دبي السينمائي... الروائي والتسجيلي يمتزجان ويتسابقان على جائزة صعبة

أعمال توفر نظرة إلى حياتنا العربية وما يحيط بها

لقطة من «طعم الإسمنت» عن العمال السوريين في لبنان
لقطة من «طعم الإسمنت» عن العمال السوريين في لبنان
TT

دبي السينمائي... الروائي والتسجيلي يمتزجان ويتسابقان على جائزة صعبة

لقطة من «طعم الإسمنت» عن العمال السوريين في لبنان
لقطة من «طعم الإسمنت» عن العمال السوريين في لبنان

عمد مهرجان دبي السينمائي، في السنوات الأخيرة، إلى الجمع بين الأفلام الروائية الطويلة والأفلام التسجيلية الطويلة في مسابقة المهر العربية. وإذا سألت، فإن الجواب هو أن مهرجانات برلين وكان وفينيسيا تفعل الشيء ذاته.
إلى جانب أن ما يفعله الآخرون ليس بالضرورة قابلا للتطبيق، فإن عدد الأفلام التسجيلية الواردة في برنامج المسابقة الرئيسية لكل مهرجان لا يعدو فيلماً أو فيلمين على الأكثر. أما في مهرجان دبي فإن الدمج يطيح بالمعادلة المذكورة عادة. وهذا العام، وعلى أعتاب الدورة الرابعة عشرة، فإن الجمع بين التسجيلي والروائي ما زال ملحوظاً.
من بين ثمانية عشر فيلماً معروضاً في مسابقة المهر الطويل، هناك سبعة أفلام غير روائية (يستخدم المهرجان هذا المصطلح عوض التسجيلي أو الوثائقي) من بينها فيلم تم تعريفه على النحو التالي «وثائقي إبداعي وغير روائي» ما يطرح ثلاث علامات استفهام كل منها يخص واحداً من تلك الصفات.

نظرات حياة
الحاصل تبعاً لذلك هو أقرب إلى الجمع بين مياه حلوة ومياه مالحة في وقت واحد. أو عملية تلقيح تجمع بين ثمرتين مختلفتين واحدة استوائية والأخرى شمالية أو جنوبية. ذلك لأن على لجنة التحكيم أن تعاين وتقارن وتقارب بين نوعين مختلفين من الأفلام لكل منها صرحه وشروطه، فإذا منحت جائزتها الأولى لفيلم روائي أغبطت حق الفيلم التسجيلي، وإن منحت الجائزة الأولى لفيلم تسجيلي كان ذلك - أيضاً - على حساب الأفلام الروائية.
مهما كان المبرر فإنها عملية مقحمة وغير مكتملة المقاييس، لكن المهرجان في دورته الرابعة عشرة التي ستبدأ في السادس من ديسمبر (كانون الأول) وتنتهي في الثالث عشر منه بات من الأكبر والأهمية بحيث يمكن له المضي فيما سنه لنفسه على أي حال.
سبعة عشر فيلماً في المسابقة لجانب ما يعرض في الأقسام الأخرى (ست مسابقات تظاهرات) تؤكد أنه ما زال أهم مهرجان للسينما في عالمنا المهرجان على صعيد العروض الأولى وعلى صعيد كيانه العام كحدث سنوي كما على صعيد التنظيم.
هذه الأفلام السبعة عشر تنقلنا، كما هي العادة، إلى رحاب مختلفة ومواضيع متعددة. هي خلاصات القدرات المتعددة على التعبير عما يجول في البال وعما يتجاوز الموضوع المرتسم تسجيلياً كان أو روائياً.
المكانة التي وصل إليها المهرجان عبر سنواته لم تكن بعيدة عن المتوفر من هذه الأفلام. هناك الاختيارات الناجحة (عموماً وغالباً) لجانب رغبات المخرجين الآتين من مختلف الدول العربية (تقريباً). لقاء مثمر دوماً في تحقيق النتائج الكبيرة والمبهرة التي أنجزها المهرجان خصوصاً من بعد سنواته الثلاث الأولى.
لكن كل ذلك كان يمكن له أن يتعثر لولا إدارة واعية وحكيمة من رئيس يصرف كل دقيقة من السنة على فعل الارتقاء بالتنظيم والمستوى (عبد الحميد جمعة) ومدير فني يعرف ما يريد وسبق له أن اختبر العمل السينمائي (مسعود أمر الله). هذا المهرجان صناعة متكاملة الأطراف ويعتمد على خبرات يوفرها عدد كبير من العاملين فيه على مدار السنة.
الأفلام التسجيلية السبعة المشاركة في المسابقة تجتمع على توفير نظرة إلى حياتنا العربية وما يحيط بها. من بينها فيلم جديد من المخرجة الإماراتية المثابرة نجوم الغانم عنوانه «آلات حادة» يدور حول الفنان والكاتب الإماراتي الراحل حسن الشريف فيما يبدو نوعا من المناجاة بين الفنانة السينمائية مع الرسام وفنه طوال بضعة عقود.
وفي الفن أيضا يغوص «الرجل خلف المايكروفون» للتونسية كلير بلحسين في حياة المغني الهادي الجويني. المخرجة تعيش وتعمل في بريطانيا وفريقها من مصورين وموسيقيين وفناني مونتاج بريطانيون أيضاً. وثمة مخرجة ثالثة (هناك عدد كبير من المخرجات الإناث في كل الأقسام التي يتكون منها المهرجان) هي اللبنانية رنا عيد التي ترسم لوحتها حول مدينة بيروت تحت عنوان «بانوبتيك».
كذلك، وفي وقفة أخرى لبعض الأفلام التسجيلية المعروضة في المسابقة، نجد الفيلم الجديد للمخرج العراقي قتيبة الجنابي، الذي هو أيضاً من بين السينمائيين العرب الذين يعيشون ويعملون في بريطانيا. فيلمه «قصص العابرين» عن الهجرة ذاتها. عن ذلك المنوال الدؤوب من اللااستقرار ولو أنه ينحصر في المهاجرين واللاجئين العراقيين تحديداً.

عودة مخرج فذ
في الجانب الروائي سنشاهد الفيلم الجديد للمخرج (العراقي أيضاً) محمد جبارة الدراجي الذي كان بدأ مسيرته الفنية سنة 2003 بفيلم «أحلام» ليتبعه بفيلمي «ابن بابل» و«في رمال بابل». الآن وبعد غياب أربع سنوات يقدم «الرحلة» الذي يدور حول الوضع الراهن من خلال حكاية حول فتاة وشاب. هي تسعى لتفجير حزامها بين المدنيين وهو يحاول إنقاذهم.
«زاغروس» لسهيم عمر خليفة يدور حول جانب مختلف: شاب كردي يرعى الغنم ويفاجأ بزوجته وهي تنفصل عنه وتهاجر إلى بلجيكا. حين يلحق بها يكتشف عنها ما لا يرضيه. ومن الجزائر نجد «إلى آخر الزمن» للمخرجة ياسمين شويخ الذي يتمحور حول حفار قبور يعيش وسطها ويقع في الحب خلال مزاولة عمله.
فيلم جزائري آخر في المسابقة عنوانه «السعداء» لصوفيا جامه (مع فنيين غير عرب). والمخرجة المصرية هالة القوصي تقدم فيلماً اجتماعياً آخر بعنوان «زهرة الصبار» حول ثلاثة أشخاص (امرأتان ورجل) يعايشون الواقع وذكريات الأمس معاً.
ما بين ما هو روائي وما هو تسجيلي سيتم طرح مشاكل اجتماعية كثيرة. فإلى جانب ما سبق الذي كان موزعاً بين أفلام الدراجي والجنابي وشويخ وسواهم، هناك طرح لمشكلة العاملين السوريين في لبنان نتعرف عليها في فيلم زياد كلثوم «طعم الإسمنت». وتقربنا المخرجة سارا عبيدي، في «بنزين» لحكاية الهجرة غير الشرعية بعدما قرر ابن وحيد لزوجين اللجوء إلى إيطاليا فوق إحدى تلك المراكب الخطرة. وهناك عودة بعد طول غياب للمخرج التونسي الفذ الناصر خمير في فيلم عنوانه «رمال هامسة» يتمحور حول امرأة كندية تسافر إلى تونس لسبب لا يتضح سريعاً وبصحبة دليل لديه علاقته الخاصة بالمكان كذلك.
تخفق صفحات المهرجان في إرشادنا إلى مصادر الأفلام. تفتح على معلومات تخص أي فيلم تريده وتبحث عن مصدر إنتاجه وانتمائه، لكن إذا لم يكن لديك معلومات مسبقة عن المخرج وأعماله والبلد الذي ينتمي إليه فإنك لن تستطع الاهتداء إلى إذا ما كان الفيلم لبنانياً أو تونسياً أو إذا ما جاء تمويله من بلاد الغرب أو الشرق.
مرّة أخرى يحيلنا ذلك إلى منوال من الاقتداء ببعض ما قامت به مهرجانات غربية وهو خطأ: تغييب أسماء الدول التي تنتمي إليها الأفلام. وعن ذلك الخطأ نستطيع أن نرتكب أخطاء أخرى بمجرد التشبه بها.


مقالات ذات صلة

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.