الملك محمد السادس: لا يمكن للاتحاد المغاربي أن يبقى خارج منطق العصر

قال إن الاتحاد المغاربي لم يعد ترفا سياسيا بل أصبح مطلبا شعبيا ملحا وحتمية إقليمية استراتيجية

العاهل المغربي الملك محمد السادس، ورئيس البرلمان التونسي مصطفى بن جعفر في مقر المجلس التأسيسي بتونس أمس ويبدو في الصورة ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد (إ.ب. أ)
العاهل المغربي الملك محمد السادس، ورئيس البرلمان التونسي مصطفى بن جعفر في مقر المجلس التأسيسي بتونس أمس ويبدو في الصورة ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد (إ.ب. أ)
TT

الملك محمد السادس: لا يمكن للاتحاد المغاربي أن يبقى خارج منطق العصر

العاهل المغربي الملك محمد السادس، ورئيس البرلمان التونسي مصطفى بن جعفر في مقر المجلس التأسيسي بتونس أمس ويبدو في الصورة ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد (إ.ب. أ)
العاهل المغربي الملك محمد السادس، ورئيس البرلمان التونسي مصطفى بن جعفر في مقر المجلس التأسيسي بتونس أمس ويبدو في الصورة ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد (إ.ب. أ)

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن «دول المغرب الكبير مدعوة، أكثر من ذي قبل، إلى التحلي بالإرادة الصادقة لتجاوز العقبات والعراقيل المصطنعة التي تقف أمام الانطلاقة الحقيقية لاتحادنا، في إطار من الثقة والحوار وحسن الجوار والاحترام المتبادل للخصوصيات الوطنية»، مشيرا إلى أن تحقيق تنمية شاملة «لن يتأتى لشعوبنا إلا بتوفير المناخ المناسب لإنجاز المشاريع الاندماجية الكبرى، خصوصا استكمال إقامة منطقة التبادل الحرة المغاربية، وبناء شبكات للربط تهم مختلف البنيات التحتية، وذلك لتسهيل حرية تنقل الأشخاص والخدمات والبضائع ورؤوس الأموال بين دول المغرب الكبير، مما سيمكن من فتح آفاق أوسع للتنمية، بما تعنيه من إفراز للثروات ولفرص الشغل، وخصوصا بالنسبة للشباب».
وذكر العاهل المغربي، الذي كان يتحدث مساء أمس في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) التونسي، أن دعوته المتجددة لإرساء منظومة مغاربية متكاملة، تنطلق من اقتناعه الراسخ بأهمية دور «اتحاد المغرب العربي»، في دعم القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كما أنها تجسد إرادته في جعله فاعلا ومؤثرا على الصعيد الأفريقي، من خلال إعطاء دور أكبر للتجمعات الجهوية الأفريقية.
إضافة إلى ذلك، قال ملك المغرب، إن «انبثاق مغرب كبير مندمج، ينبغي أن يشكل مقاربة عملية ومضمونا ملموسا لتطلعات شعوب المنطقة، من شأنه أن يوطد الشراكة بين الدول المغاربية والجوار الأوروبي، سواء في إطار حوار خمسة زائد خمسة لغرب المتوسط، أو في النطاق الأوسع للتعاون الأورو – متوسطي».
وذكر الملك محمد السادس أن تحقيق «طموحنا في بناء مغرب كبير، قوي وقادر على القيام بالدور المنوط به، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، يجب أن يرتكز على علاقات ثنائية وطيدة بين دوله الخمس، من جهة، وعلى مشاريع اندماجية، تعزز مكانة ومسار الاتحاد المغاربي، من جهة أخرى»، مشيرا إلى أن المملكة المغربية «لن تدخر أي جهد لتعزيز علاقاتها مع باقي البلدان المغاربية، التي تشاركها نفس الإرادة، إيمانا منا بأن التعاون الثنائي يشكل الأساس المتين للعمل المغاربي المشترك».
وشدد ملك المغرب على القول إن «المنطقة المغاربية لا يجب أن تخلف موعدها مع التاريخ، كما لا يمكن لاتحادنا أن يبقى خارج منطق العصر»، مشيرا إلى أن التعطيل المؤسف للاتحاد المغاربي يحول دون الاستغلال الأمثل للخيرات والقدرات، التي تزخر بها البلدان المغاربية. وقال إنه «يرهن مستقبل منطقتنا، ويجعلها بعيدة عن التوجهات السائدة في مختلف مناطق العالم، التي لا تؤمن إلا بالتكتل والتكامل والاندماج، لتحقيق التطلعات المشروعة لشعوبها إلى المزيد من التنمية والرخاء والأمن والاستقرار».
