«اتحاد القرضاوي»... أداة سياسية لابتلاع الحقل الديني

أنشأه بتمويل قطري لتأسيس مرجعية بديلة للإسلام السني

«اتحاد القرضاوي»... أداة سياسية لابتلاع الحقل الديني
TT

«اتحاد القرضاوي»... أداة سياسية لابتلاع الحقل الديني

«اتحاد القرضاوي»... أداة سياسية لابتلاع الحقل الديني

قصة محاولة السيطرة على المجال الديني العام من قبل رموز الإسلام السياسي والإخوان المسلمين ليست جديدة، وإن كان إنشاء «هيئة علماء المسلمين» من قبل يوسف القرضاوي واحدة من أكثر المحاولات شراسةً لابتلاع الحقل الديني وتوجيهه إلى أهداف سياسية ضيقة، القرضاوي متذرعاً بأسماء منتمية لـ«الإخوان» و«السرورية» من الخليج وخارجه، إضافة إلى أسماء بارزة تقليدية، حاول جاهداً منذ انتقاله إلى قطر القطيعة مع المرجعيات الدينية الكبرى من الأزهر إلى هيئة كبار العلماء متهماً إياها بخذلان الإسلام، ذلك التحرك جاء بهدف تأسيس مرجعية سياسية مفارقة، وليس صيانة لدور المؤسسة الدينية في العالم الإسلامي حيث عانت من موجات انحسار وتجذر وقوة وضعف على مدى تاريخها، خصوصاً في هذا العصر الذي تعاني فيها المؤسسات الدينية من أزمة تمثيل وتحديات جديدة، لا سيما بعد رضات سياسية حادة آخرها، كان سؤال الربيع العربي الحديث، هذا العصر الذي ثار الحديث فيه عن أزمة المؤسسة الدينية وعن إشكالات دورها ومهماتها، وعن التحديات الجديدة، خصوصاً الدينية، تجاهها، التي لا تبدأ من الحركات الدينية الصاعدة منذ عشرينات القرن العشرين، كما لا تنتهي بالفضائيات الدينية والزخم الديني والدعوي على شبكة الإنترنت، وهو ما يراه كثيرون سحباً للبساط من تحت أقدامها.
وفضلاً عن هذا الصعود للبدائل التي ملأت فراغات خلّفتها أزمة المؤسسة الدينية الإسلامية المعاصرة وراءها، وقيام هذه البدائل بكثير من الأدوار التي كان معهوداً أن تقوم بها المؤسسة الدينية، فإن هناك أزمات بنيوية متعلقة ببنائها وتقنينها، وخطابَ كثيرٍ من الممثلين لها، من هذه الأزمات ما يتعلق بالشأن الديني المحض، ومنها ما يتعلق بالشأن الدنيوي الخالص، أو يجمع بينهما.
حاول القرضاوي جاهداً إبقاء نفسه مرجعيةً سنيةً تعتمد على الحشد وتكنيك التجميع الأثير لدى جماعات الإسلام السياسي، رغم تراجع دور الاتحاد العالمي الذي يرأسه، والذي كان يهدف إلى سحب البساط من المؤسسات الدينية العريقة التي يتهمها بالانحياز إلى السلطة، كالأزهر، ويرشق الحكومة الانتقالية المصرية بسهام الإدانة على خلفية سياسية.
وبإزاء هيمنة القرضاوي على اتحاد علماء المسلمين، جاءت المفاجأة بانسحاب العلامة الفقيه الكبير والمقدر في الأوساط السلفية بسبب متانته العلمية الشيخ عبد الله بن بيه من الاتحاد، معللاً ذلك بأن «سبيل الإصلاح والمصالحة يقتضي خطاباً لا يتلاءم مع موقعي في الاتحاد، وهو ما يعني بعبارة أخرى خروج الاتحاد من الأهداف الإصلاحية إلى خطاب سياسي أحادي الاتجاه»، كما حذرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أمس، من الاتحادات التي تصنف نفسها على أنها علمية وهي بالأساس «قائمة على أفكار حزبية وأغراض سياسية» مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يرأسه يوسف القرضاوي، والذي يعتبر الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي السياق ذاته، أعلن علماء موريتانيون انسحابهم من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين معللين ذلك بخروجه من مجال تحركه الديني إلى لعب أدوار سياسية زادت في إشعال الفتنة بين المسلمين وإشعال الحريق بينهم، كما جاء في بيان العلماء المنسحبين.
يُذكَر أن اتحاد علماء المسلمين برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي، قطري الجنسية، مصري الأصل، قد تشكل خارج الحدود بعيداً حيث الغرب الذي يصفه خطابه بالمتعجرف والغازي، وتحديداً في لندن بريطانيا عام 2004؛ إمبراطورية الاستعمار في ذهنية خطابات الإسلام السياسي، وكانت تلك مفارقة أن يدعو القرضاوي، في خطبه وكتبه، إلى معاداة العلمانية والغرب، بينما لا يجد مكاناً لتأسيس اتحاده إلا في لندن.
وجمع القرضاوي في اتحاده وجوهاً إخوانية وسرورية من السعودية ومن مصر وغيرهما، حتى صار الاتحاد، ومركزه الدوحة، نقطة انطلاق التنظيم الدولي الإخواني.
تعامل اتحاد علماء المسلمين (المسيسين) برعونة في أحداث متعددة؛ بدءاً من تثوير الواقع المصري وتأليب المصريين على الحكومة وشرعنة خطابات «القاعدة» و«داعش» بمبررات سياسية، وصولاً إلى الهجوم على المرجعيات الكبرى ومؤسساتها واتهامها بالعمالة وكل الشعارات التأجيجية التي تستقطب الشباب الثائر من المتعاطفين مع خطاب العنف المسلح، وهو ما يعكس شخصية القرضاوي المسيسة العنيفة، التي لها سجلّ حافل في الفتاوى التأليبية بدءاً من الدعوة إلى إسقاط الدول والأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط كخطبته ذائعة الصيت في ميدان التحرير، أثناء ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وصولاً إلى ضربات حلف «الناتو» ضد ليبيا والمطالبة باغتيال القذافي على الهواء مباشرة في برنامج «الشريعة والحياة»، وإضافة أنواع البهارات الثورية مثل أن جبريل والملائكة يؤيدون إردوغان وأخيراً ما زعم فيه أن جبريل والملائكة قاموا بمساندة إردوغان، الخليفة المتوَّج في خطاب «الإخوان».
تحرك السعودية ودول المقاطعة جاء في وقته لسحب الشرعية الدينية من منظمات مسيسة بعد أن انكشفت السياسة القطرية في اللعب على تناقضات ثنائية الديني والسياسي بهدف السيطرة على المجال العام الديني وتطويعه لخطابها السياسي التقويضي والهدام لسيادة الدول، بعد أن سخرت «جزيرتها» الإعلامية لبث ذلك المزيج من الاستعداء الممتد.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.