سباق على مطاري إدلب بين قوات النظام والجيش التركي

معارك ضد «هيئة تحرير الشام» شمال حماة

TT

سباق على مطاري إدلب بين قوات النظام والجيش التركي

تستعجل قوات النظام السوري الوصول إلى مطارين عسكريين في ريف إدلب في شمال البلاد، عبر خوض معارك بدأت الأسبوع الماضي ضد «هيئة تحرير الشام» في ريفي حماة الشرقي وحلب الجنوبي الغربي، في مسعى لتوسيع نقاط سيطرته، قبل انتشار القوات التركية المخطط أن تصل إلى ريف حماة الشمالي عبر إدلب، ما يمكّنها من ضمّ مطاري تفتناز وأبو الظهور إلى نقاط نفوذها.
وتتخطى العملية العسكرية التي تنفذها قوات النظام السوري، هدف استعادة السيطرة على مناطق واسعة تدفع فصائل المعارضة وحلفاءها إلى عمق محافظة إدلب في شمال غربي البلاد؛ إذ يسعى النظام لاستعادة السيطرة على القاعدتين الجويتين، يتمم عبرها مشروع استعادة السيطرة على معظم المطارات العسكرية بدعم روسي.
لكن قاعدتي أبو الظهور وتفتناز، ستكونان جزءاً من مناطق نفوذ القوات التركية التي أتمت المرحلة الأولى من انتشارها بالوصول إلى ريف حلب الغربي وانتشارها على خطوط التماس مع مناطق نفوذ «وحدات حماية الشعب» الكردية، بينما «تتمثل المرحلة الثانية بالوصول جنوباً إلى منطقة ريف حماة الشمالي»، بحسب مصدر سوري لـ«الشرق الأوسط». ونفى المصدر ما تروج له وسائل إعلام النظام بأنه سيصل إلى مطار أبو الظهور العسكري الواقع في الريف الشرقي لإدلب، مشيراً إلى «نفي تركي لتلك المعلومات».
وكانت صحيفة «يني شفق» التركية، أشارت قبل أسبوعين إلى أن انتشار الجيش التركي سيصل مطاري أبو الظهور وتفتناز الواقعين في ريف إدلب، ثم يتوجه إلى عندان شمالي حلب، على بعد 20 كيلومترا، وعلى طول الحدود الجنوبية لمنطقة عفرين.
وقال المصدر السوري إن «المعلومات المتوفرة في تركيا، تفيد بأن القوات التركية ستنتشر على خطوط التماس بين النظام والمعارضة وتمتد من الحدود السورية التركية بريف حلب الشمالي الغربي، باتجاه ريف حماة الشمالي، على أن تكون الضامن بمنع تقدم قوات المعارضة إلى مناطق النظام، بينما روسيا التي ستنشر نقاط مراقبة أيضاً في المنطقة نفسها، تضمن عدم تقدم النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة»، في إشارة إلى أن قوات الفصل ستكون روسية وتركية مشتركة، الأولى من جهة النظام، والأخرى من جهة قوات المعارضة.
ورغم أن هذا الانتشار التركي من شأنه أن يثير احتقانات بين تركيا ومناوئيها من القوى المتطرفة الموجودة في إدلب، فإن أنقرة كسبت تأييد «هيئة تحرير الشام» التي واكبت عملية الانتشار الأولى، كما كسبت تأييد فصائل معتدلة أخرى. وإذ أشارت المصادر نفسها إلى تداخل الأرضية الاجتماعية بين الفصائل المتشددة والمعتدلة في ريف إدلب «بالنظر إلى أن الطرفين سوريان، ويتعاطيان بمرونة»، قالت: إن اتفاقاً مع هيئة تحرير والشام «جنّب استهدافها، وأمّن وجود القوات التركية التي لا تنظر إلى (النصرة) بوصفها أولوية، في حين تنظر أنقرة إلى أن عفرين هي أولوية بالنسبة إليها»، مشيرة إلى أن الفصائل المعتدلة أثبتت أنها «قادرة على تفكيك القوى الموجودة على الأرض؛ كونها تتمتع بحاضنة شعبية، وتتحكم بها القوى المحلية».
وإذا كان الاتفاق حاصر ردات فعل «هيئة تحرير الشام» التي تتجنب التصادم مع تركيا، إلا أنه لم يلغِ التمرد على تركيا والمتفاهمين معها، وهو ما أشعل حرب اغتيالات متبادلة في إدلب، حيث تنامت عمليات الاغتيالات في الأيام القليلة الماضية في المنطقة، وطالت قادة الفصائل المتطرفة وعناصر «القاعدة» ذات التوجه المعولم، وهو في صراع داخل الفصائل المتشددة نفسها.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بوقوع 5 عمليات اغتيال طالت عناصر متشددة خلال 3 أيام، مشيراً إلى أن قائداً عسكرياً من الجنسية السورية، في صفوف «هيئة تحرير الشام»، اغتيل بإطلاق النار عليه بين إدلب ومعرة مصرين، وذلك بعد يومين على العثور على جثتي مقاتلين اثنين من «هيئة تحرير الشام»، ممن هجروا في وقت سابق من محافظة دمشق وريفها وثق «المرصد» في اليوم ذاته انفجار عبوة ناسفة على الطريق الواصل بين قريتي كفريا والصيادية بريف إدلب الشرقي، قضى على إثرها عنصر من الهيئة، في حين أصيب 4 عناصر آخرون بجراح، وذلك في استمرار لعمليات الاستهداف التي ينفذها مجهولون، عبر تفجير عبوات ناسفة واستهداف شخصيات قيادية وعناصر في «تحرير الشام» والفصائل العاملة في محافظة إدلب.

استعادة قاعدة تفتناز تثبت النظام في بحر من الجغرافيا المناوئة
يسعى النظام السوري لكسب الوقت؛ منعاً لمزاحمة تركيا له على السيطرة على قاعدة أبو الظهور؛ إذ يخوض وحلفاؤه معارك عسكرية وسياسية، لاستعادة السيطرة على المطارات العسكرية التي تحولت إلى ثكنات عسكرية لقواته ونقطة انطلاق الهجمات ضد خصومه، بمساعدة روسيا، التي تسلمت مطار منغ قبل ثلاثة أيام من «قوات سوريا الديمقراطية». وتواصلت عمليات القتال بين قوات النظام و«هيئة تحرير الشام»، على محاور في الريف الشمالي الشرقي، لليوم السابع على التوالي، حيث سيطرت قوات النظام على قرى الشحاطية وجويعد وجب أبيض، وأسفرت عن مقتل 90 عنصراً من الطرفين.
وفي ظل توزع مناطق السيطرة وتشتت قوات النظام على مساحات جغرافية متباعدة في سوريا، وتحول الطرقات البرية إلى طرقات مهددة وغير آمنة: «باتت المطارات طريق التواصل الرئيسي بين قوات النظام بغرض السيطرة على البلاد»، بحسب ما قال الخبير العسكري عبد الناصر العايد لـ«الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أنه «في ظل انقطاع الطرقات البرية، وتعرضها لهجمات، بات للمطارات أهمية استثنائية تمكن النظام من السيطرة النارية على المناطق، وشن المعارك على المناطق المناوئة له». وقال العايد إن النظام «حافظ على وجوده في دير الزور بفضل المطار الذي لم يعد قاعدة جوية فحسب، بل بات ثكنة عسكرية»، كذلك الأمر بالنسبة «لمطار القامشلي الذي مكّن النظام من الحفاظ على تواجده في الحسكة بالنظر إلى أن المطارات تلعب دور القلعة العسكرية بالنسبة له في بحر من المناطق المناوئة، ويكون الحفاظ على المطارات مسألة حيوية للحفاظ على بقائه فيها». وقال العايد إن استعادة المطارات: «هو هدف مشترك للنظام وروسيا وإيران الذين يمثلون حلفاً واحداً تجمعهم مصالح مشتركة».
وإضافة إلى مطار أبو الظهور، يتطلع النظام للسيطرة على قاعدة «تفتناز» التي تُقاس بأهمية استراتيجية «كونها موجودة في بحر من المناطق المناوئة له».
وقال العايد إن «مطار تفتناز يقع في قلب المنطقة السكانية المناوئة للنظام، وستمكنه استعادة السيطرة عليه (المطار) من التأثير على البيئة المناوئة»، لافتاً إلى أن المطار أنشئ في بدايات الثمانينات بعد أحداث 1982 بين النظام وتنظيم «الإخوان»؛ مما جعل النظام يثبت نفسه في هذا البحر من المناوئين بغرض السيطرة على السكان المحليين. كما يعتبر «تفتناز» أول قاعدة جوية استخدمها ضد قوات المعارضة في يونيو (حزيران) 2011 إثر خروج قسم كبير من الريف الإدلبي عن سيطرة النظام.
وفي حين لا تبدو هناك أي إمكانية في الوقت المنظور لاستعادة النظام السيطرة على مطار الطبقة العسكري التي سيطرت عليه «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم أميركي في شهر مارس (آذار) الماضي، أعاد النظام استخدام معظم المطارات العسكرية بعد تأمينها أو استعادة السيطرة عليها، باستثناء مطار منغ الذي بات بعهدة الروس، ومطاري تفتناز وأبو الظهور ومطار زراعي في دير الزور.
واستعاد النظام السيطرة على مطار مرج السلطان بريف دمشق، كما مطار الضبعة في ريف حمص، ومطار جب الجراح (كشيش) بريف حلب الشرقي، كما فك الطوق عن مطار دير الزور ومطار الـT4 بريف حمص، ومطار كويريس بريف حلب الشرقي، أبعد المعارضة عن مطار حماة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».