لا يبدو أن العلاقات الفرنسية - الإيرانية مقبلة على انفراجات وشيكة بعد التوتر الذي شهدته في الأيام الماضية بسبب الردود العنيفة لمسؤولين إيرانيين بينهم مستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي وقائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري على مقاربة باريس للملفات الخلافية مع طهران مثل استكمال الاتفاق النووي وفتح ملف البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني وسياسات طهران الإقليمية. وجاءت تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون ليل أول من أمس من أبيدجان لتزيد العلاقات تعقيدا ولتجعل زيارته إلى العاصمة الإيرانية التي كان من المفترض أن تتم بداية العام المقبل أقل احتمالا.
في مقابلة مع القناة الإخبارية «فرانس24»، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الحاجة لـ«مناقشة استراتيجية حول موقع إيران في المنطقة من أجل وضع حد للأعمال المزعزعة للاستقرار الجارية حاليا في عدة بلدان». ووفق المقاربة الرئاسية، فمن الواضح أن الرئيس الفرنسي يحمل طهران مسوؤلية هذه الأعمال التي يريدها أن تتوقف. فضلا عن ذلك، فإن ماكرون الذي سبق له أن هدد إيران باللجوء إلى العقوبات إذا ما استمرت على مسارها المثير للقلق إقليميا ودوليا في الملفين الباليستي والسياسة الإقليمية لا يعتبر طهران «شريكا» بل يصفها بأنها بلد أطرت باريس علاقتها معه حول الملف النووي والاتفاق المبرم في 13 يوليو (تموز) من عام 2015 الذي كانت فيه طرفا فاعلا.
وبالنظر لكل هذه المسائل الخلافية، تبدو الزيارة الرئاسية إلى العاصمة الإيرانية مؤجلة إن لم يكن قد تم تناسيها. وقال ماكرون في المقابلة المشار إليها، إنه سيذهب إلى طهران «في الوقت المناسب» أي بعد أن تتوافر الشروط ويتم التحضير الجيد لها «مع الشركاء». وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن ماكرون «لن يذهب إلى طهران إذا لم يكن متأكدا من أنه سيحصل على شيء يبرر الزيارة». والحال أنه حتى الآن، ما زال الإيرانيون يرفضون جميع المقترحات الفرنسية إن بالنسبة لـ«استكمال» الملف النووي أو طرح موضوع البرامج الصاروخية فضلا عن تعاطي إيران مع الملفات المتفجرة في المنطقة ومنها اليمن وسوريا والعراق وأمن الخليج.
حقيقة الأمر أن باريس تتشارك مع بلدان الخليج قلقا مزدوجا من تسارع تطوير إيران لترسانتها الصاروخية ولما تعتبره سياسة «عدوانية» و«نزعة للهيمنة» بحسب ما جاء في تصريحات وزير خارجيتها وعلى لسان ماكرون نفسه. وأشارت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن منبع القلق هو أن إيران «تهدد التوازن الاستراتيجي في المنطقة» الخليجية وغياب التوازن «يفتح الباب أمام مغامرات» لا يمكن التحكم بها. ولمزيد من الإيضاح تفيد هذه المصادر بأن السعودية «ليست هي من يهدد إيران». ورغم الخلافات، فإن باريس تريد مواصلة الحوار مع طهران وهي تريده حوارا «صريحا». وآخر تجلياته كان الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ماكرون والرئيس حسن روحاني الأسبوع الماضي. وتعني كلمة «صريح» في اللغة الدبلوماسية أن النقاش يتم من غير قفازات أي أنه «مباشر». والرسالة التي أوصلتها فرنسا عبر الاتصالات المتتالية بين مسؤولي الطرفين هي دعوة الجانب الإيراني إلى أن يأخذ بعين الاعتبار القلق الدولي من أجل «تجنيب المنطقة المواجهة العسكرية». وتضيف المصادر الفرنسية أنه «يكفينا ما تعرفه المنطقة حاليا من حروب حتى نضيف إليها حربا جديدة». ولذا، فإن باريس تريد من طهران أن ترى التزامات «مكتوبة» يمكن لاحقا متابعتها والتأكد من تنفيذها.
تعول باريس في حال لم يزر لودريان طهران سريعا، على مناسبتين لفتح جميع الملفات مع الجانب الإيراني: الأولى قمة المناخ التي ستستضيفها العاصمة الفرنسية في 12 ديسمبر (كانون الأول)، والثانية قمة محاربة تمويل الإرهاب في باريس أيضا التي يمكن أن تلتئم في فبراير (شباط) المقبل. وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن السلطات الإيرانية أكدت حضورها في القمة الثانية وأنها ستقدم «التزامات». أما بشأن القمة الأولى، فقد قالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن طهران دعيت إليها ولكنها لم تعط ردا حتى الآن. لكن السفير الإيراني في باريس أفاد الأسبوع الماضي بأن روحاني سيأتي إلى العاصمة الفرنسية وأنه سيكون له لقاء بهذه المناسبة مع ماكرون.
تعتبر مصادر سياسية في باريس أن الجانب الفرنسي «ليس في وضع مريح» فيما يخص سياسته إزاء طهران إذ إنه يسعى للجمع بين أضداد يصعب الجمع بينها. فمن جهة، ثمة أبعاد سياسية لا تستطيع باريس التخلي عنها مثل الحرص على أن تكون قريبة من واشنطن رغم اختلاف وجهات النظر بين البلدين بشأن مصير الاتفاق النووي مع طهران الذي تدافع باريس عنه بشدة، بينما الإدارة الأميركية تود وأده. ولذا، فإن باريس تتبنى مقاربة واشنطن بشأن الملفين الباليستي وسياسة إيران الإقليمية وذهبت إلى حد التلويح بفرض عقوبات على طهران. لكنها في الوقت عينه تريد أن تحافظ على هامش من حرية الحركة إزاء واشنطن فيما عليها أيضا أن تراعي مصالحها الاقتصادية والتجارية مع إيران التي ترى فيها سوقا واعدة. كذلك يتعين الإشارة إلى العلاقات التي تربط باريس بالدول الخليجية وحاجتها لمراعاة «هواجسها». وهكذا، بين هؤلاء وأولئك تتحرك الدبلوماسية الفرنسية وشعارها «الاستقرار الإقليمي» في منطقة تعاني من حرب اليمن والحرب على الإرهاب والحرب في سوريا وتدخلات إيران مباشرة أو عبر أدواتها التي تحركها وفق مصالحها ومخططاتها. وقالت المصادر الفرنسية إن الورقة «الرابحة» بيد باريس في «حوارها» مع طهران أنه «من الأجدى لها أن تتجاوب مع ما تطرحه فرنسا حتى لا تجد نفسها بمواجهة التهديدات الواردة من أكثر من مصدر». وثمة «سباق» بين الجهود الداعية للتهدئة والأخرى الدافعة باتجاه التصعيد من الجانبين وهو سباق «لم يحسم بعد».
باريس: إيران تهدد «التوازن الاستراتيجي» في منطقة الخليج
مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: ماكرون قد يلغي زيارة إلى طهران إذا لم يلمس تجاوباً
باريس: إيران تهدد «التوازن الاستراتيجي» في منطقة الخليج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة