المسافة الفاصلة بين متحف اللوفر أبوظبي وميناء الشيخ زايد، حيث تقع القاعدة البحرية الفرنسية، لا تتعدى رمية حجر. في الموقع الأول المكرس للثقافة والفنون، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب تدشين المتحف المذكور، الأول من نوعه، على أهمية الجوانب الحضارية والثقافية، ولكن من غير أن ينسى السياسة.
المتحف الجديد الذي سماه «متحف الصحراء والأضواء» رمز لـ«الغلبة على الظلامية»، في إشارة إلى التنظيمات الإرهابية والراديكالية والفكر المتطرف. كذلك اعتبره «علامة للانفتاح الحضاري» لمنطقة تشكل «فسحة التلاقي بين الشرق والغرب» و«نقطة التوازن» بين قارات ثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا. ولم يسع الرئيس الفرنسي، الذي تكلم بعد الشيخ محمد بن راشد، في حفل الافتتاح، إلى أن يشدد على أهمية أن تكون الرسالة باتجاه الشباب. وختم ماكرون كلمته التي ألقاها بحضور المسؤولين الإماراتيين، وعلى رأسهم الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، والملك محمد السادس ملك المغرب، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى، والرئيس الأفغاني، وحشد من المدعوين الفرنسيين والإماراتيين والممثلين الأجانب، بالتأكيد على أن فرنسا «ستكون إلى جانب الإمارات من أجل مواجهة كل التحديات» التي تلف المنطقة. ويصف الفرنسيون القاعدة البحرية في أبوظبي بأنها «حاملة الطائرات الثانية»، بعد حاملة الطائرات «شارل ديغول» الوحيدة التي يملكونها.
أما على الجانب الآخر من اللسان المائي الذي يفصل جزيرة السعديات، حيث موقع اللوفر أبوظبي وميناء زايد، وفي القاعدة البحرية الفرنسية المسماة «معسكر السلام»، وهي إحدى ثلاث قواعد عسكرية على الأراضي الإماراتية، فقد فصل ماكرون التحديات السياسية والاستراتيجية التي تواجهها المنطقة، والدور الذي تلعبه القوات الفرنسية فيها. وخلف الرئيس، رست الفرقاطة «جان بار» التي تركز عملياتها في منطقة بحر العرب والمحيط الهادئ على مكافحة الإرهاب والتهريب، وجاءت إلى المياه الإماراتية بمناسبة زيارة ماكرون لأبوظبي ودبي. وبطبيعة الحال، وبالنظر إلى الظروف المحيطة بالمنطقة والعمليات العسكرية الحالية في العراق وسوريا ضد «داعش»، فقد كرس ماكرون جانباً من كلمته إلى العسكريين للمعركة ضد الإرهاب، وقال: «لقد انتصرنا في الرقة. وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، أتوقع (...) الانتصار العسكري الكامل في المنطقة العراقية السورية»، غير أن الرئيس الفرنسي سارع للتحذير من أن ذلك «لا يعني أن المعركة قد انتهت».
وتقوم القراءة الفرنسية على اعتبار أن التنظيمات الإرهابية لن تنتهي بخسارتها للمناطق التي كانت تحتلها على جانبي الحدود العراقية السورية، لأنها من غير أي شك ستظهر مجدداً بصورة جديدة، والأرجح بتسميات جديدة. ولذا، فإنه، مرة أخرى، شدد على أحد الثوابت في المقاربة الفرنسية لملف محاربة الإرهاب، حيث اعتبر أن «التصدي للجماعات الإرهابية سيكون عنصراً رئيسياً مكملاً للحل السياسي الشامل (...) الذي نريد أن نراه يتحقق في المنطقة». وترجمة ذلك، وفق القراءة الفرنسية، هي أنه في سوريا، يتعين التوصل إلى عملية انتقال سياسية هي الوحيدة الكفيلة بأن تضع حداً للحرب، وتمكن من عودة اللاجئين والنازحين السوريين.
ولم يدخل ماكرون في تفاصيل التصور الفرنسي للانتقال السياسي، ولا في سعي باريس لإطلاق «مجموعة اتصال» تضم الخمسة الكبار والأطراف الإقليمية المؤثرة. لكن الأساس في موقف باريس هو القرار الدولي 2254، والوساطة الأممية ممثلة بستيفان دي ميستورا ومؤتمرات جنيف.
جدير بالذكر أن باريس وقفت موقفاً سلبياً من الخطة الروسية القائلة بعقد مؤتمر حول سوريا في منتجع سوتشي الروسي، لأن موسكو «ليست حيادية»، ولأن سوتشي «تبتعد عن فلسفة جنيف». ويدافع ماكرون، في سوريا والعراق معاً، عن ضرورة الحلول السياسية الشاملة التي تسمح للجميع، ومن بينهم الأقليات، بممارسة حقوقهم الكاملة كمواطنين. أما في العراق، بوجه خاص، فإن باريس لا ترى حلاً للموضوع الكردي إلا في إطار الدستور العراقي.
وفي إطار التهديدات المختلفة لاستقرار المنطقة، تناول الرئيس الفرنسي الحضور العسكري الفرنسي في منطقة الخليج الذي اعتبره «أساسياً للمصالح» الفرنسية. وقال ماكرون، متوجهاً للعسكريين الفرنسيين بالقول: «أنتم الخطوط الأمامية للدفاع عنا (...) وأنتم الضمانة للتحرك سريعاً في حال وقوع طارئ». وكما في كلمته الافتتاحية للوفر أبوظبي، أشاد ماكرون بالعلاقات الفرنسية الإماراتية، وبالتعاون العسكري والدفاعي بين الجانبين، علماً بأن باريس وأبوظبي مرتبطتان باتفاقية دفاعية، وأن قسماً كبيراً من السلاح والعتاد العسكري الإماراتي مصدره الصناعات الدفاعية الفرنسية. وفي كلمته الافتتاحية، أشاد الشيخ محمد بن راشد، رئيس الحكومة الإماراتية حاكم دبي، بالتعاون الإماراتي الفرنسي، مؤكداً أن الإمارات «لم تجد صديقاً أو حليفاً أكثر من فرنسا، أو رئيساً أفضل من ماكرون».
كان ماكرون قد بدأ نشاطه في اليوم الثاني «والأخير» إلى الإمارات بالقاعدة البحرية، بادئاً بالفرقاطة «جان بار»، ثم زار جامعة السوربون فرع أبوظبي، قبل أن ينتقل إلى دبي للقاء الشيخ محمد بن راشد، وإلقاء كلمة الاختتام في المنتدى الاقتصادي الإماراتي الفرنسي. وكان قبل ذلك قد عقد لقاء مهماً في أبوظبي مع الشيخ محمد بن زايد للبحث في الملفات الثنائية والإقليمية التي تناولها لاحقاً مع حاكم دبي.
ماكرون يسعى لتعزيز الدور الفرنسي في الخليج
استعرض الفرقاطة «جان بار» في أبوظبي وأكد أن باريس ستنتصر على الإرهاب
ماكرون يسعى لتعزيز الدور الفرنسي في الخليج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة