لا شك أن أهمية التعليم عن بعد في تزايد مستمر، خاصة وأنه يدعم الشباب في تعزيز قدراتهم على المنافسة في سوق العمل الذي تعتريه تغييرات جذرية؛ في ظل دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي في كثير من المجالات.
ومؤخرا، أعلنت الجامعة الأميركية بالقاهرة عن إطلاق مشروع ضخم لـ«التعليم عن بعد» بالتعاون مع معهد ماساتشوستس الأميركي للتكنولوجيا، والجامعة الأميركية في بيروت، بتمويل من مؤسسة عبد الله الغرير. وذلك في إطار سعي الجامعة لتطبيق نظم التعليم المدمج blended learning، وقال فرانسيس ريتشاردوني، رئيس الجامعة الأميركية بالقاهرة في مؤتمر عقد بمقر الجامعة: «إن ما تحاول الجامعة القيام به في مصر هو استكشاف طرق جديدة للتعلم وطرق جديدة لتطوير ونقل المعرفة، بأقل تكاليف ممكنة»، لافتا إلى أنه تم تدريب 68 من أعضاء هيئة التدريس على تقديم دورات التعليم المدمج، وقد قامت بالفعل بتصميم وتقديم أربع دورات».
وتعمل الجامعة الآن على تصميم 15 مقرراً دراسياً قائماً على «التعليم المدمج» من ضمن كثير من الجهود المبذولة لزيادة طرق التعليم في تجربة الجامعة التعليمية. ويشمل التعليم المدمج مجموعة من الطرق التعليمية التي تركز على الاستثمار في المحتوى التعليمي وقيمته ومخرجاته بدلا من الاستثمار في فصول الدراسة التقليدية. ويتضمن حزمة من الأدوات التعليمية التي تقوم على اللقاءات (وجها لوجه) مع المحادثات الجماعية عبر الإنترنت إلى جانب وسائل التعليم الرقمي من مكتبات رقمية وأقراص مدمجة ووسائط متعددة وغيرها من أدوات العصر.
وتعتمد الجامعة الأميركية بالقاهرة نظام «التعليم عن بعد» في عدد من المقررات الدراسية حيث يتعاون أعضاء هيئة التدريس بها والطلاب مع هيئات وجامعات أجنبية عبر تصميم دورات وورش عمل بينهم وبين نظرائهم في عدد من الجامعات حول العالم.
من جانبها، صرحت مايسة جلبوط، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم: «نقوم بالتركيز على توفير فرص الحصول على التعليم لأكثر الطلاب تفوقاً في المنطقة والذين لا يملكون الموارد».
- مستقبل التعليم عن بعد
يقول د. سامي نصار، أستاذ التربية بجامعة القاهرة، والعميد الأسبق لمعهد الدراسات التربوية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن التعليم المفتوح هو المظلة الأكبر لنظم التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني والتعليم المدمج، وقد قدمت الجامعات المصرية نظام التعليم المفتوح منذ عام 1992، ولكن لم تلقَ نماذج التعلم عن بعد الإقبال الكافي من الطلاب إذا ما قورنت النسبة مع الإقبال على التعليم التقليدي» ويرجع د. نصار السبب إلى أن «سوء إدارة جامعات التعليم المفتوح، أدى لترسخ انطباع عام بأن نظم التعليم الجديدة غير التقليدية أقل جودة».
ورغم أن هناك عدداً من الجامعات المصرية الحكومية طبقت تكنولوجيا التعليم عن بعد، فإن إقدام الجامعة الأميركية بالقاهرة عليها في الوقت الحالي، يؤشر إلى أن الفترة المقبلة ستشهد إقبالا على هذا النظام التعليمي الذي يفرض نفسه في ظل التطور الهائل في الوسائط التكنولوجية.
- تجربة مصرية ناجحة
يسلط د. نصار الضوء على تجربة رائدة في مصر: «لدينا نموذج ناجح لتجربة التعليم عن بعد في الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني والتي تضم حاليا 3 آلاف طالب ما بين طلاب في المرحلة الجامعية أو طلاب الدراسات العليا وهي تجربة تقوم على نموذج تعليمي متقدم جدا، في الفصول الافتراضية».
تم إنشاء الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني بالقرار الجمهوري رقم 233 لسنه 2008 كأول جامعة مصرية تتبنى مبدأ التعلم الإلكتروني في تقديم خدمات تعليمية على أعلى مستوى جودة، بأسعار مناسبة، وتعمل على إمداد سوق العمل بعناصر لها مهارات عالية وعلى دراية بأحدث ما وصل إليه العلم في مجالات التخصص. كما تعمل الجامعة من خلال كوادر أكاديمية رفيعة المستوى على التطوير المستمر للبيئة التعليمية بما يجعلها قادرة على تلبية الاحتياجات المستقبلية للمجتمع والصناعة.
ويلفت د. نصار إلى أن أحد أهم ميزات التعليم عن بعد هي المزج بين كل أشكال ووسائل التعلم حيث يتمرس الطالب على استخدام الوسائل التعليمية التقليدية والرقمية أيضا، فيما يعرف بـ«التعليم المدمج» فهناك الأستاذ في مقر الجامعة، والطلاب في فصل افتراضي لا يزيد عن 25 فردا، ويتاح لهم الدخول لمكتبة رقمية ومراكز تعلم ومعامل رقمية دون مشكلات الزحام المروري والتنقل من محافظة لأخرى وغيرها من مشكلات التعليم التقليدي. ويؤكد أن جميع الطلاب في البداية يخضعون لمحاضرات تعريفية وتوجيهية بكيفية التعامل مع التطبيقات التكنولوجية التي سيطبقونها خلال سنوات الدراسة وكيفية استخدام الطالب لحسابه عبر موقع الجامعة في التواصل مع أقرانه وأستاذته.
- مميزات وفرص تعليمية واسعة
ينتقد د. ياسر دكروري، رئيس الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني في مصر، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» وجود تفرقة بين الطلاب في أنظمة التعليم الإلكترونية والتقليدية في مصر، طالما أن الطالب يحصل على نفس المتطلبات الدراسية والتي تتوافق مع معايير الجودة التقليدية والتكنولوجية».
ويوضح أن من أهم مميزات «التعلم عن بعد» المرونة والتحكم في العبء التعليمي من قبل الدارسين وهو ما يتفق مع أهداف ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030. وحول الهدف الرئيسي من التعلم عن بعد هو إتاحة الفرصة للطلاب الذين تعوقهم ظروف العمل أو غيرها عن الالتحاق بالتعليم الجامعي، ويجب أن تتم مساواتهم بالطلاب الدارسين بالجامعات بنظام «الانتساب» حيث إن الجامعة تمنحهم شهادات مثلهم مثل جميع الطلاب المتخرجين منها دون تفرقة».
ويذهب د. دكروري إلى أهمية دمج النظم والأساليب والوسائل التعليمية الإلكترونية مع التعليم التقليدي، كاشفا عن سعي الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني لتأسيس عدة فروع لها في باقي المحافظات المصرية، حيث يوجد لها حاليا 3 فروع فقط في القاهرة وطنطا وأسيوط.
ويقدم د. محمد الزيات، مدرس تكنولوجيا التعليم بالجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني، وجهة نظر هامة بشأن مستقبل «التعليم عن بعد»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه خلال السنوات المقبلة سوف تختفي كل المصطلحات مثل: «التعليم عن بعد» أو «التعليم الإلكتروني» أو «التعليم المفتوح»؛ لأنه ببساطة الأدوات والوسائط التي يتم استخدامها في العملية التعليمية هي بالنسبة للأجيال الجديدة جزء عادي من تكوينهم الوجداني واللاشعوري أيضا، خاصة وأن كل شيء يستخدمونه له علاقة بالتطبيقات الإلكترونية والوسائط اليومية هي وسائل لوحية وشاشات وغيرها، وبالتالي فإن التفرقة في المسميات التي أطلقتها الأجيال السابقة أصبحت بالية في ظل أن السلوك التعليمي حتى للطلاب في المراحل التعليمية الأساسية يعتمد على الإنترنت والبحث عبر «غوغل»، وبالتالي فإن كل الفروقات سوف تختفي، وسوف تتضمن كلمة التعليم بمعناها الشائع استخدام التعليم الإلكتروني أو عن بعد.
- تكاليف ومستلزمات تقنية
يتفق د. الزيات مع الخبراء السابقين في أن مشكلة الاعتراف بنظام التعليم عن بعد في المجتمع مشكلة وعائق كبير لكنه نفسي فقط وغير واقعي؛ لأن الهيئات التي تعتمد الشهادات التعليمية واحدة ولا يوجد أي تفرقة قانونيا أو إجرائيا. ويشير إلى أن أحد مسببات عدم تطوير هذا النظام التعليمي الإلكتروني هو عدم وجود ميزانية أو خطة ورؤية للتعليم ككل.
ويلفت د. الزيات إلى أهمية الاستثمار في نماذج تعليمية كثيرة وعقد الشراكات بين الجامعات والمؤسسات التعليمية؛ لأن «التعليم عن بعد» لا يمكنه أن يحل كل المشكلات التي تعوق العملية التعليمية وجودتها. ويقول: «هناك مبادرات اجتماعية رائعة مثل ما تقوم به جمعية (مصر الخير) التي تبنت تجربة المدارس المجتمعية في جنوب مصر والتي تسعى للوصول لطلاب لا يمكنهم الالتحاق بالمدارس» ويؤكد الزيات أنه «من دون سياسات واضحة وخطة متكاملة والعمل بشكل متناغم بين الهيئات التعليمية، لن تتمكن مصر من اللحاق بالتطورات السريعة والمتلاحقة في مجال تكنولوجيا التعليم».
«التعليم عن بعد» في مصر... إقبال متزايد رغم التشاؤم المجتمعي
خبراء: ميزته تطوير المحتوى... والتفرقة الأكاديمية ستتلاشى
«التعليم عن بعد» في مصر... إقبال متزايد رغم التشاؤم المجتمعي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة