يوصف فاليري لوبانوفسكي، المدير الفني السابق لنادي دينامو كييف ومنتخب أوكرانيا في أواخر الحقبة السوفياتية، بأنه أبو كل شيء، فهو أبو التحليلات وأبو كرة القدم القائمة على البيانات، كما كان يتم تصويره في بعض الأحيان على أنه آلة من الآلات الصناعية السوفياتية.
ومن المعروف أن لوبانوفسكي قد اختار قائمة أولية تضم 40 لاعبا لقائمة منتخب الاتحاد السوفياتي المشارك في نهائيات كأس الأمم الأوروبية عام 1988، وبعد مجموعة من الاختبارات الدقيقة قرر لوبانوفسكي في النهاية اختيار جميع لاعبي فريق دينامو كييف الذي كان يدربه. وبعد كل هذه الاختبارات، لم يهتم لوبانوفسكي، الذي كان في التاسعة والأربعين من عمره آنذاك، بالأرقام والإحصائيات، وقرر في نهاية المطاف الاعتماد على لاعبي نادي دينامو كييف بالكامل.
وقد حقق لوبانوفسكي نجاحا كبيرا مع منتخب الاتحاد السوفياتي بهذا الفريق. صحيح أن باقي أجزاء الاتحاد السوفياتي كانت تكرهه نتيجة ذلك، لكن لاعبي فريق دينامو كييف الذي كان يدربه كانوا يعرفون طريقة عمله جيدا ويلعبون بتجانس كبير فيما بينهم. لقد أمن لوبانوفسكي بأن الانسجام الكبير بين لاعبي دينامو كييف هو أفضل طريقة ستمكن منتخب الاتحاد السوفياتي من النجاح. وشارك ثمانية لاعبين من نادي دينامو كييف في صفوف منتخب الاتحاد السوفياتي في المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية أمام هولندا، وهي المباراة التي كان الاتحاد السوفياتي قريبا من تحقيق الفوز بها، على نقيض ما تشير إليه النتيجة النهائية للمباراة التي انتهت بفوز الطاحونة الهولندية بهدفين مقابل لا شيء.
ربما يكون هذا هو أبرز مثال حديث على نجاح ناد واحد في تمثيل منتخب بلاده وتحقيق نتائج جيدة. لكن لم يكن هذا هو المثال الوحيد، فمنتخب البرتغال كان يضم 10 لاعبين من خريجي أكاديمية الناشئين بنادي سبورتنغ لشبونة في كأس الأمم الأوروبية 2016. كما كان منتخب ألمانيا يضم سبعة لاعبين من نادي بايرن ميونيخ في كأس العالم 2014. وكانت المباراة النهائية لكأس العالم 2010 بين إسبانيا وهولندا هي في الأساس مباراة بين ناشئي برشلونة وناشئي أياكس أمستردام. وكان منتخب إيطاليا الفائز بكأس العالم 2006 يضم خمسة لاعبين من نادي يوفنتوس، كما كان منتخب اليونان يضم خمسة لاعبين من نادي باناثينايكوس عام 2004، لذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا لا يحدث ذلك مع المنتخب الإنجليزي؟
ويجب الإشارة إلى أن جزءا من الدافع وراء هذا السؤال هو الفضول، خصوصا أن المنتخب الإنجليزي قد قدم نتائج مخيبة للآمال في أربع بطولات كبرى متتالية، وكان صاحب أكثر أداء ممل في كأس الأمم الأوروبية الأخيرة، رغم وجود عدد من اللاعبين الموهوبين، لذا فلماذا لا نجرب شيئا آخر؟ ولماذا لا نختار خط الوسط والهجوم بالكامل من لاعبين تحت سن الخامسة والعشرين ويلعبون في دوري أبطال أوروبا وينالون ثقة ثلاثة من أفضل المديرين الفنيين في العالم؟
لماذا لا يتم الاعتماد على «العمود الفقري» لنادي توتنهام هوتسبير، المتمثل في إيريك داير وهاري وينكس وديلي ألي الذين قادوا ناديهم للفوز على ريال مدريد الإسباني بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد مساء الأربعاء الماضي؟ لقد قدم هؤلاء اللاعبون أداء رائعا يتسم بالقوة البدنية الكبيرة والضغط المتواصل على لاعبي الفريق المنافس، للدرجة التي جعلت ريال مدريد يبدو فريقا مهلهلا يلعب كرة قدم عفى عليها الزمن.
ولماذا لا نستعين بهؤلاء اللاعبين دفعة واحدة للانضمام إلى صفوف المنتخب الإنجليزي الذي يقدم أكثر كرة قدم مملة في الذاكرة الحديثة؟ وما الذي نحتاجه أكثر من ذلك من لاعبين تغلبوا بشكل واضح على حامل لقب دوري أبطال أوروبا حتى يصبحوا عناصر أساسية في صفوف المنتخب الإنجليزي؟
هذا ليس مجرد شيء يتعلق بنادي توتنهام هوتسبير، لكنه يشبه طريقة لوبانوفسكي البراغماتية، التي تنحي كل شيء جانبا وتستعين بالقوام الأساسي لفريق قوي من أجل تحقيق النجاح مع المنتخب. أما بقية الفريق فيختار نفسه بالطريقة نفسها، بمعنى أن تتم الاستعانة برحيم ستيرلينغ وهاري كين وماركوس راشفورد ثلاثيا هجوميا، مع الاعتماد أيضا على آدم لالانا معهم للتبديل في بعض الأوقات. فهل يمكن أن نتخيل أن هناك من لا يريد وجود لاعبين من أمثال داير وألي ووينكس الذين يتميزون بصغر السن والقوة البدنية والطاقة الهائلة والتجانس الكبير الناتج عن اللعب كثيرا بعضهم مع بعض؟
ومع ذلك، لن يحدث ذلك، لأن الأمور لا تسير هكذا في المنتخب الإنجليزي، الذي دائما ما يلعب بشكل متحفظ وتسلسل هرمي داخلي يظل فيه اللاعبون الكبار في أماكنهم لفترة طويلة من الزمن ولا يعطي الفرصة للمواهب الشابة رغم تألقها.
لقد كان من الواضح حتى قبل كأس الأمم الأوروبية الأخيرة أن الشراكة بين كين وألي هي الأفضل في الدوري الإنجليزي الممتاز، وأن استغلال هذه الشراكة وتطويرها الشيء الأفضل بالنسبة للمنتخب الإنجليزي سواء من الناحية الهجومية أو الدفاعية. لكن روي هودغسون لم يكن يملك الشجاعة الكافية وفضل الاعتماد على واين روني رغم تراجع مستواه بسبب خبراته السابقة، متجاهلا حالة التفاهم الواضحة بين لاعبي توتنهام هوتسبير، وهو ما جعل المنتخب الإنجليزي يبدو أمام نظيره الفرنسي كأنه مجموعة من الأشباح. هذه هي الطريقة التي تعمل بها كرة القدم الإنجليزية، التي تعتمد على اللاعبين الكبار بغض النظر عن أدائهم، في الوقت الذي تكون فيه النتائج واضحة للجميع وبما فيه الكفاية.
وإذا كان تألق اللاعبين صغار السن في إنجلترا يدل على شيء فإنه يدل على نجاح أكاديميات أندية الدوري الإنجليزي الممتاز في تخريج لاعبين موهوبين لديهم رغبة حقيقية في تحقيق الفوز والحصول على فرصة، وهو ما يتمنى قطاع عريض من الجمهور رؤيته يتحقق على أرض الواقع مع المنتخب الإنجليزي.
ومع اقتراب بطولة كبرى أخرى، تواجه إنجلترا خطر الخروج بشكل مهين رغم أنها تملك ستة لاعبين رائعين ومتفاهمين للغاية بسبب لعبهم كثيرا بعضهم مع بعض. وفي هذا الإطار، يتعين على مسؤولي المنتخب الإنجليزي أن يتعلموا مما قام به لوبانوفسكي، الذي كان أكثر قلقا من الإنجليز أنفسهم فيما يتعلق بطريقة اللعب والثقافات المختلفة، لكنه على أرض الواقع فضل التركيز على مجموعة متجانسة من اللاعبين في فريق قوي بالفعل.
هل يستغل المنتخب الإنجليزي «العمود الفقري» لتوتنهام؟
الفريق الوطني يقدم كرة قدم عفى عليها الزمن... وعروضه في تصفيات المونديال أصابت المشجعين بالملل
هل يستغل المنتخب الإنجليزي «العمود الفقري» لتوتنهام؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة