تعديلات إردوغان على المناهج تثير جدلاً حاداً في تركيا

آخرها تقليص تاريخ أتاتورك والتوسع بالمدارس الدينية

مدارس «الفاتح» التابعة لغولن تحولت إلى مدارس «إمام خطيب»
مدارس «الفاتح» التابعة لغولن تحولت إلى مدارس «إمام خطيب»
TT

تعديلات إردوغان على المناهج تثير جدلاً حاداً في تركيا

مدارس «الفاتح» التابعة لغولن تحولت إلى مدارس «إمام خطيب»
مدارس «الفاتح» التابعة لغولن تحولت إلى مدارس «إمام خطيب»

شهد البرلمان التركي جدلاً حاداً بين حزبَي «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، و«العدالة والتنمية» الحاكم، بسبب فيديو أعدته وزارة التربية والتعليم في مناسبة الاحتفال بيوم المعلم، الذي تحتفل به تركيا في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، بسبب عدم ظهور أي صورة لمؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك أو أي إشارة إليه.
الفيديو الذي أُعدّ لعرضه على شاشات التلفزيون للفت الأنظار إلى قيمة المعلم في المجتمع، قام على فكرة ظهور معلم أمضى في الخدمة 40 عاماً وحان موعد درسه الأخير قبل أن يتقاعد، وفوجئ لدى دخوله الفصل بتلاميذه ممن درّس لهم على مدى مسيرته المهنية وقد جاءوا لتكريمه.
المشاجرة التي شهدها البرلمان، والتي دافع فيها حزب العدالة والتنمية عن الفيلم مؤكداً أنه قام على فكرة تكريم المعلم ولم يتطرق إلى قضايا أخرى، هي في الواقع انعكاس لقلق أكبر لدى العلمانيين في تركيا الذين يمثلهم حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه أتاتورك، من «الانقلاب» على إرثه عبر تغيير المناهج وبخاصة منهج التاريخ لتقليص الجزء الذي يتناول سيرة حياته وكفاحه لتأسيس الجمهورية التركية بعد انتهاء حكم الدولة العثمانية وكذلك التغييرات التي أدخلت في مادة «التربية والدين والأخلاق» التي ركزت على فكرة الجهاد، والدعوات التي أطلقها الرئيس رجب طيب إردوغان لإدخال اللغة العثمانية في المناهج الدراسية بدلاً عن التوسع في اللغات الأجنبية.
مجمل هذه التغييرات أدت إلى مخاوف كبيرة لدى العلمانيين في تركيا من التحول عن إرث أتاتورك على الرغم من تأكيد إردوغان والحكومة أنه لا تراجع عن مبادئه التي قامت الجمهورية على أساسها، كان آخر تأكيد واضح لذلك قد جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخميس الماضي لدى تخريج دفعة جديدة من جامعة الدفاع الوطني وقبلها في ذكرى وفاة أتاتورك في العاشر من نوفمبر الجاري.

تغييرات واسعة
في مطلع العام الجاري أعلن وزير التعليم التركي عصمت يلماز عن عملية واسعة لتغيير مناهج التعليم الابتدائي قال إنها تهدف إلى تحسين نوعية التعليم عن طريق حذف كثير مما سماه «موضوعات الحشو غير اللازمة في الحياة العملية للطالب» من المناهج الجديدة، التي أشار إلى أنها ستركز على نوعية التعليم لا على كمية المعلومات المعطاة للطلاب.
المنهج الجديد قلص من الجزء الخاص بسيرة أتاتورك، التي كانت تدرّس في المراحل الأولى من التعليم، وهي خطوة ربما كانت غير متصورة أو واردة قبل سنوات، لكن مؤيديها من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم رأوها ضرورية من أجل إنهاء «قدسية أتاتورك».
في المقابل فإن الأتاتوركيين، أعلنوا رفضهم هذه الخطوة التي رأوها جزءاً من حملة إردوغان وحزبه على النظام العلماني في تركيا، تزامناً مع الضغوط التي بدأت تمارَس على المدافعين عن بقاء النظام العلماني والحفاظ على مبادئ أتاتورك.
ومع بدء العام الدراسي بدأ تنفيذ التغييرات بصورة تدريجية وسط انقسام بين المعلمين والطلاب إلى فريقين، مؤيد ومعارض، وتمثل أول التغييرات في تقليص الجزء الخاص بتاريخ أتاتورك في المراحل الأولية للتعليم، وحذف نظرية «النشوء والارتقاء» التي وضعها البريطاني تشارلز داروين من منهج المرحلة الثانوية، بعد جدل ونقاش طويل في شأنها بين معسكري الإسلاميين والعلمانيين.
وقال وزير التعليم التركي، رداً على معارضي حذف النظرية، إن وزارته ملزمة بكل ما هو علمي وحقيقي، قاصداً أن نظرية داروين هي نظرية غير علمية، وأضاف: «نظرية داروين نتيجتها كانت نشوء نظرية التطور، مثل الفيزياء التي بدورها أنشأت نظرية الانفجار العظيم، لذلك هذه الموضوعات لا بد من نقاشها خارج إطار المنهج الدراسي بشكل منفصل».
وأدخلت وزارة التعليم أيضاً تغييرات على منهج مادة «التربية والدين والأخلاق»، وقالت صحيفة «جمهوريت» المعارضة، إنه لوحظ حذف موضوعات كثيرة تتحدث عن الأخلاق والفضائل العامة، لمصلحة التركيز أكثر على موضوعات الشريعة الإسلامية، مع دخول مفهوم «الجهاد في سبيل الله» والاستشهاد في منهج الصف السابع.
وتمت إضافة دروس تتحدث عن انتصارات الدولة العثمانية لا سيما في معركة «كوت العمارة» التي جرت بين الجيشين العثماني والإنجليزي في العراق في الحرب العالمية الأولى، وانتصر فيها العثمانيون بعد حصار طويل استسلم في نهايته الجيش البريطاني، وتقرر العودة للاحتفال بهذه المناسبة في المدارس بعد أن كان قد تم إلغاؤها منذ عشرات السنوات بضغط من بريطانيا.
كما دخل المناهج الجديدة أيضاً شرح محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا في 15 يوليو (تموز) 2016 باعتبارها دفاعاً عن الديمقراطية.

الإشارة الأولى
جاءت الإشارة الأولى لحملة تغيير المناهج من جانب الرئيس رجب طيب إردوغان الذي قال خلال افتتاح جامعة ابن خلدون، في إسطنبول، إنه لا يزال يذكر تلك الأيام التي كان يُحرم فيها الطلبة من حقوقهم ومظهرهم الخارجي الإسلامي كارتداء الحجاب أو إطلاق اللحية، لافتاً إلى تقديره لدور الجامعات التي تسعى إلى التجديد والمعاصرة انطلاقاً من جذور الحضارة والتاريخ العثماني.
وقال إردوغان إن «الأمة التي لا تنتمي إلى ماضيها لا يمكن أن يكون لها مستقبل، ونعرف أن هذه الحضارة هي مصدر إزعاج للبعض، ولطالما حاول الكثيرون طمس أفكارها وتاريخها». وعبّر عدم رضائه عن مواد التاريخ التي تدرّس في المدارس، قائلاً: «من المؤسف أننا أعددنا تاريخنا الرسمي لسنوات بالشكل الذي أراده البريطانيون... مناهج كتب التاريخ في تركيا ناقصة».
ودعا إردوغان الجامعات والمؤسسات التعليمية إلى اعتماد ثقافة الحضارة الإسلامية في مناهجها والابتعاد عن الاعتماد على الثقافة الأوروبية واستيراد الأفكار الغربية التي قال إنها غريبة عن تاريخ وتراث البلاد، معلناً اعتزامه إدخال تعديلات على المناهج الدراسية في البلاد من أجل «تعزيز الكتب والمناهج بتاريخها العريق والمشرف».
وظهرت استجابة وزارة التعليم التركية لهذا النداء بتغيير خطتها لإدخال اللغة الإنجليزية في مناهج الدراسة اعتباراً من الصف الأول الابتدائي ليبدأ تعليم اللغات الأجنبية في المدارس الحكومية من الصف الخامس الابتدائي اختيارياً، حيث يشمل الإنجليزية أو العربية أو لغات أوروبية أخرى كالإسبانية والألمانية وأيضا الروسية.

انقسام واسع
دافع رئيس مجلس التعليم العالي التركي ألب أرسلان دورموش، عن التغييرات في المناهج، قائلاً: «عملنا من خلال التعديلات الجديدة في المناهج على التخلص من الموضوعات التي تتحدث عن التاريخ من وجهة النظر الأوروبية، وعملنا على التركيز على مساهمات العلماء المسلمين والأتراك، أمثال ابن سينا وابن خلدون، بهدف تأكيد القيم الوطنية وتسليط الضوء على الإنجازات التي قدمتها الحضارة الإسلامية».
واعتبرت جمعيات ونقابات تعليمية تحديث وتغيير المناهج خطوة على الطريق الصحيح، من أجل تطوير المنظومة التعليمية، لكن المعارضة العلمانية رأت أن حزب العدالة والتنمية الذي حكم تركيا على مدى 15 عاماً، تولى فيها 5 وزراء المسؤولية عن التعليم، جاء كلٌّ بمشروعه الخاص ليهدم مشروع سلفه وهو ما تسبب في غياب أي استراتيجية للتعليم.
وانتقد رئيس اتحاد نقابات العاملين في التعليم قاسم بركات المنهج الجديد قائلاً إنه يتحدى نظام التعليم العلماني كوسيلة للحياة، وإن تبسيط النصوص في الكتب المدرسية هو هجوم منظّم على العلوم الطبيعية والتاريخ والفلسفة، ويشكل مبادرة خطيرة من وزارة التربية والتعليم تفصل المناهج عن المعرفة العلمية والواقع، وتجعلها مماثلة للمناهج الموجودة في المدارس الدينية. وأضاف أنه «لم تتم استشارة خبراء التعليم ومنظمات المجتمع المدني، وهذا غير ديمقراطي ويثير قلقنا كثيراً».

قضية الحريات
وتصاعد الأمر إلى ما هو أكبر من الجدل والنقاش، حيث نظمت الشرطة حملة دهم طالت منزلَي شابَّين كتبا على جدار مدرسة في منطقة سكنهما «تركيا علمانية وستبقى علمانية»، وذلك بعد 10 أيام على توقيف شاب تجول بين المقاهي الشعبية محدّثاً روادها عن أهمية العلمانية، ونتيجة لذلك قدم حزب الشعب الجمهوري استجواباً لوزير العدل متسائلاً: «منذ متى بات الدفاع السلمي عن العلمانية في تركيا جريمة يُعاقب عليها القانون؟».
واتسعت اعتراضات حزب الشعب الجمهوري على المساس بسيرة أتاتورك والسعي لما سماه «أسلمة التعليم» إلى فتح ملف الحريات في تركيا، حيث أعلن نائب الحزب بالبرلمان باريش ياركداش، أن أجهزة الأمن أعدت مذكرات اتهام لنحو 17 ألف مستخدِم لمواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تعليقاتهم، وأنها تبحث عن عناوين 45 ألفاً آخرين، من أجل استدعائهم للتحقيق معهم، قائلاً إن امتلاء السجون ومراكز الشرطة بالموقوفين والسجناء جعل أجهزة الأمن لا تستعجل استدعاء هؤلاء، حيث لا مكان لاحتجازهم الآن، لكن الدور سيأتي عليهم في كل الأحوال.

محاولات مستمرة
يرفض إردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) الاتهامات بالسعي إلى ما يسمى «أسلمة المجتمع»، ويقول إن 99 في المائة من الشعب التركي مسلمون، ولا يصح إطلاق هذا الوصف على مجتمع غالبيته المطلقة من المسلمين بالأساس.
لكن منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002، بقيادة إردوغان، سعى إلى القيام بعمليات تغيير واسعة في مناهج التعليم الأساسي، لكنه واجه صعوبات كبيرة بسبب سطوة القوى العلمانية وتغلغلها، فلم يتمكن الحزب إلا من إجراء تغيير طفيف عام 2007، لكنه واصل مساعيه التي تكثفت في السنوات الأخيرة وصولاً إلى تطبيق أول تغيير جوهري كبير في المناهج في بداية العام الدراسي الجاري.
دفع إردوغان خلال السنوات الأخيرة باتجاه تعزيز ودعم وتوسيع «مدارس إمام خطيب» الدينية التي درس فيها حتى المرحلة الثانوية وتمكن من زيادة عدد طلابها إلى أكثر من مليون طالب، بعد أن كان قد تقلص إلى عشرات الآلاف نتيجة التضييق عليها في السابق، وقامت السلطات بتحويل جميع مدارس «حركة الخدمة» المعروفة بمدارس «الفاتح» التي تمت مصادرتها عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، وعددها أكثر من 1400 مدرسة، كانت تعتبر من أعلى المدارس في تركيا من حيث جودة التعليم وتدريس اللغات، فضلاً عن تصميم مبانيها وارتفاع مستوى خدماتها، إذ كان يدرس بها أبناء الصفوة، إلى مدارس «إمام خطيب». كما أصبح بإمكان طلاب هذه المدارس الالتحاق بمختلف الجامعات والدراسة في جميع التخصصات.
ويرى إردوغان أنه لا يزال هناك نقص في طرق إعداد الأجيال للمستقبل قائلاً: إن هذا «مطلب شعبي وحاجة وطنية... بدأنا منذ وقت قصير بتغيير المناهج الدراسية التي وُضعت من قبل للتنفير من لغتنا وتاريخنا وأجدادنا».
ويكرر إردوغان لفت الانتباه إلى الدور الكبير الذي يشكله الشباب في رسم مستقبل البلاد، ويثني دائماً على دورهم في التصدي للمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016.
وأقدمت وزارة التعليم التركية منذ عام 2014 على إدخال العديد من التغييرات على طرق ومناهج التعليم ومن بينها التوسع في الدروس الدينية ومدارس تحفيظ القرآن، وهو ما ينظر إليه المعارضون من الأقليات الدينية، وأبرزهم العلويون، على أنه ضرب للتعددية في المجتمع التركي من خلال إصرار إردوغان وحزبه على تطبيق شعار «وطن واحد... أمة واحدة... دين واحد... عَلم واحد».
ويقول منتقدو ومعارضو إردوغان إنه وحزبه يتخذان من إصلاح التعليم وسيلة لتغيير ثقافة المجتمع التركي عبر القضاء على العلمانية، لأن الكثير من المناهج الجديدة تغير لدى الطلاب منذ سنواتهم الأولى في المدرسة العديدَ من المفاهيم التي تأسست عليها الجمهورية التركية العلمانية، ومن أهمها النظرة إلى المرأة وإلى مفهوم الأسرة وكذلك مفاهيم العمل والاختلاط، وهو ما من شأنه تنشئة أجيال منغلقة تتمحور ثقافتها حول المبادئ الإسلامية لحزب العدالة والتنمية.


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.