وعد الملك محمد السادس مخطئا من يعتقد أن دولة لوحدها «قادرة على معالجة القضايا التنموية، والاستجابة للتطلعات المشروعة لشعبها، وخصوصا مطالب الشباب المغاربي الذي يعد ثروتنا الحقيقية».
وزاد قائلا «مخطئ أيضا من يتوهم أن دولة بمفردها قادرة على حل مشكلات الأمن والاستقرار. فقد أكدت التجارب فشل المقاربات الإقصائية في مواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد المنطقة، خصوصا في ظل ما يشهده فضاء الساحل والصحراء من تحديات أمنية وتنموية»، وذلك في إشارة ضمنية إلى الجزائر.
ولم يتوقف العاهل المغرب عند هذا الحد، فقد قال أيضا «مخطئ كذلك من يعتقد أن الإبقاء على الوضع القائم، وعلى حالة الجمود التي يعيشها مغربنا الكبير، يمكن أن يصبح استراتيجية ناجحة، وخصوصا التمادي في إغلاق الحدود الذي لا يتماشى مع الميثاق المؤسس للاتحاد، ولا مع منطق التاريخ ومستلزمات الترابط والتكامل الجغرافي. بل إنه يسير ضد مصالح الشعوب المغاربية، التي تتطلع إلى الوحدة والاندماج».
وخلص ملك إلى القول إن «الاتحاد المغاربي لم يعد أمرا اختياريا، أو ترفا سياسيا، بل أصبح مطلبا شعبيا ملحا وحتمية إقليمية استراتيجية».
ولكل هذه الاعتبارات، قال الملك محمد السادس: «ما فتئنا ندعو، منذ سنوات، إلى انبثاق نظام مغاربي جديد، على أساس روح ومنطوق معاهدة مراكش التأسيسية، التي أكملت عامها الخامس والعشرين. هذا النظام يتيح لدولنا الخمس مواكبة التحولات المتسارعة التي تعرفها المنطقة، وفق مقاربة تشاركية وشاملة كفيلة برفع مختلف التحديات التنموية والأمنية».
من جهة أخرى، قال العاهل المغربي إنه خصص لتونس أكبر عدد من الزيارات على صعيد البلدان المغاربية. كما أنه عد دوما أن ما تعرفه تونس من تحولات، يهمه بصفته «ملك المغرب»، ولكن أيضا كمغربي غيور على الأخوة المغربية - التونسية.
وقال ملك المغرب إنه «يسعده أن يتوجه الى المجلس التأسيسي، الذي يمثل تونس الجديدة»، مشيدا بالجهود الدءوبة، التي بذلها رئيسه وأعضاؤه، وبروح التوافق الإيجابي لكل مكوناته، جاعلين مصلحة الوطن هي العليا، وهو ما تكلل بإقرار دستور متقدم، يؤسس لمرحلة حاسمة في تاريخ تونس الشقيقة.
وعبر العاهل المغربي عن تقديره الكبير للدور المهم الذي يقوم به الرئيس المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة مهدي جمعة، وهذا لانخراط كل القوى الحية التونسية في الحوار الوطني، من أجل إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي، مشددا على وقوفه الدائم إلى جانب الشعب التونسي في السراء والضراء.
وجدد العاهل المغربي دعمه للجهود المبذولة من أجل توطيد دعائم دولة المؤسسات، والاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب التونسي، إلى الحرية والديمقراطية، والكرامة والعدالة الاجتماعية، في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للبلاد.
وفي هذا السياق، قال إن «مواصلة الإصلاحات في مختلف المجالات، وإجماع كل مكونات المجتمع على رفض نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، هو السبيل الأمثل لتحقيق آمال وتطلعات جميع التونسيات والتونسيين، وذلك بما يضمن الاستقرار السياسي، والارتقاء بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية»، مشيرا إلى أنه على يقين بأن كل الأطراف تحذوها نفس الروح الإيجابية والبناءة لإنجاح الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية المقبلة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.