لنقر بذلك، فقد نشعر أحيانا بأننا نود تحطيم جهاز الكومبيوتر «بي سي»، أو الهاتف الذكي، أو دفتر الملاحظات الإلكتروني.. فكلنا نشعر بالغيظ أحيانا من التقنيات، مع كل ما يرافقها من بطاريات رديئة، وتحديثات لا تنتهي، وغيرها من المزعجات.
ولكن ماذا لو تمكنت أجهزتنا هذه من توقع حدوث هذه المشاعر سلفا، والتقاط تشنجاتنا، وإبلاغنا عن الغضب الذي سيعتمل في قلوبنا، أو أي انفعال آخر، وبالتالي التعامل معه وفقا إلى ذلك؟
الأمر ليس بالجنون هذا كما يبدو. وعندما نسمع الخبراء يتحدثون عن ذلك، ويبلغوننا أين ستتوجه التقنيات، فإنهم وكذلك الشركات قد شرعوا سلفا في استخدام المجسات والمستشعرات، لقراءة مشاعرنا والتجاوب معها.
* رصد المشاعر
بينما لا تزال هذه التقنية في بداية عهدها، فإن الإمكانيات تبدو كثيرة. وفي أحد الأيام، قد يستشعر جهاز «بي سي» إحباطك عندما يستمر أحد البرامج في الفشل والإخفاق، ليقترح عليك بأدب، أن تقوم بنزهة قصيرة، في الوقت الذي يقوم فيه هو بالاتصال بدائرة الدعم الفني. أو أن يقوم هاتفك الذكي بالشعور بهذا التوتر، ليقوم بتعطيل وصول الرسائل وإرسالها، أو قد تستشف سيارتك أن هناك هيجانا وزحمة في حركة السير، فتقوم بتخفيف إضاءة مصابيحها وجعل حركة مقودها أكثر صعوبة.
وكان الباحثون يحاولون قراءة العواطف منذ سنوات، عن طريق رصد تعبيرات الوجه، لكن المستشعرات من الجيل الجديد يمكنها الحكم على العواطف عن طريق الجلد والبشرة وعن طريق أنفاس الإنسان. وأحد المجالات، حيث يمكن تطبيق ذلك، هو الألعاب، فقد قام المهندسون أخيرا في جامعة «ستانفورد» في أميركا بتجهيز لعبة «إكسبوكس» بمستشعرات ترصد عواطف اللاعبين، وتغيير وجهة اللعبة وفقا إلى ذلك.
وذكر كوري ماك كول، الذي يحضر لدرجة الدكتوراه في الجامعة المذكورة، الذي أشرف على الاختبار، أن نظام التحكم المعدل هذا الذي قام ببنائه، جرى وصله إلى نظام الأعصاب اللاإرادي لدى اللاعبين، وهو الجزء من الدماغ الذي يشغل ويتحكم بما دون الوعي، كدقات القلب والتنفس مثلا. وعن طريق مراقبة نظام التحكم يمكن للمستشعرات إبلاغنا ما إذا كان الأشخاص سعداء، أو مكتئبين.. متوترين أو ضجرين.
* قياس العواطف
وأبلغني ماك كول أنه بغية تحديد كمية هذه العواطف وقياسها، قامت مجساته بقياس فترة عبور تيار كهربائي ضئيل من ذراع إلى أخرى، «فإذا كنت متوترا فقد يصعب على التيار المرور بسهولة، مقارنة بحالة الراحة والهدوء»، وفقا لشروحاته.
وفي الماضي كان السبيل الوحيد للحصول على مثل هذه القراءات والقياسات هو عن طريق التخطيط الكهربائي للدماغ، الذي يقتضي وصل الجهاز برأس الشخص، والذي يقتضي أيضا استخدام مادة هلامية (جيلي) خاصة. وقد يقتضي أيضا حلاقة شعر رأس الشخص المعني أيضا. لكن تجربة ماك كول انحصرت فقط على مستشعر واحد.
ونظام التحكم بالألعاب هذا كان جزءا من بحث جرى القيام به في مختبرات غريغوري كوفاكس، أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة «ستانفورد»، الذي يعمل طلابه بأجهزة من صنع «تيكساس إنسترومنتس». فبالإضافة إلى الألعاب يقوم هؤلاء باختبارات أيضا على المستشعرات في السيارات التي تراقب عواطف سائقيها وتحذرهم.
وثمة شركات أخرى تحاول سبر أغوار هذه التقنية أيضا. فمنذ عام 2005 هناك المجسات ذات براءة الاختراع من شركة «ريسيرتش أند موشن» الخاصة بالهواتف الذكية التي تستشعر العواطف وتنقلها عندما يقوم الأشخاص بإرسال الرسائل النصية. و«سوني أريكسون» قد أجرت تجارب أيضا عن طريق مراقبة تعبيرات الوجه في كاميرا الهواتف الذكية. وهاتف «سامسونغ غالاكسي إس5» مزود براصد داخلي خاص بمعدل دقات القلب، يمكن استخدامه لتقرير وضع المستخدم الصحي وحالته العقلية. أما شركة «أفديكس» فتحاول تقييم علاقة الأشخاص العاطفية مع الإعلانات والأصناف ووسائط الإعلام.
ومن «معهد مساتشوسيتس للتقنية» (إم آي تي) تأتي «أوتو إيموتف» التجربة التي تتصور سيارة من شأنها أن تحذر السائقين الآخرين، حول ما إذا كان سائقها غاضبا، عن طريق تغيير لونها عبر طلاء موصل.
كذلك أجرت كل من «روزالند دبليو بيكارد» و«ميديا لاب» التابع لـ«إم آي تي»، الذي يرجع إليه الفضل بالبدء بما يعرف بالحساب الكومبيوتري الفعال أو المؤثر، تجارب عن طريق استخدام تشكيلة من المستشعرات التي توضع على جميع أنحاء الجسم البشري. وفي بعض الحالات جرى وضع هذه المستشعرات في الجوارب والأحذية، وفي حالات أخرى جرى استخدام المستشعرات لمراقبة التعرق.
وفي المستقبل يمكن استخدام مثل هذه التقنيات لمساعدة الأطفال على التعلم عن طريق رصدهم، وما إذا كانوا ضجرين قلقين ضيقي الخلق، وبالتالي حث المعلم على تغيير طريقته أو الدرس الذي يلقيه.
ولكي تعمل مثل هذه التقنيات بصورة موثوقة بها، ذكرت بيكارد أنه يتوجب على المستشعرات والبرمجيات أن تدرك مكان وجودك وما الذي تفعله. «فإذا لم تفعل سيعتقد الأشخاص أنها غير نافعة».
وقد يخيل للبعض أن كافة هذه التقنيات مخيفة، فهل نرغب فعلا أن تدرك كومبيوتراتنا، وهواتفنا الذكية، وسياراتنا، ما إذا كنا سعداء فرحين، أم لا؟ يقول الدكتور كوفاكس هذا هو الثمن الذي يتوجب علينا تسديده، فقط لكي نحسن التقنية ولحماية الناس أيضا. ويضيف: «في حين يرى البعض في ذلك تعديا على الخصوصيات، أعتقد أن على مشغلي مثل هذه المركبات التخلي قليلا عن بعض هذه الخصوصيات في مقابل حياة الأشخاص الذين وضعت تحت أياديهم». وفي كثير من الحالات يمكن إغلاق عمل هذه المجسات.
* خدمة «نيويورك تايمز».