أمين عام «التقدم والاشتراكية» المغربي: أدعو دول الربيع العربي إلى الاقتداء ببلادنا

الوزير نبيل بن عبد الله يقول لـ {الشرق الأوسط} إن أخلاق حزبه السياسية تفرض عليه الدفاع عن حكومة ابن كيران

أمين عام «التقدم والاشتراكية» المغربي: أدعو دول الربيع العربي إلى الاقتداء ببلادنا
TT

أمين عام «التقدم والاشتراكية» المغربي: أدعو دول الربيع العربي إلى الاقتداء ببلادنا

أمين عام «التقدم والاشتراكية» المغربي: أدعو دول الربيع العربي إلى الاقتداء ببلادنا

بدأ نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا) المغربي، ووزير السكنى وسياسة المدينة، واثقا إلى حد كبير بفوزه بمنصب الأمانة العامة للحزب لولاية ثانية خلال المؤتمر التاسع للحزب الذي يعقد اليوم، على الرغم من وجود أربعة منافسين له، بينهم امرأة هي نزهة الصقلي الوزيرة السابقة، بيد أن بن عبد الله حذر من أي محاولة لإفشال المؤتمر وتهديد وحدة الحزب، في إشارة إلى منافسه سعيد السعدي.
ودافع بن عبد الله عن مشاركة حزبه في حكومة عبد الإله ابن كيران، والتزم بالدفاع عن التجربة الحكومية بإيجابياتها وسلبياتها، مؤكدا أن درجة الانسجام بين مكونات الغالبية كبيرة جدا بعد انضمام حزب التجمع الوطني للأحرار إليها. وقال بن عبد الله إن المستوى العام للنقاش السياسي سقط إلى مستويات مرفوضة، محذرا من فقدان ما تبقى من مصداقيته. ودعا المسؤول المغربي دول الربيع العربي إلى الاقتداء بالتجربة المغربية التي تفردت بإشراك حزب إسلامي في الحكومة.
وفيما يلي نص الحوار.
* اختار حزبكم «مغرب المؤسسات والعدالة لاجتماعية» شعارا لمؤتمره التاسع. ما دلالات هذا الشعار وسياقه؟
- الشعار نعده عميقا لأنه يكرس ويلخص الوثيقة السياسية والمذهبية التي صادقت عليها اللجنة المركزية للحزب، وكذلك الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأننا نرى أنه بعد كل ما عرفه المغرب من إصلاحات كبيرة واعتماد دستور جديد، يظل اليوم الشعار الأساسي هو التفعيل الأمثل لمضامين هذا الدستور، ولذلك قلنا مغرب المؤسسات، لأن الجانب المؤسساتي في توطيد المسار الديمقراطي المغربي مسألة أساسية، وكذلك الشأن بالنسبة للعدالة الاجتماعية، لأنه وقعت بالفعل إصلاحات كبيرة، وعرف المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس أوراشا كبيرة. لكن في الوقت ذاته هناك تعطش لدى فئات واسعة محرومة للاستفادة أكثر من ثمار النمو، والرفع من مستواها المعيشي لتنعم بمقومات العدالة الاجتماعية، وتستفيد من حقوق اجتماعية بعينها، ومن أجل ذلك فإن شعار الساعة الضامن للاستقرار ومواصلة نهج الإصلاح هو بالضبط مغرب المؤسسات والعدالة الاجتماعية.
* ذكرتم في بيان عن المؤتمر أن الحزب مطالب بتحيين تحاليله وتدقيق مواقفه بشأن المستجدات السياسية المحلية والدولية، خلال مؤتمره العام. ماذا تقصدون؟ هل يتعلق الأمر بمراجعة مواقف من قضايا معينة؟
- التحيين لا يعني بالضرورة المراجعة، بل لأنه منذ المؤتمر الوطني الثامن سنة 2010 حدثت تطورات أساسية سواء تعلق الأمر بالقضية الوطنية (نزاع الصحراء) أو بالحراك الاجتماعي الذي عرفناه سنة 2011، أو بخطاب تاسع مارس التاريخي للملك محمد السادس، أو باعتماد دستور جديد، أو بالمسار الانتخابي الذي عرفناه من خلال انتخابات سابقة لأوانها، أو عند تشكيل حكومة قررنا أن نشارك فيها إلى جانب حزب العدالة والتنمية، كل ذلك يستدعي منا أن نحين مواقفنا وما قمنا به، وأريد أن أؤكد أنه بقدر ما قمنا بالتحيين أكدنا على استمرارية المواقف التي اعتمدناها، سواء في المؤتمر الثامن أو في اللجان المركزية المختلفة، لا سيما فيما يتعلق بالمشاركة في الحكومة وفتح الآفاق على مواصلة هذا التوجه، وما إقرار الوثيقة السياسية خلال اجتماع اللجنة المركزية بالإجماع إلا تكريس لهذا التوجه. وقد حصل توافق على الخط السياسي الذي نسير عليه في ظل القيادة الحالية، التي سهرت على مسار الحزب إلى حدود المؤتمر التاسع.
* يقال إن سباق المنافسة حول الأمانة العامة للحزب محسوم لصالحك. ما ردك؟
- الجواب سيكون داخل المؤتمر، وأعتقد قبل ذلك يتعين أن نصل إلى مرحلة الترشح للأمانة العامة، البعض قام بذلك قبل الأوان، وفي اعتقادي شخصيا أنه يتعين توفر شرطين لبلوغ المنصب، الأول هو حمل مشروع سياسي وبرنامج وأرضية، وأعتقد أنني إلى جانب الأغلبية الساحقة لفعاليات الحزب أحمل هذا التوجه، وهو القائم اليوم. والشرط الثاني هو أن تكون هناك إرادة جماعية في ترشيح من يتمكن إلى جانب اللجنة المركزية والمكتب السياسي من قيادة هذا المشروع، وهو أمر غير مرتبط برغبات شخصية ذاتية بقدر ما يجب أن يكون مرتبطا بإرادة جماعية داخل الحزب، فلننتظر وقت الترشح للإعلان عن من سيكون حاملا لهذا التوجه، وأريد أن أقول إن جميع التكهنات تؤكد بالفعل أن هذا الجسم العريض الذي سهر على الحزب طيلة السنوات الأخيرة يتوفر على أغلبية ساحقة في المؤتمر، شرط أن تمارس الديمقراطية ويقبل بها الجميع.
* هل تتوقعون أن يمر المؤتمر في أجواء عادية، لا سيما أن أحد منافسيكم وهو سعيد السعدي وجه انتقادات لاذعة لك شخصيا ولطريقة تدبير الحزب في عهدك؟ ويروج أيضا للانسحاب من الحكومة؟
- سعيد السعدي له أن يقول ما يقول، وإذا كانت حرية الانتقاد مكفولة للجميع فإنه يتعين على الجميع أيضا أن يكون حاضرا في التسيير لينتقد الآخرين، فأنا إلى جانب رفاق آخرين كنت موجودا لتسيير الحزب، والحال أنه (السعدي) كان غائبا لمدة أربع سنوات، لذلك لا يهم كثيرا ما عبر عنه من رأي، ولا يلتفت إليه في المؤتمر وفي صفوف الحزب.
هناك أمور أخرى عبارة عن إشاعات وأكاذيب تروج هنا وهناك، ومع الأسف هناك من يروج خطابا عن الشفافية وحزب المؤسسات والمطالبة بإدخال العناصر الحداثية إلى الحزب، لكن الممارسة منافية تماما للخطاب، وهو دليل على أن العمق الديمقراطي منعدم لدى هؤلاء، ما أتمناه هو أن يكون هناك حرص حقيقي على إنجاح هذه المحطة، وكل من أراد أن يفشل هذا المؤتمر سيتحمل مسؤولية تاريخية وجسيمة، وأعتقد أن الحزب في غالبيته الساحقة سيكون بالمرصاد لأي تصرف من هذا النوع.
* سبق أن عبرت عن خشيتك من تدخل جهات خارجية في شؤون الحزب خلال المؤتمر لتقويض استقلالية قراره، من هي هذه الجهات؟ وهل هي حزبية أم رسمية؟
- حتى الآن، وأكرر حتى الآن، لم نر بوادر تسير في هذا الاتجاه، قد تكون للبعض علاقات مع جهات خارجية. لكن نتمنى أن يظل القرار مستقلا وداخليا للحزب، وسنسعى إلى تحقيق ذلك، وفي جميع الحالات أقول للجميع، بمن في ذلك المرشحين، كل شيء قابل للنقاش، والديمقراطية مسألة فاصلة، وبعد الاستماع إلى آراء الجميع يتعين الفصل، والفصل من الأساليب الديمقراطية التي يتعين الاحتكام إليها من قبل الجميع، لكن في تقديري هناك أمران اثنان لا يناقشان: الأول هو وحدة الحزب، والثاني استقلالية القرار الحزبي، وعدا ذلك فليتنافس المتنافسون.
* تتعرض حكومة ابن كيران إلى انتقادات وهجوم كبيرين، لكن الملاحظ أن الأحزاب المشاركة فيها، ومنها حزبكم، لا تقوم بالدور الكافي للدفاع عن قرارات الحكومة، وتتركون «العدالة والتنمية» وحده في الأمام للتصدي والمواجهة. هل من مصلحتكم أن تتأثر شعبية هذا الحزب، ويتراجع في الانتخابات المقبلة؟
- أبدا أبدا، غريب هذا الأمر، لأن هناك من يقول إننا بالفعل ننطق رسميا باسم «العدالة والتنمية»، ومن الأمور التي نؤكد عليها أنه عندما تشارك في حكومة تتحمل الإيجابي والسلبي فيها، وأخلاقنا السياسية تفرض علينا الالتزام بذلك. قد تكون لك اختلافات، وسبق أن حدث ذلك في إطار هذه الحكومة، ونسعى أن نتعامل معها بلياقة ليؤخذ رأينا بعين الاعتبار، وهذا ما جرى إلى يومنا هذا، وما تطلب الأمر الدفاع عن هذه التجربة إلا ودافعنا عنها بجرأة لأننا مستعدون تماما أن نتحمل جميع مقومات ورصيد هذه الحكومة دون أن نفقد في المقابل قوتنا الاقتراحية، أو رأينا المختلف بشأن بعض القضايا، لأنه إذا كنا سندخل الحكومة للمصادقة على كل ما يأتينا من أطراف أخرى فلا فائدة من هذه المشاركة، لكن تأكدوا أننا ننخرط في هذه الحكومة انخراطا كاملا بهويتنا وقضايانا ومقترحاتنا وتصوراتنا، وهو ما يفسر مشاركتنا فيها، ونحن واعون وعيا كاملا بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقنا اليوم لإنجاح هذه التجربة.
* إذن لماذا حزب العدالة والتنمية تحديدا يوجد في المواجهة ويتلقى الضربات؟
- لأنه هو الذي يقود الحكومة، ومن الطبيعي أن يحدث ذلك. فهو يتوفر على منصب رئاسة الحكومة وعلى أكثر من عشرة وزراء، وبالتالي فالمعاكسات أو المواجهات تجري مع «العدالة والتنمية»، ونحن أيضا نتحمل جزءا منها لأنه توجه إلينا كذلك انتقادات، سواء من قبل أطراف سياسية منافسة أو من متتبعين للشأن السياسي والمجتمع المدني والمواطنين، لكن الكل يتوجه نحو «العدالة والتنمية» لأنه هو الذي فاز في الانتخابات، والحزب الأول في هذه الحكومة. لكن في نفس الوقت حزب التقدم والاشتراكية، وخلال هذه المرحلة التي حظيت بالإشراف عليها موجود أيضا في كل الخطب والتعليقات السياسية، وفي كل القضايا التي تطرح في هذه الحكومة، ولم يسبق أن حضر اسم «التقدم والاشتراكية» وتعزز دور الحزب في الساحة السياسية بالدرجة التي يوجد عليها الآن. وكل ذلك نابع من نجاح الاختيار السياسي الذي اعتمدناه، وهناك شعور داخل الحزب بذلك، واقتناع كبير بضرورة تزكية هذا التوجه وفتح الآفاق لاستمراره، بالإضافة إلى أن هناك إقرارا بالدور المميز الذي لعبناه في عدد من المقترحات التي رأت النور، وأود القول إن تقديم الحساب يجري أثناء الانتخابات، فلننتظر 2015 حيث ستجرى الانتخابات المحلية والإقليمية والجهوية، وتلك المرتبطة بمجلس المستشارين، ولننتظر الانتخابات التشريعية في 2016، وسنرى كيف سيكون موقع حزبنا آنذاك، وكلي أمل أننا سنحقق قفزة نوعية أقوى من تلك التي حققناها في 2011.
* ما درجة الانسجام الموجود بين مكونات الأغلبية الحكومية الحالية بعد انضمام حزب التجمع الوطني للأحرار؟
- كبيرة جدا، وحقيقة الجو إيجابي، ونشتغل في ظروف حسنة. هناك تكامل وسعي دائم إلى تقديم الإصلاحات في ظل البحث عن أكبر توافق ممكن حول كل مضامين هذه الإصلاحات، وأعتقد أننا تجاوزنا ما عشناه من اضطرابات داخلية في السنة الأولى من عمر الحكومة، وتعلمون أننا تأسفنا كثيرا لما حدث، كما تأسفنا لخروج حزب الاستقلال من الحكومة، وهذا لا يمنعنا من أن نظل منفتحين بالنسبة للمستقبل القريب على أي إمكانية لتقوية صف يساري موحد، وعلى إمكانية بروز مكونات الكتلة الديمقراطية في توجه مشترك جديد.
* ما تعليقكم على الأجواء المشحونة التي تمر فيها جلسات البرلمان التي وصلت إلى حد تبادل الشتائم؟
- سبق لي أن قلت إن المستوى العام للنقاش السياسي سقط إلى مستويات مرفوضة، وأعتقد أنه يتعين على الجميع أن يعي بأن هناك شعبا ينظر إلينا، ومتتبعين يراقبون ما نقوم به كسياسيين وكفاعلين، وحذار للجميع أن نفقد ما تبقى من المصداقية. يتعين أن يعود النقاش السياسي إلى حد أدنى من اللياقة والعمق ومقارعة الفكرة بالفكرة والاقتراح بالاقتراح المضاد، والابتعاد عن كل أساليب الشتم والسباب والاتهامات الساقطة التي نسمعها من أطراف مختلفة، وتلاحظون أننا في حزب التقدم والاشتراكية نبتعد تماما عن هذا الأسلوب، ولا ندخل في أي جدل من هذا النوع.
* يتزامن انعقاد المؤتمر العام للحزب مع الذكرى الـ70 لتأسيسه، هل تتضايقون بتذكيركم في كل مرة بأنكم الحزب الشيوعي السابق؟
- أبدا، أنا شخصيا أفتخر بذلك، لأني متعلق بجذور هذا الحزب بقدر تعلقي بجذوري الشخصية والعائلية لأني أعد أن من المميزات الأساسية للحزب ومن منطلقاته الشيوعية والاشتراكية أنه كان دائما حزبا وطنيا وتقدميا ويساريا، وكانت دائما له قدرة هائلة على أن يساير شعبنا ومجتمعنا وأن يلتصق بواقع المجتمع الذي نعيش فيه، أي إننا لم نكن أبدا حزبا يغلب بشكل دوغمائي المبادئ والتصورات الجاهزة دون أن يجعلها تحتك بالواقع الملموس، ومن الأفكار الأساسية للمفكرين الكبار للنظرية الشيوعية والمادية التاريخية والجدلية هو أنه يتعين أن يكون دائما تحليلنا تحليلا ملموسا لواقع ملموس. هو ما جعل حزبنا مستمرا إلى اليوم، ويفتخر بماضيه وبجذوره، وبانفتاحه الكبير على المستجدات.
* ما تقييمكم للوضع في بلدان الربيع العربي. هل فشلت الثورات العربية أم أقبرت؟
- أولا الحمد لله على ما يقع في بلادنا، وأعتقد أن الفضل كله يعود إلى الملك محمد السادس الذي كانت له مقاربة جريئة ومقدامة في التعامل مع الحراك الذي عرفناه في بلادنا، ثم الفضل يعود أيضا إلى المكونات السياسية الناضجة التي انخرطت في مسلسل الحفاظ على الاستقرار في إطار التغيير. وفي رأيي المغرب تفرد بإشراك «العدالة والتنمية» كتيار إسلامي في التجربة الحكومية، كما أن هذا الحزب لم يتصرف كما تصرفت أطراف أخرى في بلدان أخرى، أي إنه ظل منفتحا على ما راكمته البلاد وعلى الواقع المغربي بتنوعه ومحترما للدستور في توجهاته الأساسية، ونحن في حزب التقدم والاشتراكية كان لنا دور أيضا، لأننا سرنا في هذا الاتجاه ورأينا أن موقعنا الطبيعي هو أن نكون في خضم الحفاظ على الاستقرار ومواصلة الإصلاحات، لذلك نرى أن على المغرب الاستمرار في هذا التوجه تحت قيادة الملك محمد السادس، وفي إطار الالتحام الذي يجب أن يكون بينه وبين القوى السياسية من أجل تأمين الحاضر ومستقبل البلاد، وفي نفس الوقت ضمان مواصلة الإصلاح والتغيير.
* وماذا عن بلدان الربيع العربي؟
- مع الأسف.. الدول الأخرى لم تتصرف بنفس الطريقة، هناك من رفض أي تيار رافض في المجتمع أو مشاكس، وهناك من دخل في مواجهات عنيفة مثل ما حدث في سوريا وليبيا وإلى حد ما مصر. والجزائر بدورها توجد اليوم في وضع مقلق لأنه عندما ستنكشف الأمور هناك في عمقها سنصل إلى مستويات مخيفة، ولا نتمنى ذلك لهذا البلد الشقيق. أما تونس فأرى أنها ربما فتحت الباب للخروج من الوضع الذي كانت فيه. وفي مصر نتمنى أن تفوز الديمقراطية في نهاية المطاف، وحتى الآن نرى أن هناك اضطرابا حقيقيا في هذا البلد. وما نتمناه هو أن تكون التجربة المغربية بمثابة طريق منير وقدوة لهذه البلدان.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».