الأزمة الرئاسية تكبل حكومة سلام.. وتلويح بإمكانية مقاطعتها في حال طال أمد الفراغ

وزير العمل سجعان قزي لـ («الشرق الأوسط»): سنعمل على أن يبحث مجلس الوزراء في البنود العادية ولا يتطرق للقضايا المهمة

مجلس الوزراء اللبناني يعقد أولى جلساته أمس بعد انتقال صلاحيات  رئاسة الجمهورية إليه في السراي الحكومي (دالاتي ونهرا)
مجلس الوزراء اللبناني يعقد أولى جلساته أمس بعد انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية إليه في السراي الحكومي (دالاتي ونهرا)
TT

الأزمة الرئاسية تكبل حكومة سلام.. وتلويح بإمكانية مقاطعتها في حال طال أمد الفراغ

مجلس الوزراء اللبناني يعقد أولى جلساته أمس بعد انتقال صلاحيات  رئاسة الجمهورية إليه في السراي الحكومي (دالاتي ونهرا)
مجلس الوزراء اللبناني يعقد أولى جلساته أمس بعد انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية إليه في السراي الحكومي (دالاتي ونهرا)

بعدما عطل شغور سدة رئاسة الجمهورية العمل التشريعي في مجلس النواب لرفض معظم النواب المسيحيين مبدأ التشريع بغياب رئيس للبلاد، انسحبت سلبيات الشغور إلى حكومة الرئيس تمام سلام، في ظل دعوة عدد من الوزراء المسيحيين لوجوب حصر العمل الحكومي بتسيير أمور المواطنين والأمور العادية، مشترطين عدم البحث بالقضايا المهمة، فيما لم يتردد بعضهم بالتلويح بإمكانية مقاطعة العمل الحكومي إذا ما طال أمد الفراغ.
وكان سلام عبر في وقت سابق عن خشيته من أن يكون لدى بعض الجهات السياسية نية لتعطيل أعمال مجلس الوزراء، «لأن هذا القرار هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، كما أن نية التسهيل هي قرار سياسي».
ونفى معظم الوزراء المسيحيين اتخاذ أي قرار بمقاطعة الحكومة في المدى المنظور، لكنهم شددوا في الوقت عينه على أن مهام الحكومة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان لن تبقى على ما عليه بعد شغور سدة الرئاسة.
وانعقد مجلس الوزراء أمس الجمعة في جلسة، هي الأولى له بعد انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية إليه في السرايا الحكومي في وسط بيروت بعدما كانت معظم جلساته السابقة تعقد في القصر الجمهوري في بعبدا شرق العاصمة برئاسة رئيس الجمهورية.
وأكد وزير العمل سجعان قزي أن وزراء حزب الكتائب مستمرون في عملهم الحكومي باعتبار أن الحكومة دستورية، «لكن مجلس الوزراء كسائر المؤسسات الدستورية في لبنان تنقصها ميثاقية معينة بغياب رئيس البلاد، حتى أن الدولة بأسرها فقدت ميثاقيتها بشغور منصب الرئاسة مما يعني أنه على المؤسسات القائمة ومجلس الوزراء أن يأخذوا هذا الأمر بعين الاعتبار فتصب الجهود لخلق ديناميكية انتخاب رئيس جديد إلى جانب الاهتمام بتسيير شؤون الحكم مرحليا وتأمين المصالح الأساسية للمواطنين».
وأوضح قزي لـ«الشرق الأوسط» أنه سيجري العمل على أن يبحث مجلس الوزراء بالبنود العادية ولا يتطرق للقضايا المهمة، «لأننا لا نريد مع كل احترامنا لدستورية مجلس الوزراء، لا يجب أن نعطي انطباعا أن الحكومة بديل دائم وأصيل عن الرئاسة».
وشدد قزي على أنه لا نية على الإطلاق لتعطيل عمل الحكومة ولا حتى عمل مجلس النواب، «ولكن مقاطعتنا للعمل التشريعي تأتي تطبيقا لأحكام الدستور التي تقول بأن المجلس النيابي يصبح هيئة انتخابية لا تشريعية لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد». وأشار قزي إلى أنه «وحتى الساعة لا دلائل تشير إلى حصول الانتخابات الرئاسية قريبا، لأن المعادلات الداخلية باقية على حالها، والتسويات الإقليمية تحتاج لوقت محدد حتى تتبلور وتصل نسماتها إلى لبنان».
بدوره، شدد وزير السياحة ميشال فرعون على وجوب العمل حكوميا ونيابيا بروحية الدستور، لافتا إلى أنه ومع شغور سدة الرئاسة تنتقل صلاحيات الرئيس لفترات استثنائية إلى مجلس الوزراء، «ولذلك قررنا المشاركة في هذه الحكومة تحسبا لمخاطر الشغور الرئاسي الذي دخلنا للأسف فيه».
وأوضح فرعون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن استلام صلاحيات الرئاسة من قبل الحكومة «لا يجب أن يطول لأنه يصبح إجراء غير سليم، وعندها سنتخذ المواقف السياسية المناسبة»، بإشارة إلى إمكانية المقاطعة السياسية للحكومة إذا طال أمد الفراغ في الرئاسة بحسب ما صرح في وقت سابق.
وقال فرعون: «بالمقابل نحن لن نضع شروطا على عمل الحكومة وسنتعاون لتمرير المرحلة بما يصب لمصلحة الدولة والبلد والشعب».
وكان وزراء تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يترأسه النائب ميشال عون أول من لوحوا بإمكانية مقاطعة الحكومة بعد قرار مقاطعتهم العمل التشريعي، لكن مصادر قيادية في التكتل أكدت لـ«الشرق الأوسط» أنه لا قرار حتى الساعة بمقاطعة الحكومة، «لكن آلية العمل قبل شغور سدة الرئاسة لن تبقى على حالها بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان».
وقالت المصادر: «ستكون لنا مواقف أكثر حزما في التعاطي مع بعض المسائل وسنسعى لأن تتخذ معظم القرارات بالإجماع على أن تكون لنا مواقف وإجراءات مناسبة حين يقتضي الأمر».
ولا تنسجم مواقف التكتل التغيير والإصلاح بالموضوع الحكومي تماما مع مواقف حلفائه، إذ ذكر وزير المال علي حسن خليل، وهو وزير عن كتلة التنمية والتحرير التي يتزعمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بأن المادة 72 من الدستور تنص على أنه عند شغور سدة الرئاسة، تنتقل صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء، لافتا إلى أن «من لديه اعتراض كان عليه أن يقدم طلبا لتعديل الدستور».
ورأى عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب مروان حمادة أنه يصح إطلاق صفة «جمهورية الهدنة» على «جمهورية الفراغ» التي نعيشها، متوقعا أن تستمر الهدنة السياسية والأمنية النسبية التي بدأت مع تشكيل الحكومة، «على أن لا يعني ذلك على حد قول الرئيس تمام سلام والرئيس نبيه بري ووزير المال علي حسن خليل أنه لن تكون هناك محاولات لتعطيل الحكومة».
واعتبر حمادة في تصريح أن «لعبة عض الأصابع مستمرة بين مكونات المجتمع السياسي، ولكن لن نصل إلى حد انتزاع الإصبع»، لافتا إلى أن «مجلس الوزراء سيستمر في حده الأدنى وهذا نوع من وفاق محلي مغلف بوفاق عربي ودولي».
وكان مجلس الأمن الدولي عبر في وقت سابق عن أسفه وقلقه، لكون انتخاب رئيس جديد للبنان لم يحصل في المهل المقررة، مطالبا بأن يصار إلى انتخاب رئيس «من دون تأخير».
وفي بيان صدر بإجماع أعضائه الـ15، دعا مجلس الأمن «الحكومة إلى الحفاظ على تاريخها الديمقراطي العريق، وإلى العمل بشكل تجرى فيه الانتخابات الرئاسية من دون تأخير».
وجدد المجلس دعمه للحكومة اللبنانية للقيام بمهامها طيلة الفترة الانتقالية، داعيا اللبنانيين إلى حماية الوحدة الوطنية أمام التهديدات بزعزعة استقرار البلد، ومشددا على وجوب أن تحترم جميع الأطراف اللبنانية «سياسة النأي بالنفس والابتعاد عن الأزمة السورية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».