الحريري يلتقي ماكرون في باريس... والأربعاء في بيروت لبحث أسباب الاستقالة

فرنسا تدرس دعوة «المجموعة الدولية لدعم لبنان» الى اجتماع

ماكرون مستقبلا الحريري امام قصر الاليزيه في باريس امس. ( أ ف ب)
ماكرون مستقبلا الحريري امام قصر الاليزيه في باريس امس. ( أ ف ب)
TT

الحريري يلتقي ماكرون في باريس... والأربعاء في بيروت لبحث أسباب الاستقالة

ماكرون مستقبلا الحريري امام قصر الاليزيه في باريس امس. ( أ ف ب)
ماكرون مستقبلا الحريري امام قصر الاليزيه في باريس امس. ( أ ف ب)

لم يبخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي استضافه في قصر الإليزيه أمس، بصفته رئيساً للحكومة اللبنانية، وفق ما أكده في مؤتمر صحافي في السويد أول من أمس، بمظاهر الضيافة والترحيب له ولعائلته.
من معانقته لدى وصوله ولدى رحيله والاجتماع المغلق الذي عقده معه والذي سبق غداء عائلياً، ضم بريجيت عقيلة ماكرون ولارا عقيلة الحريري وابنه هشام، سعى الرئيس الفرنسي لإضفاء جو حميم على اللقاء، علماً أنه استقبل الحريري رسمياً للمرة الأولى بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي قبل أن يستضيف الرئيس ميشال عون في الشهر الذي يليه في إطار زيارة دولة. واستبق ماكرون وصول الحريري بتغريدة على حسابه بدأها بـ«أهلا وسهلا» بالعربية. كما أنه اتصل بالرئيس عون الذي «شكره على ما قام به من أجل لبنان»، بحسب مصادر الإليزيه.
وبعكس وفرة مظاهر الضيافة، فإن الحريري الذي وصل الساعة السابعة صباحاً إلى مطار لوبورجيه (شمال باريس) من الرياض في رحلة ليلية كان مقلاً في حديثه للصحافة. وجاء فيما قاله شكره للرئيس ماكرون «لاستضافته الكريمة» وإشادته بفرنسا التي «تلعب دوراً إيجابياً جداً في المنطقة» وإطراء للعلاقات الفرنسية - اللبنانية «التاريخية».
أما في الكلام السياسي، فإن الحريري اكتفى بالقول إنه سيحضر عيد الاستقلال في لبنان، وإنه «من هناك سأطلق مواقفي السياسية بعد الاجتماع بفخامة رئيس الجمهورية»، مذكراً أنه «قدم استقالته» وأنه سيتحدث في هذا الموضوع في لبنان. وبدا الحريري مرتاحاً عند وصوله ومصافحته ماكرون الذي قبّله. وكان الأخير اتصل قبل وصول الحريري بالرئيس عون وفق ما أعلنته مصادر قصر بعبدا وأيضاً الإليزيه، التي تناولت الزيارة مطولاً في لقاء أعقب عودة الحريري إلى بيته الذي لا يبعد كثيراً عن القصر الرئاسي. وجاء أول تأكيد لعودة الحريري القريبة إلى بيروت من تغريدة على حساب رئاسة الجمهورية اللبنانية التي أفادت بأن الحريري سيحضر العرض العسكري في العاصمة اللبنانية يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، الأمر الذي يكذب التكهنات السابقة من أن إقامته في العاصمة الفرنسية ستدوم «أسابيع». بيد أن السؤال الذي بقي حتى مساء أمس من غير إجابة يتناول خطة الحريري في التعريج على عاصمة أو عاصمتين عربيتين «ربما القاهرة وعمّان» قبل عودته الأربعاء إلى بيروت. وتعتبر مصادر الرئاسة الفرنسية أن المبادرة التي قدمها ماكرون بدعوة الحريري للمجيء إلى فرنسا كان الغرض منها «المساهمة في خفض التوتر وإيجاد مخارج للأزمة» التي استجدت مع استقالة الحريري. بيد أن باريس لا تعتبر أن دورها قد انتهى أو أن مهمتها قد اكتملت، لأنها تعي عمق الأزمة السياسية التي يجتازها لبنان والتي لم تكن استقالة الحريري إلا انعكاساً لها. ولذا، فإن المصادر الفرنسية أعلنت استعداد باريس بالتفاهم مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومع المسؤولين الأوروبيين والأميركيين للدعوة إلى اجتماع لـ«مجموعة الدعم الدولية للبنان» والأرجح على مستوى وزراء الخارجية. وأشارت المصادر الرسمية الفرنسية إلى أنه «لا قرار ولا تاريخ حتى اليوم» بخصوص هذا الاجتماع. وإذا حصل، فإن غرضه سيكون توفير الدعم السياسي للبنان والدفع باتجاه المحافظة على الاستقرار فيه وتوفير عمل وأداء المؤسسات.
وتؤكد المصادر الفرنسية أن اهتمام فرنسا منذ البداية يتركز على «حماية الاستقرار في لبنان وتمكين المؤسسات اللبنانية من العمل بشكل طبيعي». ولذلك، فإن باريس «مستمرة» في التواصل والتشاور مع «كل الأطراف المؤثرة على الوضع اللبناني» من أجل توفير «شبكة وقاية» للبنان. وقالت المصادر الفرنسية إن الرئيس ماكرون والدبلوماسية الفرنسية «مستمران في التواصل والتحدث إلى الجميع» بما فيهم إيران لأجل هذا الغرض. أما الطريق إلى ذلك، وفق ما كرره مسؤولون فرنسيون عدة مرات أمس، فتمر عبر «النأي» بلبنان عن النزاعات الذي كان التخلي عن مبدئه الدافع الأول وراء استقالة الحريري.
ويبقى السؤال الرئيسي مطروحاً: ماذا بعد عودة الحريري إلى بيروت؟ لا تخفي الأوساط الفرنسية أن باريس ومعها واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية «قلقة» من الوضع اللبناني، باعتبار أن رجوع الحريري إلى بيروت لا يحل المشكلة بل يطرحها ميدانياً. وترفض هذه الأوساط أن تكون باريس راغبة في «الحلول محل الأطراف اللبنانية» أو أنها «تتدخل» في الشؤون اللبنانية، وتؤكد أن المسؤولية تقع على كاهل المسؤولين والسياسيين اللبنانيين. لكن باريس تشدد على الحاجة للمحافظة على «التوازنات السياسية الداخلية» في لبنان ووجود دولة قوية «يعود إليها وحدها تحمل مسؤوليات الأمن وحماية لبنان»، ما يتناول عملياً سلاح حزب الله.
وفيما خص اتصال ماكرون بعون أمس، فإن المصادر الفرنسية أشارت إلى أنه تناول كذلك عمل المؤسسات اللبنانية بشكل «طبيعي». وما تريده باريس هو أنها تلعب دور «المسهل» للحوار الذي لا يمكن أن يكون مثمراً إلا إذا تراجع التوتر. والحال أن تحقيق أمر كهذا يحتاج لتوافق إقليمي ودولي. ولذا، تقول المصادر الفرنسية، إن باريس ستكثف اتصالاتها وتسعى لعقد الاجتماع المشار إليه لمجموعة الدعم الدولية للبنان. فضلاً عن ذلك، فإن باريس لا تمانع في أن تعيد طرح موضوع اجتماع «باريس 4» لدعم الاقتصاد اللبناني، وهو ما كان تناوله ماكرون مع الحريري وعون عندما جاءا إلى فرنسا سابقاً. بيد أن باريس تضع اليوم شرطاً جديداً للسير بهذا الملف، وهو «توافر الاستقرار في لبنان وعودة المؤسسات إلى عمليها الطبيعي»، ما يشكل عامل تحفيز وضغط على المسؤولين اللبنانيين.
وكان الحريري وصل صباحاً إلى باريس وانتقل من مطار لوبوديه إلى منزله وسط حراسة أمنية مشددة، وكذلك حين انتقاله من بيته إلى الإليزيه.
ورداً على المتسائلين حول أسباب مجيئه إلى باريس وعدم مغادرته مباشرة إلى بيروت، ربطت المصادر الرئاسية هذا الأمر بالرغبة في خفض التوتر، وأن الحريري لبى دعوة شخصية من الرئيس ماكرون.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».