ظلال البعد القبلي على الحرب ضد الإرهاب في سيناء

«الشرق الأوسط» ترصد أبعاد مواجهة القبائل للتنظيمات المتطرفة

ظلال البعد القبلي على الحرب ضد الإرهاب في سيناء
TT

ظلال البعد القبلي على الحرب ضد الإرهاب في سيناء

ظلال البعد القبلي على الحرب ضد الإرهاب في سيناء

لا صوت يعلو على صوت المعركة في محافظة شمال سيناء المصرية، بعد المجزرة البشعة، التي ارتكبتها قبل أسبوع العناصر الإرهابية ضد المصلين في مسجد قرية الروضة، التي راح ضحيتها أكثر من 305 رجال وأطفال من أبناء القرية وسكانها، إذ جدد «اتحاد قبائل شمال سيناء» تهديده لعناصر تنظيم داعش، وتوعدهم بـ«القتل والإبادة» رداً على «المجزرة». وانشغل المجال العام في مصر، في الفترة الأخيرة، التي تفاقمت خلالها الأحزان جراء الهجوم الإرهابي غير المسبوق، بالحديث عن دور جوهري لقبائل سيناء في مساندة القوات المسلحة والشرطة في عملية مجابهة الإرهابيين. وفي حين أكدت مصادر رسمية أن اجتماعات جرت بين مسؤولين أمنيين ورجال قبائل ناقشت «أسس التعاون وأشكاله»، فإن ثلاثة مصادر قبلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» صعوبة أن تنخرط القبائل في تلك المواجهة، ولمح بعض هذه المصادر إلى «مطالب» يجب تحقيقها أولاً قبل الحديث عن التعاون، في تلميح إلى مشكلات يعاني منها أهل المنطقة تتطلب تدخلاً من الدولة.
تسبب إعلان «اتحاد القبائل» في شبه جزيرة سيناء المصرية في إثارة التساؤلات حول إمكانية نجاح تلك القبائل في مواجهة التنظيمات الإرهابية الموجودة في نطاق سيطرتها من عدمه. وعلى الرغم من استحسان قطاع كبير من المواطنين فكرة مواجهة القبائل السيناوية العناصر الإرهابية للقضاء على الإرهابيين المتمركزين في مدن محافظة شمال سيناء، باعتبار أن القبائل «أدرى بشعاب المناطق التي يسكن أبناؤها بها»، فإن قيادات قبلية وخبراء، حذروا من الاعتماد على القبائل في مواجهة الإرهاب، حتى لا تتطور المواجهات إلى حرب بين بعض القبائل، بسبب تقاسم السيطرة على الأراضي، وخوفاً من انتشار الأسلحة بين شبابها. ورأوا أيضاً أن البيانات والتصريحات الإعلامية التي يصدرها «الاتحاد»، عقب كل حادثة كبيرة «مجرد طحن بلا طحين، لأن معركة اتحاد القبائل مع العناصر الإرهابية، لم تؤتِ ثمارها المنشودة حتى الآن»، رغم إعلان الاتحاد نفسه في شهر مايو (أيار) 2015، مساندته للقوات المسلحة، في حربها على الجماعات الإرهابية في شمال سيناء، ثم أصدر بيانات إعلامية أكد فيها دعمه لقوات الجيش والشرطة، التي تخوض مواجهات شرسة مع إرهابيين عقب انتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.
وقالت مصادر أمنية وعسكرية لـ«رويترز» إن الهجوم الذي راح ضحيته أكثر من 300 مصلٍّ في شمال سيناء، دفع المسؤولين المصريين إلى تجديد مساعيهم للاستعانة بالقبائل المحلية، التي سيكون تأييدها حاسماً في الجهود الرامية للتغلب على تنظيم داعش.
ونقلت الوكالة عن الدكتور إتش إيه هيليير، الخبير في الشأن المصري والزميل الباحث غير المقيم في مركز رفيق الحريري لشؤون الشرق الأوسط في «المجلس الأطلسي» (ذي أتلانتيك كاونسل) قوله إن «لدى الجيش المصري من الأسلحة ما يكفي ويزيد، إلا أن المشكلة الأهم عندما يتعلق الأمر بإنجاز شيء في سيناء هي الوثوق من أن لديه استخبارات جيدة»، وأردف: «إذا كان المطلوب مجموعة من الاستراتيجيات لمكافحة الإرهاب وحرب العصابات فسيحتم ذلك مشاركة من القبائل على مستوى كبير جداً».
من ناحية ثانية، أفادت ثلاثة مصادر أمنية وعسكرية «رويترز» بأن مباحثات أجريت خلال الأيام الماضية بين مسؤولين أمنيين وقيادات قبلية في شمال سيناء ووسطها. ورأى المسؤولون الأمنيون أنه من الضروري زيادة التنسيق والتعاون لإنزال الهزيمة بالمتطرفين. وذكر أحد المصادر الأمنية للوكالة: «لقد طلبنا منهم أن يساعدونا للسيطرة على المسلحين في المناطق حيث يسكنون ويزرعون ويتحركون لأن كل قبيلة أدرى بأهلها ومناطقها. هناك أشياء كثيرة تجعلهم يتعاونون معنا وهي تختلف من قبيلة لأخرى. لذا جلسنا بشكل منفصل مع كل مجموعة. ثمة قبيلة تحتاج إلى خدمات وهناك قبيلة أخرى يتم التعاون الاقتصادي معهم في مشاريع اقتصادية».

تغير نمط سيطرة القبيلة
أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور عبد الحميد زيد يعتقد أنه على الرغم من أن النمط القبلي البدوي العام هو الغالب على معظم سلوكيات المجتمع في شمال سيناء، فإن القبيلة لم تعد هي المتحكم في قرارات أفرادها، كما جرى العرف سابقاً. وأوضح زيد لـ«الشرق الأوسط» أن «كلمة كبار القبيلة كانت هي الأساس في السلوك التصويتي (الانتخابي) وكذلك فيما يتعلق بالعلاقة مع السلطة وتحديد العدو. غير أن ذلك كله تأثر على عدة مستويات، وعبر سنوات طويلة، بدأت بالانفتاح الثقافي عبر وسائل الإعلام، إضافة إلى بداية ظهور الجماعات المتطرفة في شمال سيناء واستقطابها بعض أبناء القبائل وتلقينهم بأن الصلة والرابط تتمثل في الجماعة التي ينتمي إليها، وليس القبيلة أو العائلة».
وخلص زيد في كلامه عن القبيلة إلى مثال «ابن أحد كبار الصوفيين في شمال سيناء الذي كان قائداً في صفوف (داعش)، الأمر الذي يعني انسلاخ بعض أبناء الجيل الجديد عن الروابط العائلية والفكرية والروحية التي تربّوا عليها»، ويواصل: «حتى الآن الأنماط القبلية مسيطرة من حيث الشكل، لكن الحقيقة أن هناك تخلخلاً وتغيراً واضحاً في سمات المجتمع هناك».
زيد يرفض أن يكون «حادث الروضة الأخير ضمن سياق لاستهداف الفكر الصوفي في المدينة»، معتبراً أن «التناقضات التي يمكن أن يكون منظّرو التنظيم طرحوها على المنفذين لا يمكن أن تكون كافية لإقناعهم، وبالتالي أن الدافع الرئيس هو الرسالة السياسية بالقدرة على التأثير والعقاب وتأكيد سيطرتهم على نطاق وجودهم، وردع مَن يتعاون مع مؤسسات الدولة بالمعلومات».
وبشأن توقعه لردة الفعل المجتمعية من قبل أهالي قرية الروضة قال زيد: «هناك عائلات كثيرة فقدت المعيل سواءً كان جداً أو أباً أو ابناً، وبات الأطفال دون الخامسة والنساء هم عماد العائلة، وهذا ما يعزز الرغبة أكثر في التمسك بالأرض وعدم المجازفة بالانتقال إلى بقعة أخرى في ظل انعدام الذكور في العائلة يمثلون السند والأمن للعائلة».

عمال وافدون
وتحدث نقيب أطباء شمال سيناء، الدكتور صلاح سلام إلى «الشرق الأوسط» قائلاً إن «النشاط الاجتماعي الأبرز في بلدة بئر العبد، التي تقع قربها قرية الروضة، يعتمد على الصيد، واستخراج الملح من قبل الشركات المتخصصة».
ولفت إلى أن «انتشار تلك الشركات كان السبب وراء وجود كثير من الضحايا من خارج المحافظة ممن انتقلوا إليها بسبب ظروف عملهم». وتابع سلام أن «هناك عائلات كثيرة باتت بلا معيل، فضلاً عن تعرض أفرادها لإصابات بالغة، ثم أن غالبية الشهداء كانوا من العاملين في المهن الحرة، وعدد محدود بينهم كانوا موظفين، وهو ما يكشف فداحة التأثيرات الاجتماعية والمعيشية على عائلات الضحايا».
وبشأن مدى ارتباط «مجزرة المصلين» بصراع بين عناصر «داعش» والجماعات المتصوّفة، ذكر سلام أن «مسلحي (ولاية سيناء) قتلوا تقريبا 480 شخصاً من أبناء سيناء ممن هم خارج تنظيمهم على مدار السنوات الماضية، دون أن يكون لذلك علاقة بالخلاف الفكري. وبعضهم ذُبح علانية أمام أهله وذويه، وكان كل ما جرى بغرض الترهيب وإثبات الوجود، ومنع أبناء شمال سيناء من التعاون مع الجيش والشرطة»، ويضيف: «استهدفوا الشرطة والجيش والأقباط والمسلمين، وهذا كله ينفي فكرة أن تكون قرية بعينها هي المستهدفة».

خريطة توزّع القبائل
توجد أربع قبائل رئيسة تمثل الملامح الأساسية في التركيبة السكانية لشمال سيناء، هي: قبيلة السواركة، أكبر القبائل في سيناء، وتمتد مواطنها من غزّة وبئر السبع في الأراضي الفلسطينية إلى باقي أنحاء مصر وخصوصاً الوادي الجديد. وقبيلة الرميلات، المنتشرة من غزّة حتى مدينة الشيخ زويّد. وقبيلة الترابين الممتدة أراضيها جنوب رفح والشيخ زويد، والعريش حتى جنوب سيناء. وقبيلة التياهة، التي تجاور مناطق الترابين. وهناك قبائل أخرى موزّعة على باقي مراكز المحافظة، ففي مدينة رفح، وبالإضافة إلى قبيلة الرميلات، هناك عائلات تمتد جذورها من فلسطين مثل البراهمة، والزعاربة وغيرها، وهناك عائلات البطين والخدايجة والسناجرة، وغيرها في الشيخ زويّد.
أما في مدينة العريش نفسها، فتسكن عدة عائلات تسمّى في سيناء «العرايشية». بينما تتمركز قبائل البياضية والأخارسة والدواغرة والسماعنة والعقايلة في منطقة غرب سيناء وبئر العبد.
تعيش كل هذه القبائل في مساحة تبلغ نحو 27564 كيلومتراً مربعاً، ويقدّر تعدادها السكاني التقريبي بـ419.200 ألف نسمة لعام 2013. وجدير بالذكر أن 86.5 في المائة من السكان يعيشون على الشريط الساحلي، وتضم محافظة شمال سيناء ستة مراكز، وعاصمتها مدينة العريش. أما المراكز فهي بئر العبد ونخل والحسنة والعريش والشيخ زويّد ورفح.

مظلة قبلية
القبائل السيناوية سعت إلى إنشاء مظلة قبلية تتبني مطالبها في عام 2011، إذ دعا القيادي القبلي المعروف إبراهيم المنيعي، أحد رموز قبيلة السواركة برفح وقادتها، لتأسيس «اتحاد قبائل سيناء الرسمي»، خلال شهر فبراير (شباط) عام 2011 برئاسته، واتخذ الناشط السيناوي مسعد أبو فجر نائباً له، وهو أحد أبناء قبيلة الرميلات في رفح، وعمل أيضاً متحدثاً رسمياً باسم «الاتحاد». وضم في تشكيلته عدداً كبيراً من مشايخ وقادة قبائل جنوب وشمال سيناء، ولقي تأسيس «الاتحاد»، بالفعل، تجاوباً واسعاً من القبائل السيناوية التي انضوت تحت لوائه.
عقد «الاتحاد» أول مؤتمراته الرسمية يوم 18 من فبراير 2011 في منطقة وادي وتير بجنوب سيناء، بحضور حاشد مثل كل رموز وأبناء قبائل جنوب وشمال سيناء. وكانت أهم توصياته للحكومة المصرية، هي إلغاء جميع الأحكام الغيابية الصادرة بحق بعض أبناء القبائل، وطالب بإعادة توزيع الثروة، بشبه جزيرة سيناء.
ثم عقد مؤتمراً ثانياً في الثالث من سبتمبر (أيلول) عام 2012 بقرية الجفجافة بمنطقة وسط سيناء (التيه)، تحت إشراف قبيلة الأحيوات (اللحيوات) التي تسكن المنطقة. وخلال المؤتمر، أعلن الشيخ ناصر أبو عكر، أحد مشايخ قبيلة السواركة، بشمال سيناء ومنظمي المؤتمر، أن أبناء سيناء «عانوا من نهب ثروات سيناء طويلاً وتهميشهم طويلاً».
ومن جهته، أعلن نائب رئيس الاتحاد مسعد أبو فجر أن «المرحلة المقبلة يجب أن تشهد اعترافاً بالحقوق، وتحقيقاً للمطالب التي أهملها النظام السابق، وهو ما أدى إلى خلق فجوة غير مبررة بين المواطن السيناوي وأجهزة الدولة المصرية».
عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من منصبه في 3 يوليو (تموز) 2013، ارتفعت وتيرة الاعتقالات في صفوف أبناء القبائل. ومع ضعف تأثير «الاتحاد» وتعذر وصول صوته إلى أجهزة الدولة، جرى تجميد نشاطه بينما تزايدت العمليات الإرهابية على أيدي تنظيم «بيت المقدس» الذي تحوّل إلى «ولاية سيناء في داعش» فيما بعد، عندما أعلن ولاءه لتنظيم داعش في سوريا والعراق.

«اتحاد» قليل التأثير
قبل عدة شهور دخلت قبيلة الترابين في مواجهة مباشرة مع الإرهابيين في منطقة نفوذها بشمال سيناء، بعد إقدام التنظيم على قتل أحد شباب القبيلة رمياً بالرصاص جنوب رفح. أدى هذا الحادث إلى انتفاض عدد من أبناء قبيلة الترابين، وتشكيلهم «اتحاد القبائل» في نسخته الثانية، وأصدر هذا «الاتحاد» الجديد أول بيان له من خلال مسؤوله الإعلامي موسى الدلح، أحد أبناء الترابين في عام 2015. وأشار إلى أن التحركات تنضوي تحت لواء القوات المسلحة. وطالب «الاتحاد» الجديد شباب القبائل المنضمين إلى تنظيم «أنصار بيت المقدس»، الذي بايع «داعش» في عام 2014، بتسليم أنفسهم للقبائل وترك التنظيم، محذراً كل الشبان المغرّر بهم من قبل «الدواعش» في بيان جاء فيه: «عودوا لأهلكم وقبائلكم وعائلاتكم قبل فوات الأوان... مَن سلم نفسه قبل أن يُضبط متلبساً فله الأمان، وأما مَن كابر وخان فلا يلومنّ إلا نفسه».
وبعد «مذبحة المصلين» بالروضة، قال الاتحاد في بيان له: «لا عزاء إلا بعد الثأر من التكفيريين، ولن تنام أعين الرجال حتى تطهير كامل أرضنا من آخر تكفيري يمشي بأقدامه على أرض سيناء. سنقتلكم ولن تأخذنا بكم رأفة، وأنتم جرّبتم ذلك وشاهدتموه بأعينكم». وأضاف البيان: «المجزرة الجماعية ضد أهل سيناء وقبائلها في مسجد الروضة وهم يصلون، ستجعلنا ناراً تحرقكم بالدنيا لنلحقكم بنار الآخرة».
ولكن رغم التهديد والوعيد الذي أعلنه «اتحاد قبائل سيناء» أكثر من مرة خلال العامين الماضيين، فإن متابعين محليين في شمال سيناء، يرون أن الحرب التي أعلنها ضد «داعش» قد فشلت مع أول مواجهة حقيقة مع عناصر التنظيم المتطرف في منطقة البرث، وذلك بعد تفجير سيارة مفخّخة بكمين لأبناء قبيلة الترابين أوقع نحو 11 قتيلاً على رأسهم القيادي البارز سالم لافي، أحد قيادات القبيلة. اليوم تواجه هذه الحرب مشكلات عدة، أهمها حالة الرفض التي تسيطر على أهالي سيناء، خوفاً من جرّهم إلى مواجهة مع «داعش»، أو أن يكونوا بديلاً للجيش والشرطة وفق عدد من مشايخ القبائل. وحقاً، لم تلق دعوة قبيلة الترابين قبولاً لدى باقي قبائل سيناء، خصوصاً أبناء قبيلة السواركة، التي حصدت المذبحة أبناءها المصلين في مسجد الروضة، حيث وقعت خلافات شديدة بين أبناء قبيلتي السواركة والترابين مجدداً. وفي هذا الشأن يقول عدد من مشايخ القبائل التي تسكن بئر العبد إن «عدة محاولات واتصالات جرت بين قيادات قبلية للسيطرة على الخلافات بين قبيلتي الترابين والسواركة فيما يخص أسلوب مواجهة الإرهاب والتعامل مع أبناء القبائل».
ووفق الشيخ سلمان البياضي، أحد مشايخ ورموز قبيلة البياضية ببئر العبد، الذي التقته «الشرق الأوسط» فإن قبائل بئر العبد «ومن بينها قبيلة السواركة، لم تتخذ أي إجراءات عقب وقوع مذبحة المصلين حتى الآن»، مشيراً إلى «أهمية إنهاء عدة إجراءات أولية قبل عقد أي اجتماعات أو اتخاذ أي قرارات بشأن الثأر لأبناء قبيلة السواركة».
ومن جهته، أفاد الشيخ حسين الجريري، أحد مشايخ قبيلة السواركة لـ«الشرق الأوسط»، بأنه «لم يتخذ أي قرار منذ وقوع الحادث المفجع، لمتابعة أبناء الشهداء، ومتابعة أحوال المصابين وخروجهم جميعاً من المستشفيات أولاً، قبل بدء التجهيز لمؤتمر لقيادات القبائل للوقوف على الإجراءات المزمع اتخاذها».
في حين قال الشيخ عبد الحميد الأخرسي، أحد مشايخ قبيلة الأخارسة بمدينة بئر العبد أيضاً إن «قبائل بئر العبد ترفض رفضاً قاطعاً الدخول في حرب قبلية تشبه «الصحوات» في العراق، لكونها قد تؤدي إلى صراعات وتقطيع أوصال أبناء القبائل في غرب ووسط وجنوب سيناء». ويوضح في كلامه لـ«الشرق الأوسط»: «القبائل لن تقوم بمحاربة تنظيم داعش بالوكالة عن الدولة، وذلك لأن القوات المسلحة ممثلة بالجيش، هي المنوط بها محاربة التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع الشرطة».

تعاون قديم
إلى ذلك لا يُعتَبَر لجوء أجهزة الأمن المصرية إلى الاستعانة بأبناء قبائل سيناء لملاحقة العناصر المتشددة دينياً في شبه الجزيرة مرتبطاً فقط بالأحداث التي تشهدها المناطق الملتهبة منذ أربع سنوات، إذ استعانت أجهزة الأمن بأبناء القبائل بعد تفجيرات طابا وشرم الشيخ ونويبع عامي 2005 و2006 من خلال ملاحقة تلك العناصر في مناطق جبل الحلال.
المصادر الأهلية المحلية تشير أيضاً إلى ارتباط أفراد من عائلات وقبائل بأجهزة الأمن في مجال الإفادة المعلوماتية، أثناء انطلاق الحملات الأمنية، وهذا من منطلق خبرتهم الجغرافية، وإدراكهم لطبيعة المناطق القبلية، وذلك قبل إعلان «اتحاد قبائل سيناء» عن تكوين تشكيلات لملاحقة عناصر تنظيم «ولاية سيناء في داعش» في مناطق جنوب الشيخ زويّد.
أخيراً، أوضح سليم سواركة، أحد أبناء قبيلة السواركة لـ«الشرق الأوسط» أن «عناصر التنظيم تغلغلت بين القبائل كأفراد لهم انتماء فكري متقارب، وتجاوزت الشكل القبلي المتعارف عليه، لوجود عناصر من خارج القبائل ومن محافظات أخرى... وهو ما لم تقبل به الطبيعة القبلية، للانتشار في قراهم». واعتبر أن «الالتقاء الفكري المتشدد كان عامل الاحتضان الأقوى، وليس التهميش، أو تدنّي مستوى الخدمات، لا سيما أن التيار المتشدّد نشأ في الثمانينات، وتطور عاماً بعد عام». وعن قدرة أبناء القبائل على القضاء على الإرهاب، قال سواركة إن «التفكك الذي ضرب القرى خلال السنوات الماضية، ونزوح أبناء القبائل إلى مناطق أخرى، لن يساهم في القضاء على الإرهابيين بأيدي أبناء القبائل».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.