على مدى 10 سنوات، داعب متحف اللوفر أبوظبي خيالنا، بمبناه ومعماره، وأيضاً بمقتنياته، وها نحن الآن وأبواب اللوفر بثوبه العربي تفتح أمامنا، وتجذبنا لتجربة أقل ما يمكن أن توصف به أنها فريدة في كل شيء. في الطريق للمتحف، انشغل بعض أفراد الوفود الصحافية التي تقاطرت من جميع أنحاء العالم لتواكب الافتتاح بتصوير المناظر حولهم للمدينة ومياه خليجها، ولكن عندما توقفت الحافلة، تحولت عدسات الكاميرات كلها لتلتقط صوراً لتلك القبة البديعة التصميم؛ صوراً من كل الزوايا الممكنة.
بداية، الدخول للمبنى المتربع على شواطئ جزيرة السعديات يمثل تجربة تخطف الأنفاس والأبصار؛ سحر غريب تمثله تلك القبة المعدنية التي تضافرت عناصرها لتكون شبكة تتسلل منها أشعة الشمس لتخلق أشكالاً هندسية متلألئة. نحن في رحلة لواحة عربية: أشجار نخيلها من الأسمنت، وسعفها من الحديد المتشابك، والوصف هنا لا يقلل من بهاء التصميم ولا من وقعه على النفس، فنحس بالفعل أننا تحت مظلة صنعت من خصف النخيل، ونمر بجانب النوافذ الضخمة الزجاجية التي تطل على الماء، ومن خلفها مباني المتحف البيضاء، وكأننا في نزهة لأحياء الإمارات القديمة، المعمار موحٍ بشكل كبير، وهو ما جعل المعماري الفرنسي جان نوفيل محط الأنظار، فقد خلق الإطار الذي سيجذب الزوار، ومنه سيغوصون في كل أنواع الفنون.
في المؤتمر الصحافي الذي عقد للإعلان عن الافتتاح، تحدث كل من محمد خليفة المبارك رئيس مجلس إدارة دائرة الثقافة والسياحة وشركة التطوير والاستثمار السياحي، وجان نوفيل، وجان لوك مارتينيز مدير متحف اللوفر في باريس رئيس المجلس العلمي في إدارة وكالة متاحف فرنسا، ومانويل راباتيه مدير متحف اللوفر أبوظبي، وحصة الظاهري نائب مدير اللوفر أبوظبي. وقد تحدثوا عن مراحل بناء المتحف، وعن رسالته، وعن المشروعات المقبلة والآمال العظيمة بأن يكون اللوفر أبوظبي رسولاً بين الثقافات في العالم، وهو ما يشير له محمد خليفة المبارك بقوله: «اللوفر أبوظبي هو أكثر من متحف»، ويضيف أن الصرح الثقافي «سيكون متحفاً يجد فيه كل شخص في العالم قطعة منه»، مؤكداً أن «الأجيال القادمة ستكون أفضل بسببه»، مشيداً بعبقرية المعماري جان نوفيل: «القبة صممها عبقري، المعمار أرجعني لثقافتي، فالوقوف تحت القبة والتأمل في أشعة الضوء المتسللة تذكرنا بالواحات وأشجار النخيل».
أما عما يقدمه المتحف، فيقول المبارك: «يحتضن متحف اللوفر أبوظبي بين أروقته أعمالاً وتحفاً من جميع أنحاء العالم، وسيلمس زواره روح التعددية الثقافية والحضارية حينما يلتقون بمعروضاته التي تنتمي إلى مختلف الثقافات... إن اللوفر أبوظبي هدية للعالم، وعلامة فارقة بين المتاحف العالمية في القرن الحادي والعشرين».
ويعود جان نوفيل في كلمته إلى بداية تكليفه بالمشروع: «علمت بالتكليف لتصميم مبنى فريد من نوعه في 2006: كان هناك بحر وسماء ورمال، وتخيلت كيف ستكون هذه المنطقة الثقافية بعد سنوات. أعرف أن العمل المعماري يجب أن يكون متوائماً روحياً وثقافياً مع المنطقة»، ويضيف أن تصوره للمتحف تجاوز الأسمنت والحديد: «التصور لم يكن فقط للمباني، وإنما لمركز فني عربي روحي، يعكس البياض في مبانيه البيوت الإماراتية، وتعكس ممراته الضيقة شوارعها القديمة. الرمز موجود هنا؛ هذه القبة تعكس أبعاداً روحية وجغرافية، كان هناك رغبه في أن يختزل المبنى البعد الروحي والفني، فهو مكان محمي من أشعة الشمس مثلما يحمي النخيل البيوت في الواحات، والمياه تبعث الدفء في الزوار. أما القبة، فهي تتحدث عن الهندسة الأصيلة والمعاصرة. وبالنسبة لي، هي أيضاً مرتبطة بالأنوار، فهي تجعل من نفسها نافذة لنرى السماء من فتحاتها، وتشكل لوحة جميلة ونظرة مختلفة للشمس والنجوم».
«هنا مغامرة تمثل طفرة نوعية في تاريخ المتاحف»، بادر جان لوك مارتينيز مدير متحف اللوفر في باريس بالقول، مضيفاً: «إنه أكثر من مجرد متحف، فهو سيواجه الفكر المتشدد والإرهاب... بعد أكثر من 10 سنوات، يفتح أبوابه للعالم، ويعد إنجازاً عبقرياً ينتمي لكل الإماراتيين، ومعه تتحول أبوظبي لعاصمة ثقافية في العالم العربي. يحمل هذا المتحف أسمى المعاني والرسائل، المتمثلة في الانفتاح على العالم، وهو ما يُعد ركيزةً أساسية وأولوية هامة في وقتنا الحاضر».
ويعرض اللوفر أبوظبي مجموعة فنية تضم أكثر من 600 قطعة، تتراوح بين المقتنيات الأثرية العريقة والأعمال الفنية المعاصرة، بالإضافة إلى المنحوتات الكلاسيكية الجديدة ولوحات فنية بريشة أشهر فناني اليوم، وغير ذلك من الأعمال التركيبية المصممة من قبل فنانين بتكليف من المتحف، إلى جانب 300 من الأعمال المستعارة من المتاحف الفرنسية التي تمتدّ على مساحة 6400 متر مكعب من صالات العرض خلال السنة الافتتاحية.
ويسرد هذا الصرح الكبير الذي يفخر بجذوره وهويته الإماراتية تاريخ الفنون من منظور جديد في عالمنا اليوم، كما يقدم تجربة إنسانية مشتركة تتجاوز حدود الجغرافيا، على عكس المتاحف الغربية، حيث سيأخذ زواره على متن رحلة تسافر بهم عبر مختلف الحضارات والثقافات، من حقب ما قبل التاريخ وصولاً إلى العصر الحالي، من خلال 12 قاعة عرض للمتحف، بما في ذلك القرى الأولى والأديان العالمية، بدايةً من بدايات الحضارات الصناعية وصولاً إلى عالم اليوم.
وسيحضر الافتتاح إلى جانب الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي الملك المغربي محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
اللوفر أبوظبي... أكثر من متحف
يفتح أبوابه للعالم بـ12 قاعة عرض و600 عمل فني وأثري
اللوفر أبوظبي... أكثر من متحف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة