تكشف الوثيقة الروسية لـ«مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، أسباب قرار موسكو بتأجيل المؤتمر واعتراض أطراف عدة لأنه بمثابة «لويا جيرغا سوري» قبل أوانه، على أن يكون التركيز الدولي والإقليمي حالياً على المؤتمر الموسع للمعارضة السورية في الرياض لضمان نجاحه في تشكيل هيئة قيادية ووفد موحد قبل 10 أيام من مفاوضات جنيف المقررة في 28 من الشهر الحالي.
المسودة الروسية التي تحمل عنوان: «ورقة مفاهيم مؤتمر الحوار الوطني» تقع في صفحتين وربع الصفحة، تبدأ بتثبيت أن موعده هو 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 بحيث تتم «دعوة ممثلين من جميع الطوائف العرقية والجماعات الدينية للشعب السوري والمؤسسات التقليدية وجميع القوى السياسية التي قبلت الحل السلمي لإنهاء الصراع الدائر في البلاد، وكذلك منظمات المجتمع المدني الكبيرة، للمشاركة في المؤتمر».
قائمة المدعوين
توضح الوثيقة أنه بالنسبة إلى «الجماعات العرقية والدينية والمؤسسات التقليدية» ستتم دعوة «المسلمين من السنّة والعلويين والشيعة والدروز والإسماعيليين، والمسيحيين من الأرثوذكس والسيريانيين والكاثوليك والمارونيين»، إضافة إلى «العرب والأكراد والتركمان والآشوريين والسيريانيين والأرمن والجماعات القبلية، أي القبائل والشيوخ».
كما تشمل الدعوة «قوى سياسية» هي: «حكومة الجمهورية العربية السورية وبرلمان الجمهورية العربية السورية والأحزاب الرسمية المسجلة (في دمشق)، والمعارضة الداخلية و(ممثلي) مناطق خفض التصعيد، و(ممثلي) المناطق شمال وشمال شرقي سوريا، والهيئة الوطنية للتنسيق (برئاسة المنسق حسن عبد العظيم) وجماعة (قاعدة) حميميم».
ومن «المعارضة الخارجية» ضمت القائمة «الهيئة العليا للمفاوضات، ومجموعة القاهرة، ومجموعة موسكو، ومجموعة آستانة»، إضافة إلى «منظمات المجتمع المدني الهامة؛ منها جمعية الهلال الأحمر السوري».
يلاحظ هنا أنه تم التعاطي مع «هيئة التنسيق» بصفة مستقلة عن «الهيئة التفاوضية» التي تضم قيادة «هيئة التنسيق»، كما هي الحال مع «مجموعة آستانة» التي تضم قادة فصائل ممثلين في «الهيئة التفاوضية» المشكلة بعد مؤتمر الرياض نهاية 2015.
وإذ تحدث مسؤولون روس شفوياً عن دعوة بين ألف و1500 شخص إلى منتجع سوتشي بدلا قاعدة حميميم، تركت الوثيقة تحديد عدد المدعوين بحسب «استعداد الجماعات المختلفة والقوى السياسية للمشاركة في المؤتمر». ولم تتضمن قائمة المدعوين أميركا وإيران وتركيا، لكنها ضمت «ممثلي الأم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر» بصفة مراقبين.
أهداف المؤتمر والأجندة
نصت الوثيقة على أن المؤتمر العتيد يرمي إلى «تأكيد الالتزام بوحدة وسيادة سوريا ووحدة أراضيها وهويتها اللاطائفية، والتعبير عن مساندة عملية المصالحة، والتطلع إلى تسهيل الإصلاحات السياسية، استنادا إلى التشريعات السارية حاليا في سوريا، وتسهيل إطلاق العملية السياسية بقيادة سورية بصورة تتفق مع الطموحات المشروعة للشعب السوري، وتأكيد الشروع في صياغة الدستور السوري لإجراء انتخابات ديمقراطية بمشاركة جميع السوريين وفق الدستور الجديد وتحت إشراف الأمم المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».
وتضمن برنامج المؤتمر، بحسب الوثيقة، 5 بنود؛ بينها «الوضع في سوريا، والمحافظة على وحدتها ودعم سيادتها، وإجراء الإصلاحات الاقتصادية، و(إعادة اعمار) البني التحتية المدمرة، وخلق المناخ الملائم لعودة اللاجئين والمشردين، ومحاربة الإرهاب وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2253، والحاجة إلى صياغة قانون جديد، وإجراء انتخابات عادلة ونزيهة على أساسها وبمشاركة جميع السوريين، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتشكيل اللجنة الدستورية والمجلس الأعلى للمؤتمر».
وكان مقررا أن يتم بعد افتتاح المؤتمر إلقاء كلمات، ثم إقرار الجدول ووثيقة ختامية، و«التصديق على أسماء أعضاء اللجنة الدستورية والمجلس الأعلى للمؤتمر» والاتفاق على المرحلة اللاحقة.
ورغم أن موسكو سعت إلى إرضاء أكثر من طرف بحيث باتت الوثيقة تضم تناقضات بين الحديث عن «إصلاح سياسي» والإشارة إلى القرار «2254» الذي يتحدث عن «انتقال سياسي»، فإنها فوجئت بردود الفعل على المؤتمر؛ إذ إنها لم تحصل على دعم حلفائها في طهران ودمشق. الجانب الإيراني رفض هذه الخطة لأنها بمثابة «انتقال سياسي» لا يريده الإيرانيون. كما أن دمشق تتمسك بأن تكون أي عملية سياسية ضمن الدستور الحالي لعام 2012 وأن «تتم إصلاحات الدستور بموجب آليات يضعها الدستور الحالي» وليس عبر تشكيل هيئة دستورية من خارج البرلمان الحالي. وقال دبلوماسي غربي إن مسؤولين في دمشق أبلغوا الجانب الروسي بأن وثيقة مؤتمر سوتشي «وحديثها عن الطوائف والقوميات والأديان، يصلحان لروسيا الفيدرالية الكبيرة، وليس لسوريا». اضافة إلى رفض اجراء انتخابات رئاسية قبل موعدها في 2021.
وإضافة إلى معارضة حلفائها، فإن موسكو لم تحصل على دعم حلفاء المعارضة والقوى الأساسية في المعارضة، حيث أعلنت «الهيئة العليا» و«الائتلاف الوطني السوري» وفصائل آستانة رفض المشاركة في «سوتشي»، إضافة إلى إعلان موقف مماثل من دول إقليمية رئيسية ورفض أنقرة مشاركة «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الذي وافق على الحضور.
وكان لافتا أن أكثر من طرف شبّه مؤتمر سوتشي بأنه «لويا جيرغا سوري» مشابه لـ«لويا جيرغا» الأفغاني الذي نظمه الأميركيون بعد حرب2001، إضافة إلى ملاحظة مسؤولين غربيين أن روسيا تقلد في سوريا التجربة الأميركية في أفعانستان وأنها «تستعجل الحل السياسي قبل انتخابات الرئاسة الروسية في مارس (آذار) المقبل، لذلك فإن أكثر من طرف يشجعها على التريث في طبخ الحل السياسي».
ولم تكن واشنطن متحمسة، وخففت من موقف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا من مؤتمر سوتشي.
وأوضح دبلوماسي أن واشنطن أكدت ضرورة «التزام مسار مفاوضات جنيف ومرجعية القرار 2254» وعدم شرعنة مسارات بديلة مثل «آستانة» أو «سوتشي» لتأخذ منحى سياسياً بديلاً لعملية جنيف. وأوضح الدبلوماسي: «بعد المشاورات، قررت موسكو تأجيل مؤتمر سوتشي، ربما إلى ما بعد جولة أو جولتين من مفاوضات جنيف، مع إعطاء فرصة لنجاح مؤتمر المعارضة في الرياض».
ومن المقرر أن يساهم فريق المبعوث الدولي في مشاورات لإنجاح مؤتمر المعارضة في الرياض، الذي من المقرر أن يدعى إليه ممثلو مجالس محلية منبثقة عن اتفاقات «خفض التصعيد»، إضافة إلى الكتل السياسية والعسكرية في «الهيئة التفاوضية»، ومجموعتي «موسكو» و«القاهرة» والمجتمعي المدني.
وأضاف أن الاتجاه هو لاستضافة نحو مائة شخص لبحث خيارات تشكيل وفد موحد ومرجعيته السياسية. وإذ يريد مسؤولون في «الهيئة» توسيعها وضم كتل جديدة والتمسك بمرجعيتها السابقة، تطرح قوى أخرى تشكيل قيادة جديدة ووفد مفاوض جديد والاقتصار فقط على «بيان جنيف» والقرار 2254 مرجعيةً للوفد لدى الذهاب إلى جنيف نهاية الشهر للتفاوض مع وفد الحكومة. ويأمل دي ميستورا قبل توجيه الدعوة رسميا في أن يكون وفد المعارضة «موحداً وواقعياً» ووفد الحكومة «جدياً» في التفاوض على ملفي الدستور والانتخابات.