أظهرت البنوك البريطانية أنها قطعت شوطا طويلا منذ الأزمة المالية العالمية، وتبين أنها أكثر قوة لاجتياز أزمة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ضد مجموعة شاملة من السيناريوهات، حيث أظهرت البنوك البريطانية أنها «ليست مجرد مخازن لرؤوس الأموال». وأعلن بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أمس، أنه سيكون بإمكان المصارف البريطانية دعم الاقتصاد حتى في حال خروج لندن من الاتحاد الأوروبي بشكل «غير منظم»، بعدما نجح القطاع في آخر جولة من الاختبارات بشأن مدى قدرته على تحمل الضغوط.
وفي الوقت ذاته، أكد «المركزي» أنه لا يتعين على أكبر سبعة مصارف تجزئة في البلاد أن تمتلك ستة مليارات جنيه إسترليني (ثمانية مليارات دولار أو 6.7 مليار يورو) كمجموع احتياطات رأس المال لتجنب وقوع أزمة، وهو كما كان أحد المخاوف الرئيسية قبل ذلك. وأشار بنك إنجلترا إلى أن المصارف السبعة، التي تضم «باركليز»، و«إتش إس بي سي»، و«رويال بنك أوف اسكوتلاند»، و«لويدز»، و«نيشنوايد»، و«سانتاندر»، و«ستاندارد شارترد»، اجتازت الاختبارات بشأن قدرتها على تحمل الضغوط الاقتصادية لأول مرة منذ بدأت الاختبارات عام 2014، مؤكدا أنها «قادرة على الصمود» أمام أي ركود. وأفاد بيان صادر عن لجنة السياسة المالية لـ«المركزي»، بأن «سيناريو اختبار القدرة على التحمل يشمل سلسلة واسعة من المخاطر التي قد تواجه الاقتصاد الكلي البريطاني، التي يمكن ربطها بـ(بريكست)». وأضاف: «نتيجة ذلك، ترى لجنة السياسة المالية أن النظام المصرفي البريطاني قد يستمر في دعم الاقتصاد الحقيقي في ظل (بريكست) غير منظم».
لكن محافظ بنك إنجلترا مارك كارني حذر مع ذلك في مؤتمر صحافي من أن «بريكست» غير منظم «ليس في مصلحة أحد»، وستكون له «تداعيات اقتصادية على الأفراد والأعمال التجارية».
وستغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسميا في مارس (آذار) 2019 بعدما صوت مواطنوها العام الماضي لصالح الانفصال، إلا أن المفاوضات لا تزال جارية بشأن شروط انسحابها والعلاقات التجارية المستقبلية. وهناك مخاوف من أن يتسبب وصول المحادثات إلى طريق مسدود بخروج بريطانيا دون التوصل إلى اتفاق تجاري، ما قد يتسبب باضطرابات شديدة تعصف باقتصادها. وأشار كارني إلى أن «بريكست» غير منظم من دون ترتيب العلاقة التجارية من خلاله «ليس سيناريو جيدا». وأكد أنه سيناريو «نعمل جميعنا على تجنبه؛ حيث يحمل تكاليف اقتصادية واضحة، حتى لو استمرت المنظومة الاقتصادية بالعمل خلاله».
وصُممت الاختبارات لمعرفة إن كان بمقدور القطاع المصرفي مواجهة ركود اقتصادي عالمي وانهيار أسعار العقارات وارتفاع مستوى البطالة. لكن بنك إنجلترا حذر من أن أي عملية خروج «فوضوية» من التكتل الأوروبي مصحوبة بركود عالمي وتشوبهما سوء إدارة، قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية «أكثر شدة» مما توقعته الاختبارات.
وأكد بيان البنك المركزي أن «اختبار القدرة على التحمل لعام 2017 يظهر أن المنظومة المصرفية البريطانية قادرة على الصمود أمام حالات ركود عميقة متتابعة في الاقتصاديين البريطاني والعالمي، وأمام أي تراجع كبير في أسعار الأصول والتكاليف المنفصلة جراء الضغط الناجم عن سوء الإدارة». وشدد «المركزي» البريطاني على ضرورة أن المدينة تحتاج إلى صفقة انتقالية لمدة سنتين على الأقل.
ورحبت الحكومة البريطانية بالأخبار القائلة إن البنوك البريطانية قادرة على البقاء على «قيد الحياة» بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ ما دام أنها لم تتزامن مع أزمة اقتصادية أوسع، في ظل اتجاه الحكومة نحو قمة حاسمة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وأكد براين موريس، مدير إدارة الخدمات المالية لشركة «سي إم إس» لإدارة الأصول، لـ«الشرق الأوسط»، أن مارك كارني من حقه تمام التحذير من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قائلا إن «التحذيرات المتكررة لبنك إنجلترا من الخروج البريطاني على النظام المالي، يسلط الضوء على الحاجة إلى اتفاق حكومي مبكر على المشهد التنظيمي الجديد، بالإضافة إلى فترة انتقال مناسبة للتكيف معها».
وأشار موريس إلى أن «الشركات البريطانية تحتاج لكل دقيقة خلال السنوات الثلاث؛ وليس فقط فترة الـ70 أسبوعا المقدرة في إشعار المادة 50، من أجل التخطيط لإنجاح أعظم نظام مالي معمول به منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939»، مؤكدا «أنه لشيء مطمئن أن القطاع المالي يمكنه أن يتحمل خسائر قدرها 50 مليار إسترليني إذا تعرض الاقتصاد إلى كبوة حادة... وإذا كانت جميع البنوك مرت بهذا الاختبار، فعلينا الإجابة عن سؤال شامل، مفاده: هل بلغنا فعلا هذه النقطة؟ والإجابة الأكيدة الآن هي نعم».
وبحسب موريس، فـ«النتيجة هي أن نظامنا المصرفي يمكن أن يستوعب الآن الخسائر الكارثية، بما في ذلك استمرار التقاضي وإجراءات الغرامات... ولا يزال في وضع يسمح له بتوفير الائتمان للاقتصاد أثناء الضغط».
وعلى الرغم من اجتياز اختبارات الضغط، انخفض أمس سهم مجموعة «لويدز» المصرفية بمقدار 2.7 في المائة، وتخلف سهم «باركليز» بانخفاض قدره 1.7 في المائة... فيما على الجانب الآخر ارتفعت أسهم «إتش إس بي سي»، و«ستاندارد تشارترد»، مستفيدين من وجودهما الواسع في عدد كبير من الأسواق الناشئة.
وبحسب المراقبين، فإنه في الوقت الذي تظهر فيه البنوك البريطانية أنها في وضع أفضل لمواجهة مشكلات الماضي، يجب عليها أن تكون أيضا على استعداد لمخاطر المستقبل، وسيتعين على البنوك أن تظهر قدرتها على الصمود عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا والاضطراب الرقمي الذي يلوح في الأفق، خصوصا مع اتساع تداول العملات الرقمية، وتزايد مخاطر الجرائم الإلكترونية، ومدى استعدادها لتبني قوانين حماية البيانات.
بريطانيا تطمئن على قوة بنوكها للمرة الأولى منذ 2014
محاذير من «بريكست فوضوي» رغم قدرة القطاع المصرفي على استيعاب خسائر كارثية
بريطانيا تطمئن على قوة بنوكها للمرة الأولى منذ 2014
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة