قرية سويسرية تدفع 25 ألف فرنك لجذب الشباب إلى الإقامة فيها

بسبب تضاؤل عدد السكان

قرية سويسرية تدفع 25 ألف فرنك لجذب الشباب إلى الإقامة فيها
TT

قرية سويسرية تدفع 25 ألف فرنك لجذب الشباب إلى الإقامة فيها

قرية سويسرية تدفع 25 ألف فرنك لجذب الشباب إلى الإقامة فيها

صوّت، أول من أمس، مجلس بلدية ألبينين قرية السويسرية، بالموافقة على الخطة التي رفعت له مقترحة إغراء مواطنين بالاستقرار في القرية لزيادة عدد سكانها، وجاءت نتيجة التصويت 71 موافقاً مقابل 29 معترضاً وصوت واحد فقط مقاطع، وفقاً لما ذكرته صحيفة «20 مينوتن» السويسرية الإلكترونية.
وكان نحو 94 من مجموع سكان قرية ألبينين البالغ عددهم 240 شخصاً قد رفعوا قبل أيام عريضة لمجلسها البلدي مقترحين تقديم حوافز مادية مغرية تصل إلى 25 ألف فرنك للشباب و10 آلاف فرنك للطفل، كحلٍ لمشكلة تضاؤل السكان الفظيع الذي تعاني منه قريتهم، حيث لم يبقَ فيها غير 5 أطفال في سن التعليم، الأمر الذي أجبر المدرسة الوحيدة فيها على إغلاق أبوابها.
وقبل التصويت، حذر رئيس بلدية بيت جوست زملاءه القرويين من أن ألبينين على حافة الاختفاء، قائلاً: «لقد فقدنا الكثير خلال السنوات الـ30 الماضية بما فيها مكتب البريد والمدرسة»، مضيفاً: «عام 2018، سيكون أكثر من نصف قريتنا من المتقاعدين».ولم تحمل العريضة التي انتشرت وحظيت بتغطية إعلامية واسعة غير شروط بسيطة؛ أولها ألا يزيد عمر من يرغب في الانتقال للقرية عن 45 سنة، وأن يوافق على الإقامة بها لفترة لا تقل عن 10 سنوات، وأن يشتري أو يجدّد أو يبني منزلاً كسكن دائم وليس كسكن صيفي أو مؤقت أو للاستثمار، بسعر لا يقل عن 200 ألف فرنك، مقابل إيداع رهن عقاري يقدر بـ20 في المائة من قيمة العقار. هذا ولا يتعين تسديد أموال القرض إلّا في حال قرّر الساكن الجديد ترك القرية قبل انتهاء المدّة المحدّدة.
من جانب آخر، كان تصريح أخير أدلى به عمدة قرية ألبينين السويسرية، قد أثار خيبة أمل كبيرة، بين الجموع التي ظلت تترقب نتيجة تصويت مجلس بلدية القرية، حين أعلن العمدة موضحاً أنّهم لن ينظروا في غير طلبات من يحملون تصريح بالإقامة الدائمة في سويسرا، رامياً باللوم على ما وصفه بتقارير صحافية سارعت بنقل الاقتراح المقدم من دون دقة مما جذب الآلاف كما تلقت البلدية استفسارات من أنحاء مختلفة في العالم، مضيفاً أن من بين مائة قد لا يستوفي شرط الإقامة غير واحد فقط، حسب القواعد واللوائح السويسرية الصارمة.
جدير ذكره أن إحصاء كان قد أجري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أوضح أن عدد سكان قرية ألبينين يبلغ 241 شخصاً، وكانت تفاصيل وردت في إحصاء سابق أجري في عام 2008، أفاد بأن 161 شخصاً في القرية لم يتزوجوا مطلقاً، و130 متزوجون، و17 أرامل، و8 مطلقون.من جانبه، وفي حديث لوسائل الإعلام وصف مسؤول في البلدية مشكلة تقلّص عدد السكان لدرجة الخطر بأنها «مشكلة وطنية» تعاني منها قرى سويسرية كثيرة، ممّا يتطلب التدخل السريع، مضيفاً أنّ القرية بما تعرضه، تتوقع أن تكسب روحاً شبابية جديدة خاصة،
وأنّ نسبة 51.7 في المائة من سكانها فوق الـ64 سنة. أضف إلى ذلك ما ستجنيه البلدية من ضرائب، مستدركاً أنّ قلة فرص العمل في القرية ليست مشكلة عصية، لكونها لا تبعد غير مسافة نصف ساعة بالسيارة عن مدينتي فيسب وسيون. بالإضافة إلى العرض المالي تمتاز قرية ألبينين التي تتبع لكانتون فاليس (الجزء الألماني من سويسرا)، بجمال طبيعي خارق، متمددة على مساحة 15.5 كيلومتر مربع، بارتفاع 1300 متر فوق سطح الأرض، مطلة على نهر الرون.
وقد جذب هذا العرض قبل توضيح العمدة الأخير، جموعاً من أفراد أسر شابة حصلت على حق اللجوء في النمسا، وتخشى تغييرات متوقعة في قوانين اللجوء وخفض القيمة المالية للمساعدات الاجتماعية بالنمسا مع تولي الحكومة اليمينية الجديدة مقاليد الحكم، التي أعلن حزباها عن نياتهما في هذه السياق إبّان الحملات الانتخابية. بدورها أشارت أسر حصلت على اللجوء في دول مجاورة لسويسرا في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى رغبتها الجادة في الانتقال إلى قرية ألبينين، واصفة العرض بالمربح، لا سيما أنّ أصغر أسرة تتكون من زوج وزوجة وطفلين ستحصل على ما يعادل مبلغ 60 ألف يورو، والأهم من ذلك أن القرية هي التي تطلب من يزيدها عدداً.
وفي هذا السياق سبق أن أعلنت قرية كوريبو الواقعة بكانتون تيتشينو بجنوب سويسرا قبل أشهر، عن تحويل مساكنها التي تخلو من السكان إلى منتجع فندقي بعدما تقلّص عدد سكانها إلى 14 شخصاً فقط. وحسبما ذكرت الشركة التي ستنفّذ المشروع فإنّ منازل القرية المحمية كإرث تاريخي لن تتغير، فقط سيستفيدون من تلاصقها وبنيتها التقليدية. كما قدمت قرى سويسرية أخرى حوافز لمعالجة مشكلة شيخوخة السكان والهجرة إلى المدن، بما في ذلك خصومات على قطع الأراضي أو وسائل النقل العام.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.