء أخير جمع النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري في بيت الوسط. كما أشار الحجار إلى أن قرار ترشحه شخصياً هو بيد الحريري، لذلك هو مستمر بالترشح ما دام الحريري موافقاً على الأمر.
وفي الوقت نفسه، يبدي «التقدمي الاشتراكي»، وهو أبرز القوى السياسية الفاعلة في هذه الدائرة، وصاحب أوسع قاعدة شعبية داخلها، انفتاحاً على جميع الأطراف وتواصلاً معهم بشكل دوري لاستمرار تأمينه أفضل تمثيل في البرلمان، بعيداً عن المطبات التي تتمثل في الخطابات السياسية.
في هذا الإطار، صرح النائب في «اللقاء الديمقراطي» برئاسة جنبلاط، مروان حمادة، الأحد الماضي، بأن «لبناننا هو الحريات والاستقلال الناجز والعلاقات العربية وانفتاح لبنان على العالم، ولا أحد يستطيع خطفه منا لا شرقاً ولا غرباً» في إشارة إلى ضرورة الوحدة الوطنية التي يركز عليها جنبلاط مراراً وتكراراً بعد «قطوع» استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، والتريث بها مرة أخرى.
هذا الكلام يشدد عليه أمين السر العام في الحزب ظافر ناصر، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، معلناً أنه «حتى الآن لا شيء ناضجاً على مستوى التحالفات، ولا تحالف تم إنجازه بين الفرقاء».
وإذ لفت إلى أن منطق الحزب هو الدعوة «إلى أوسع شراكة ممكنة في هذه الانتخابات تحصيناً لعدد من الثوابت السياسية وأولها مصالحة الجبل»، لم يخفِ أن النقاش الانتخابي تراجع بفعل الأزمة السياسية التي نشأت الشهر الماضي. في الوقت عينه يكشف أن «الماكينة الانتخابية فاعلة بكل ما يرتبط بها من هيئات ولجان، والعنوان الأساسي أن الانتخابات حاصلة في موعدها»، مشدداً لدى سؤاله عن التيار «الوطني الحر» الذي يتموضع مع أطراف من «8 آذار» مع احتمال التحالف مع «المستقبل»، على أنه «لا مشكلة في التواصل مع أي طرف ولكن لا يمكن استباق النقاش التفصيلي في الانتخابات».
رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» دوري شمعون الذي سمع من مروان حمادة يوم الأحد الماضي وعداً بالبقاء «على العهد معك يا دوري، ورفاقنا في حزب الوطنيين الأحرار وأهل الدير والشوف»، ردّ بالقول: «حلفنا طبيعي هنا في الشوف، فكما المسيحي لا يمكن أن يعيش من دون المسيحي، كذلك لا يعيش من دون الدرزي ولا السني»، ويربط الأمر بمصالحة الجبل والتعايش لا أكثر ولا أقل.
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ينفي شمعون أي حديث عن الانتخابات حتى الآن، ملمحاً إلى مشكلة كبيرة مع القانون النسبي «الذي لا يحترم أحداً»، معلناً العمل الدؤوب على تغييره من دون أن يضمن النجاح في هذه المهمة. أما إذا استمر العمل في القانون «فقد تتشكل التحالفات من جديد»، وهنا لا أمر مستبعداً في التحالفات «وجميع الناس أصدقاؤنا، لكن في السياسة ليس هناك من صديق دائم»، كما قال شمعون.
من جهتها، تنطبق أجواء الأحزاب الأخرى على حزب «القوات اللبنانية» الذي يرشح النائب الحالي جورج عدوان في الشوف، واحتمال ترشيح رجل الأعمال أنيس نصار (صديق جنبلاط) في عاليه. وتقول مصادره إن التواصل «مفتوح مع كل الأطراف»، نافيةً الكلام عن أي إقصاء لأحد باحتمال ترشيح نصار.
ورغم هذا الجو الضبابي، يؤكد مدير شركة «Statistics Lebanon» ربيع الهبر أنه حتى الآن هناك لائحة لـ«التيار الوطني الحر» الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل بعد وصول رئيسه ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، واللائحة الثانية هي من «الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية»، والثالثة للمجتمع المدني. لكن الهبر يشير من جهة أخرى إلى أن التحالفات «ما زالت مستبعدة حتى الساعة»، والأهم لدى حزب الكتائب هو «العناوين السيادية التي يتمسك بها» إلى أقصى حدّ.
الهبر، يشرح في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن «الاشتراكي» سيخسر مقعداً أو مقعدين في عاليه لمصلحة «الوطني الحر»، والأخير يمكن أن يصبح الحليف الطبيعي لتيار «المستقبل»، لذلك فإن الصورة حالياً غير واضحة.
إلى ذلك، يبقى المجتمع المدني الذي من المرجح أن يدخل التنافس بلائحة كاملة من خارج الأطياف السياسية، وهو «له قوة كبيرة في الشوف»، على ما يؤكد الخبير الانتخابي ربيع الهبر.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.