«قمة سوتشي» كانت أبعد من سوريا ومصير الأسد

شكلت جزءاً من هدف روسي لبناء قوى أورو ـ آسيوية تحت قيادتها

نازح مقعد من دير الزور في مخيم قانا قرب الحسكة شمال شرق سوريا (رويترز)
نازح مقعد من دير الزور في مخيم قانا قرب الحسكة شمال شرق سوريا (رويترز)
TT

«قمة سوتشي» كانت أبعد من سوريا ومصير الأسد

نازح مقعد من دير الزور في مخيم قانا قرب الحسكة شمال شرق سوريا (رويترز)
نازح مقعد من دير الزور في مخيم قانا قرب الحسكة شمال شرق سوريا (رويترز)

أثارت قمة سوتشي التي جمعت روسيا وتركيا وإيران تعليقات إيجابية في معظمها، خصوصاً في الغرب مع إشادة بعض المحللين بها باعتبارها «جهود كبرى لإنهاء الأزمة السورية».
ومع هذا، فإن القمة في حقيقتها كانت تدور حول أمور كثيرة مختلفة ولا تقتصر على «الأزمة السورية»، وعليه، لم يكن من المثير للدهشة أن نعاين وجهات نظر متضاربة إزاء ما تعنيه القمة على وجه التحديد.
من جانبه، وصف الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد «سوتشي» بـ«إعادة تأكيد على الدعم الروسي» لنظامه. ومع هذا، فإن الطرح الروسي للقمة لا يقر هذه الرؤية. غير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف المهمة التي تسعى «القمة» لتنفيذها بأنها «صياغة إطار عمل لهياكل مستقبلية للدولة السورية، وإقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات على هذا الأساس».
وإذا كنتَ تتطلع نحو المستقبل، فهذا يعني أنك غير مهتم بالحالي. وإذا كنتَ تسعى لبناء «هياكل مستقبلية للدولة» ودستور جديد، فهذا يعني أن الوضع القائم الذي يضطلع فيه بشار بدور الرئيس، يجب أن ينتهي.
في الواقع، كانت سوريا واحدة من القضايا الهامشية في سوتشي، التي اعتبرتها روسيا حافزاً للبحث عن استراتيجية كبرى. وقد انعكست هذه الرغبة الروسية على التعليقات الصادرة عن وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الكرملين. وتبعاً لما أفادت به وكالة «سبوتنيك» المملوكة للدولة، فإن «سوتشي» تشكل جزءاً من الهدف الروسي المتمثل في بناء كتلة «من قوى أورو - آسيوية تحت قيادتها» لتحدي الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
وقالت الوكالة: «القمة السورية في سوتشي المنعقدة هذا الأسبوع بين زعماء روسيا وإيران وتركيا تشكل لقاءً بين القوى الكبرى بالشرق الأوسط، على غرار مجموعة القوى الأوروبية الكبرى التي هيمنت على المنطقة في القرن الـ19».
وتأتي الإشارة إلى القوى الأوروبية الكبرى التي كانت لها الهيمنة خلال القرن الـ19 في إشارة إلى «مؤتمر برلين» الذي قسم العالم بين القوى الاستعمارية الأوروبية.
وأضافت «سبوتنيك» أنه «يبزغ فجر حقبة جديدة ومثيرة من العلاقات بين القوى الثلاث الكبرى في المنطقة الأورو - آسيوية في خضم مساعيها لتعزيز شراكتها ببعضها، ودفعها نحو آفاق جديدة. وبالنظر إلى ما وراء الزخم الفوري الذي يخلقه الوضع في سوريا فيما وراء هذا التجمع لقوى كبرى معنية بالشرق الأوسط، فإن ثمة توجهاً أقل وضوحاً يشير إلى الدور الأساسي والمحوري، الذي بدأت روسيا في الاضطلاع به فيما يخص تعزيز الاستقرار بمناطق تقع خارج حدودها».
واستطردت «سبوتنيك» بأنه «تدور الاستراتيجية الكبرى لروسيا في القرن الـ21 حول التحول إلى القوة العظمى لتحقيق التوازن داخل المنطقة الأورو - آسيوية، الأمر الذي يفسر السبب وراء محاولتها (تحقيق توازن) داخل منطقة الشرق الأوسط التي تتداخل مع ثلاث قارات، عبر دبلوماسية القوة العظمى مع إيران وتركيا من أجل التصدي للعمليات المدمرة التي أطلقتها الولايات المتحدة داخل المنطقة منذ ما أطلق عليه (الحرب الدولية ضد الإرهاب)»، وحتى الآن، أحرزت المهمة متعددة الأقطاب التي أطلقتها موسكو نجاحاً هائلاً.
ومع ذلك، تبقى هناك بالتأكيد عقبات سيتحتم التعامل معها عاجلاً أم آجلاً.
بمعنى آخر، فإن روسيا تستغل القضية السورية كجزء من خطة أوسع لخلق تكتل من القوى داخل الشرق الأوسط بقيادة موسكو، إلا أن تركيا وإيران تنظران إلى الأمور على نحو مختلف.
من ناحيتها، تنظر أنقرة إلى «سوتشي» باعتبارها تعبيراً عن دعم الرئيس رجب طيب إردوغان من قبل كل من روسيا وإيران. على سبيل المثال، ادعى الكاتب التركي سيراب بالأمان، والمعروف بأنه يعكس وجهات نظر إردوغان شخصياً، أن سوتشي شكلت «دفعة دعم قوية للرئيس التركي في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل المدعومة من جانب الولايات المتحدة ضده في صيف 2016».
ويعني ذلك أنه خلال «قمة سوتشي»، أقرت روسيا وإيران الخطاب الذي يصدره إردوغان حول أن محاولة الانقلاب العسكري ضده لا تعدو كونها «مخططاً أميركياً»، وهي جهة نظر يختلف معها كثير من الأتراك.
ومع هذا، تأمل أنقرة في الحصول على أمر آخر أيضاً: وجود عسكري داخل سوريا لتقسيم المناطق التي تسكنها أقلية كردية إلى أرخبيل من المناطق المنعزلة عن بعضها، ما يحول دون ظهور كتلة كردية قوية تمتد عبر شمال العراق وجنوب شرقي تركيا وأجزاء من سوريا.
من ناحيتها، أكدت صحيفة «زمان» اليومية التركية المحافظة أن «ما ناقشه القادة العسكريون في (سوتشي) تعلق مباشرة بالأمن الوطني التركي»، وتبعاً لما أوردته صحيفة «صباح» اليومية القريبة من حزب إدروغان، فإن تركيا ترحب بتقسيم سوريا إلى أربع أو خمس مناطق «لخفض التصعيد»، بحيث تسيطر أنقرة على محافظة إدلب السورية.
وأشارت الصحيفة إلى أن «إدلب كانت المنطقة التي اتفقت حولها القوى الثلاث. وستحتاج الـ12 جماعة المسلحة المسيطرة على المدينة حالياً، والـ15 جماعة شبه المسلحة المرتبطة بعشائر محلية، إلى توجيه. وقد أقامت تركيا في الوقت الحاضر القليل من القواعد العسكرية في المنطقة لمراقبة التطورات في عفرين، وطلبت من روسيا وإيران معاونتها وتلقت وعوداً بذلك».
وأوضحت الصحيفة أنه «يدور قلق تركيا الأكبر حول احتمالية النظر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره ممثلاً للأكراد السوريين. وتصر تركيا على أن سيطرة وحدات الحماية الشعبية التابعة للحزب على عفرين، بجوار الحدود مع تركيا مباشرة، أمر غير مقبول، وتدرس شن عملية عسكرية لتحرير المنطقة. ويذكر أن عفرين مدينة ينتمي غالبية سكانها إلى الكرد وتخضع حالياً لسيطرة مسلحي وحدات الحماية الذين يشكلون تهديداً خطيراً لتركيا. وقد تنفذ تركيا وروسيا عملية مشتركة لتخليص عفرين من الإرهابيين».
من جديد، نرى أنه من وجهة النظر التركية على الأقل، فإن «سوتشي» كانت مهتمة على نحو هامشي فقط بالأزمة السورية.
أما إيران، العنصر الثالث المشارك في «سوتشي»، فكان لها وضع خاص لأن الرئيس حسن روحاني الذي مثل طهران في القمة، ليس صانع القرار الحقيقي، على خلاف الحال مع بوتين وإردوغان. وعليه، فإن مهمة روحاني تمثلت في التأكيد على أمر واحد فحسب: إمكانية أن تسيطر قوات إيرانية والجماعات المتعاونة معها، مثل «حزب الله» اللبناني ومرتزقة أفغان وباكستانيين داخل سوريا، على مساحات غير متجاورة تمتد من العراق إلى الحدود السورية مع لبنان.
إلا أن ثمة مصادر داخل طهران أخبرتنا بأن بوتين وإردوغان لم يجيبا روحاني لمطلبه. وقال مصدر رفيع المستوى إن «ما عرضاه في سوتشي كان رقعة صغيرة من الأرض إلى الجنوب الغربي من دمشق، مما يجعل من الصعب على الجمهورية الإسلامية المضي في سياسات (محور الممانعة)».
وأكدت صحيفة «كيهان» التي تعكس أصداء آراء المرشد الأعلى الإيراني، أن «سوريا سترفع رأسها من أكوام الحطام وستبقى بكل تأكيد متحالفة مع محور الممانعة».
بعد ذلك، وُجهت ضربة قاصمة إلى «المبادرة التاريخية» التي أطلقها بوتين بقولها: «حتى أولئك الذين يرتدون ملابس الأصدقاء لا يمكنهم أن يحددوا مصير سوريا بل سيحدده شعبها في ظل قوة محور الممانعة».
في الواقع، ثمة أمر واحد واضح تماماً من سوتشي: ينظر المشاركون الثلاثة إلى مصير الأسد كقضية صغيرة سيجري حسمها عندما يفرغ كل منهم من إنجاز أهدافه الكبرى المنفصلة والمتعارضة مع أهداف الآخرين.
ورغم بيانات النصر الصادرة عن إيران وروسيا وتركيا، لم تنتهِ الحرب السورية بعد، ذلك أن الحرب لا تضع أوزارها قط عندما يعلن طرف ما انتصاره، وإنما عندما يقر طرف ما بهزيمته، الأمر الذي لم يحدث في سوريا بعد.



مصر: «حماس» ستطلق سراح 33 محتجزاً مقابل 1890 فلسطينياً في المرحلة الأولى للاتفاق

طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

مصر: «حماس» ستطلق سراح 33 محتجزاً مقابل 1890 فلسطينياً في المرحلة الأولى للاتفاق

طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الخارجية المصرية، السبت، أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ستشهد إطلاق حركة «حماس» سراح 33 محتجزاً إسرائيلياً مقابل 1890 فلسطينياً.

وعبرت الوزارة، في بيان، عن أملها في أن يكون الاتفاق البداية لمسار يتطلب تكاتف الجهود الإقليمية والدولية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.

ودعت مصر المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، لدعم وتثبيت الاتفاق والوقف الدائم لإطلاق النار، كما حثت المجتمع الدولي على تقديم كافة المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني، ووضع خطة عاجلة لإعادة إعمار غزة.

وشدد البيان على «أهمية الإسراع بوضع خارطة طريق لإعادة بناء الثقة بين الجانبين، تمهيداً لعودتهما لطاولة المفاوضات، وتسوية القضية الفلسطينية، في إطار حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس».

وأشارت الخارجية المصرية إلى التزامها بالتنسيق مع الشركاء: قطر والولايات المتحدة، للعمل على التنفيذ الكامل لبنود اتفاق وقف إطلاق النار من خلال غرفة العمليات المشتركة، ومقرها مصر؛ لمتابعة تبادل المحتجزين والأسرى، ودخول المساعدات الإنسانية وحركة الأفراد بعد استئناف العمل في معبر رفح.

وكانت قطر التي أدت مع مصر والولايات المتحدة وساطة في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، أعلنت أن 33 رهينة محتجزين في غزة سيتم الإفراج عنهم في إطار المرحلة الأولى من الاتفاق.

وكانت وزارة العدل الإسرائيلية أعلنت أن 737 معتقلا فلسطينيا سيُطلق سراحهم، إنما ليس قبل الساعة 14,00 ت غ من يوم الأحد.

ووقف إطلاق النار المفترض أن يبدأ سريانه الأحد هو الثاني فقط خلال 15 شهرا من الحرب في قطاع غزة. وقُتل أكثر من 46899 فلسطينيا، معظمهم مدنيون من النساء والأطفال، في الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، وفق بيانات صادرة عن وزارة الصحة التي تديرها حماس وتعتبرها الأمم المتحدة موثوقا بها.

وأعربت الخارجية المصرية في البيان عن «شكرها لدولة قطر على تعاونها المثمر»، كما ثمّنت «الدور المحوري الذي لعبته الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإنهاء الأزمة إلى جانب الرئيس الأميركي جو بايدن».