طويت صفحة تهجير أهالي بلدة الطفيل اللبنانية أول من أمس، بعودة معظم العائلات اللبنانية والسورية إلى منازلهم وأراضيهم بعد أكثر من 3 سنوات على خروجهم منها، نتيجة الحرب السورية التي وصلت شرارتها إليها، وهي الواقعة على الحدود الشرقية مع سوريا ولا طريق معبدة إليها من لبنان.
وأتى هذا القرار بعد نحو 6 أشهر من سيطرة قوات النظام وحزب الله على البلدات المحيطة بالطفيل وإعلان الحزب أن عودتهم باتت ممكنة، لكن التأخير باتخاذ القرار من قبل السلطات اللبنانية كان مرتبطاً بتعبيد الطريق الترابية، وهو الأمر الذي لم يتحقّق بشكل نهائي لغاية الآن وحال دون عودة بعض العائلات أول من أمس لعدم امتلاكهم سيارات رباعية الدفع.
وبعد أيام من التحضيرات وتسجيل أسماء العائلات التي كانت قد لجأت إلى لبنان وعاش أفرادها لاجئين في مخيمات في منطقة البقاع، انطلقت عند الساعة الثامنة صباحاً قافلة من العائلات السورية واللبنانية من «مخيم الطفيل» للنازحين سالكة الطريق الجردية بريتال - حام التي تبعد 26 كلم عن مدينة بعلبك، حيث تولى ضباط وعناصر من الأمن العام اللبناني إدارة عمليات الخروج من الأراضي اللبنانية إلى بلدة الطفيل التي يسكنها 5 آلاف نسمة يتوزعون ما بين 3 آلاف لبناني وألفي سوري.
وكان مثلث عين بورضاي - بريتال - بعلبك محطة للعائلات التي نظمت حلقات الدبكة والرقص، تعبيراً عن فرحتهم بالعودة إلى منازلهم، وإن كانت شبه مدمّرة وغير صالحة للسكن.
ولفتت الوكالة الوطنية للإعلام إلى أن عودة اللاجئين تمّت وفق لائحتين؛ الأولى معدة سابقاً وتضم 263 اسماً، والثانية أضيفت أمس إلى أكثر من 400 مواطن لبناني، سجل قيد غالبيتهم في بلدة طفيل، ولكن بيوت وأرزاق معظمهم في بلدة عسال الورد السورية. ولم تقتصر العودة على أهالي البلدة الذين كانوا يقطنون في «مخيم العودة» في بلدة عرسال وسواهم، بل البعض اصطحب معه إضافة إلى الأمتعة، قطعان المواشي بواسطة 12 شاحنة نقل متوسطة تم استئجارها من عرسال. مع العلم أن عدداً كبيراً من أبناء الطفيل الذين كانوا ضمن القافلة أمس سيغادرون البلدة بعد الاطمئنان على ممتلكاتهم وأرزاقهم ثم يعودون إلى البقاع، حيث يتابع أولادهم الدراسة بانتظار انتهاء العام الدراسي، في وقت كان فيه نحو 13 عائلة لبنانية و14 سورية أصرّت على البقاء في أرضها تحت القصف والمعارك وفي ظل أوضاع صعبة تعاني منها بلدتهم حتى قبل الحرب لافتقادها إلى البنى التحتية والمدارس. ومع العودة التي انتظروها طويلاً، شكا أهالي البلدة استنسابية التعويضات التي تراوحت بين 3 ملايين ليرة (ألفي دولار أميركي) على دفعات و10 ملايين ليرة (نحو 7 آلاف دولار)، وبين من حجبت عنهم المساعدات نهائياً رغم تدمير منازلهم وإتلاف مزروعاتهم وبساتينهم بسبب عدم الرعاية طيلة سنوات التهجير.
وقال مفتي بعلبك الهرمل الشيخ خالد الصلح، الذي واكب عودة أهالي طفيل إلى بلدتهم ممثلاً دار الفتوى، إن «الأجواء ممتازة جداً والترتيبات على أتم وجه، لتأمين وصول أهلنا بخير وسلام».
وكانت عشرات العائلات قد استبقت القرار الرسمي وعادت قبل أشهر على مسؤوليتها، وهم في معظمهم من السوريين الذين كانوا يقطنون في البلدة، وذلك عبر سلوك طريق المصنع الحدوديّة، بين لبنان وسوريا ومن ثم الانتقال إلى العاصمة السورية دمشق وبعدها إلى الطفيل.
ورغم هوية الطفيل اللبنانية، فإن أبناءها لا يرتبطون ببلدهم إلا عبر امتلاكهم الهوية ويتقاسمون أرضها مع عائلات سورية، ولطالما كانت سوريا التي يتكلمون لهجتها، أقرب من لبنان بالنسبة إليهم، لتأمين متطلبات حياتهم اليومية نظراً إلى عدم وجود طريق رسمية.
وتظهر بلدة الطفيل بشكل واضح في خريطة لبنان على شكل «إصبع»، تقع في قضاء بعلبك، في البقاع. وكانت قد وقعت خلافات بشأنها بين لبنان وسوريا قبل أن يعاد ضمّها رسمياً إلى لبنان عام 1925، لكن ورغم ذلك، بقيت البلدة تعاني من إهمال الدولة اللبنانية، وعاش أبناؤها على وعود تعبيد الطريق إليها عبر بعلبك من ناحية منطقة بريتال التي تبعد عنها ما لا يزيد على 25 كيلومتراً، وهو الأمر الذي لم يتحقّق لغاية اليوم، حيث ترمى الكرة في ملعب وزارة الأشغال التي ينتظر أن تخصّص لها الاعتمادات اللازمة.
وبعد عشرات الأعوام من الإهمال، كانت الأجهزة اللبنانية قد دخلت للمرة الأولى منذ الاستقلال، في شهر أبريل (نيسان) من عام 2014، إلى الطفيل، حين أدخلت المساعدات إلى العائلات بعد شهر من الحصار المزدوج على الجهتين، من سوريا حيث سيطرة قوات النظام، ومن البقاع حيث المناطق المحسوبة على حزب الله ولا سيما بريتال، لتكتمل بعد ذلك وعلى مراحل فصول التهجير إثر اشتداد المعارك في المنطقة بين حزب الله والنظام السوري من جهة والفصائل المعارضة من جهة أخرى، وصولاً إلى سيطرة الحزب والنظام على القلمون والمناطق المحيطة بالطفيل وتحديداً درة وسبنا وسهل رنكوس التي خضعت لما بات يعرف بـ«المصالحات» ونتج عنها خروج مقاتلي المعارضة.
مهجرو الطفيل يجدون منازلهم شبه مدمّرة
مهجرو الطفيل يجدون منازلهم شبه مدمّرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة