أحياناً يتعذر على المرء تصديق أنه ذات يوم جمعت أواصر الصداقة بين كل من البرتغالي جوزيه مورينيو والإسباني جوسيب غوارديولا، أو ربما لم يكونا صديقين بالمعنى المألوف للكلمة، وإنما أقرب لكونهما حليفين وكانا على صلة وثيقة بعضهما ببعض، لدرجة كافية لأن يقدم غوارديولا على إنقاذ خصمه المستقبلي من مأزق عسير خلال الفترة التي سبقت اكتفاء مورينيو، عندما كان مدرباً لريال مدريد، باستخدام لفظ «هم» في الإشارة إلى برشلونة.
في الواقع، تبدو تلك قصة رائعة بالنظر إلى الوضع الذي نعاينه حالياً. كان برشلونة يواجه أتلتيك بلباو على استاد «سانت ماميس». وبدا لويس فيرنانديز، مدرب بلباو صاحب الأرض، على أتم استعداد لسحق المدرب المعين حديثاً الذي كان يجلس على الناحية المقابلة من الملعب إلى جوار روبي روبسون. خلال المباراة، تمادى مورينيو كثيراً في بذاءاته وإيماءاته غير اللائقة. في ذلك الوقت، كان يحيطه أبناء إقليم الباسك، وحظي بدعم لويس فيغو، حتى ظهر غوارديولا، قائد برشلونة فجأة في وجه فيرنانديز.
خلال المواجهة، لم يلجأ غوارديولا إلى القوة البدنية لأن رجلاً في مكانته كان يملك بالتأكيد سبلاً أخرى لتسوية الخلاف. وعليه، اكتفى غوارديولا باستخدام قوة شخصيته، خصوصاً أنه لم يكن مجرد فرد عادي. وكذلك قوة التقاء العيون مباشرة، ذلك أنه عمد إلى التحديق في وجوه لاعبي «أتلتيك بلباو ومدربهم وبدا كأنه يتحداهم على أن يقدم أي منهم على عصيان أوامره، قبل أن يرافق مورينيو إلى غرفة تبديل الملابس حيث إن المكان آمن بالنسبة له».
وعن ذلك، أكد باولو كوندو، الصحافي الإيطالي، الذي استعرض الموقف في ثنايا كتابه «المتبارزان» (ذي دويلستس) الذي يتناول تاريخ الصراع بين الرجلين، أن تدخل غوارديولا «اعتمد على شخصيته الكاريزمية فحسب، فهو لم يرفع يداً، ولم يطلق أي تهديدات، وإنما اعتمد على ثقل قيادته فقط».
من جانبه، عمل كوندو مراسلاً رياضياً لدى صحيفة «لاغازيتا ديلو سبورت» لسنوات كثيرة، واستوحى اسم كتابه من فيلم حمل الاسم نفسه من إنتاج عام 1977. كان الفيلم أول عمل من إخراج ريدلي سكوت ويدور حول قصة جنديين فرنسيين، أرمون دوبير وغابرييل فرو، وقع بينهما خلاف تافه سرعان ما تفاقم إلى كراهية استمرت مدى الحياة. بالنسبة لدوبير، فإنه مثل غوارديولا، اتسم في تعامله بالبرود والتعالي والتحفظ. في المقابل، تصرف فرو بعناد وكان متهوراً وسريع الغضب.
وفي هذا الصدد، كتب كوندو أن «غوارديولا يعتبر الرجل الرياضي النموذجي، فهو الفارس المثالي الشجاع الذي يمد يده إلى خصمه قبل وبعد المعركة. في المقابل، فإن مورينيو يمثل بالنسبة لكرة القدم المكافئ للوصف الذي طرحه الوزير الإيطالي رينو فورميكا للسياسة: دماء وقذارة».
يبدو هذا الطرح لطيفاً، حتى وإن اعترض بعض مشجعي مانشستر يونايتد على السطر التالي له مباشرة - «وهذا ما يتعطش إليه المشجعون». واللافت اليوم أن مورينيو دخل في واحدة من المراحل التي اعتاد معايشتها داخل كل نادٍ تولى تدريبه، والتي يبدأ خلالها في اختلاق الشجار لأسباب لا وجود لها على أرض الواقع، والدخول إلى قاعات المؤتمرات الصحافية حاملاً على وجهه تعبيراً يشبه وجه نادل في مطعم يشعر بالغبن لعدم حصوله على إكرامية، وليوضح من جديد لماذا رفض برشلونة إسناد مهمة تدريب الفريق إليه، وذلك لأنه، حسبما كتب ذات مرة نائب رئيس النادي سابقاً، فيران سوريانو، الذي يعمل حالياً داخل مانشستر سيتي، فإنه يخلق «صراعات مع الإعلام بصورة شبه دائمة».
وإذا استمر مانشستر سيتي في أدائه المتألق الحالي، فإنه لن يمر وقت طويل قبل أن يشعل مورينيو صراعاً معه.
ومع أن مورينيو ليس شخصاً يسهل التنبؤ بتصرفاته، فإنه ليس من العسير توقع أن تكون لحالته المزاجية المتوترة في الوقت الحالي صلة بالمقارنة التي يفرضها أداء مانشستر سيتي المبهر بقيادة غريمه العتيد.
قد يملك مورينيو إعجاباً وثقة بالذات مبالغاً فيهما، لكن حتى الأشخاص الذين يولون ثقة هائلة لقدراتهم الشخصية ليسوا بمأمن من الشعور من وقت لآخر بعدم الأمان - أو ربما الغيرة. ومع أن الوقت لا يزال مبكراً، فإنه ما من مؤشرات تدعم تأكيد روي كين بأن مانشستر سيتي قد ينهار، لأن «الحامض النووي للنادي يحمل ميلاً تجاه الانهيار».
قد ينطبق هذا القول على مانشستر سيتي القديم. ويبدو أن كين نجم يونايتد في عصره الذهبي يتحدث عن فترة كان كيفين هورلوك، وليس كيفين دي بروين، يرابط في وسط الملعب. أما اليوم، فقد تبدل الوضع تماماً وأصبح من الممكن إيجاز الصورة المألوفة لمانشستر سيتي في حقيقة أنه سجل 35 هدفاً خلال المباريات الـ10 الأخيرة له ببطولة الدوري الممتاز، بجانب تسجيل 4 آخرين في مرمى أبطال الدوري الإيطالي الممتاز في منتصف الأسبوع. كما يمكن للفريق إضافة ألكسيس سانشيز إلى خط هجومه في يناير (كانون الثاني). وبعيداً عن القميص الذي يرتديه اللاعبون، يبدو مانشستر سيتي بوجهه الجديد بعيداً كل البعد عن الوجه القديم خلال الفترة التي شارك في صفوفه جيمي بولوك وبيرنارد مانينغ.
وعلى ما يبدو، فإن السبب وراء غضب مورينيو يكمن في أنه يرى أن فريقه نال قدراً أقل نسبياً من الثناء والإشادة مقارنة بغريمه مانشستر سيتي. وقد كشفت التصريحات التي أطلقها خلال الأيام الأخيرة بوضوح عن سخطه إزاء علاقة الحب الجديدة التي نشأت بين وسائل الإعلام وتوتنهام هوتسبير. كما حرص مورينيو على رسم صورة تشيلسي، الذي لم يعد لديه به الآن أصدقاء يذكرون، باعتباره نادياً يفرط في الدفاع وذلك بعد أن طردوه واستعانوا بدلاً منه بأنطونيو كونتي وفازوا ببطولة الدوري الممتاز. وبدا هذا النهج الكلاسيكي المعتاد من جانب مورينيو عندما سخر من أسلوب بناء فريق ليفربول باعتباره «أحدث عجائب العالم».
قد تكمن المفاجأة الوحيدة في أن دائرة هجومه لم تمتد إلى مانشستر سيتي حتى هذه اللحظة، وأنه تمكن من مقاومة أي عداوات قديمة قد تدفعه نحو إثارة شجار مع غوارديولا. إلا أن هذا الوضع يبقى مؤقتاً، فكلنا نعي جيداً كيف يفكر مورينيو، والمؤكد أنه إذا استمر أداء مانشستر سيتي المتألق فإنه لن يمر وقت طويل قبل أن يعاود استثارة عدائه القديم مع غوارديولا.
بيد أن الإنصاف يقتضي القول إن لمورينيو بعض الحق في الشعور بالغبن، ذلك أنه على ما يبدو يميل الناس لنسيان أنه خلال المواسم الكثيرة التي قضاها في تدريب بورتو وتشيلسي وإنتر ميلان وريال مدريد، نجحت الفرق التي تولى قيادتها في إنجاز 7 مواسم للدوري الممتاز التي تشارك بها في صدارة أندية البطولة من حيث عدد الأهداف. وكثيراً ما ينسى الكثيرون أنه خلال السنوات الثلاث التي قضاها في إسبانيا وواجه خلالها فريق برشلونة الذي جرت الإشادة به وقتها باعتباره الفريق الأقوى في العالم، ونجح في التفوق عليهم مرتين من حيث عدد الأهداف. في أحد المواسم، سجل ريال مدريد 121 هدفاً، مسجلاً بذلك رقماً قياسياً في تاريخ الدوري الإسباني الممتاز.
أما بالنسبة لمن يتهمون مورينيو بتقديم كرة مملة داخل «أولد ترافورد»، فإن عليهم أن يتذكروا الصورة التي كان عليها أداء مانشستر يونايتد في ظل قيادة الهولندي لويس فان غال والأداء الباهت الذي اتسم به الفريق على امتداد عقود. وتكشف الأرقام أن الفريق تحت قيادة فان غال صوب الكرة 144 مرة على مرمى الخصم خلال العام الأخير للمدرب مع الفريق، بمتوسط بلغ 3.8 كرة للمباراة. أما مورينيو، فقد وصل الفريق لهذا الرقم تحت قيادته بحلول الأسبوع الأول من فبراير (شباط) الموسم الماضي. ورغم أي ضجة مثارة حول مورينيو، تظل الحقيقة التي يستحيل دحضها أن مانشستر يونايتد أصبح فريقاً أفضل بكثير تحت قيادته.
هل يزيد نجاح غوارديولا توتر مورينيو وإثارته المشكلات؟
الصراع بين المدربين يجعل من الصعب تصديق أنهما كانا صديقين يوماً ما
هل يزيد نجاح غوارديولا توتر مورينيو وإثارته المشكلات؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة