بعد أيام من انتقادات حادة وجَّهَتها جهات أممية لأوضاع الصحافيين الإيرانيين، افتتح نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، أول من أمس، فعاليات المعرض السنوي للصحافة الإيرانية الـ23 بحضور أكثر من ألف وسيلة إعلام إيرانية وسط غياب مفاجئ لرئيس الجمهورية حسن روحاني الذي وعد خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بدعم وسائل الإعلام والصحافة وتعزيز هامش الأمن لحماية الصحافيين.
يعد المعرض أبرز فعاليات العاصمة الإيرانية في فصل الخريف، ويجمع تحت سقفه خلال هذا العام أكثر من ألف مؤسسة إعلامية وصحيفة ووكالة أنباء تبحث عن متنفس لمناقشة هواجس الوسط الإعلامي وآفاقه. وبينما تحاول وسائل الإعلام التابعة لإمبراطوريات الإعلام التقليدية في إيران بسط سيطرتها على الساحة الإعلامية، عبر تنظيم نشاطات مختلفة خلال معرض الإعلام، تسعى الصحف ووسائل الإعلام شبه المستقلة الحفاظ على وجودها، وبحث أهم مخاوف أصحاب المهنة، في بلد يجمع الكل على أن الصحافة فيه لا تمر بأوضاع صحية.
ويشمل المعرض غرفاً خاصة لوسائل الإعلام مختلفة تسمح للصحافيين بالتواصل مع زوار المعرض من مسؤولين وزوار عاديين، إضافة إلى ندوات ومحاضرات حول الإعلام الإيراني وتحدياته الخارجية والداخلية.
وكان غياب الرئيس الإيراني حسن روحاني لافتاً هذا العام، خصوصاً أنه يأتي بعد خمسة أشهر على الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي رفع فيها شعار تعزيز الحريات المدنية ودعم الصحافة. وهو ما عزز مخاوف من تراجع روحاني عن شعاراته الانتخابية حول دعم الصحافة.
ويواجه روحاني ضغوطاً من التيارات الحليفة لتحقيق وعوده الخاصة بالحريات المدنية، خصوصاً في مجال الصحافة. وكان من شأن حضوره توجيه رسالة واضحة على إصرار الحكومة لتحقق الوعود، وإن تأخرت الخطوة. وحاول جهانغيري التقليل من أهمية غياب روحاني.
وقال إن غياب الرئيس سببه الشواغل الكثيرة التي حالت دون حضوره في مراسم الافتتاح. وأضاف: «الرئيس لديه أعمال أكثر أهمية من معرض الصحافة». ولكن ما ذكره استغلته الصحف المنتقدة لروحاني على أفضل وجه، وخرجت صحيفة «جوان» الناطقة باسم الحرس الثوري على صفحتها الأولى بعنوان عريض مقتبس من خطاب جهانغيري، وأدنى العنوان الرئيسي نشرت أربع صور لروحاني، وهو يستقبل أربعة سفراء لتسلم أوراق اعتمادهم، وهي إشارة تهكمية على تصريحات روحاني.
وشكل غياب روحاني انتكاسة أخرى للساحة الإعلامية التي راهنت على وعوده في الانتخابات ودعمته بشكل كبير، لا سيما بعدما انتقد روحاني في مراسم افتتاح العام الماضي بشدة قمع الصحافيين وأصحاب القلم في البلاد.
وطلب جهانغيري من الصحافة الإيرانية ترجمة إجراءات الحكومة وتقديمها إلى الشعب من دون أن يتطرق للمخاوف حول الحريات الصحافية.
وأثناء خطابه، لفت جهانغيري إلى أهمية وسائل الإعلام لتنمية البلد لكنه توقف عند ظاهرة صعود المنابر الإعلامية والصحف واختفائها السريع من الساحة الإعلامية أو «موتها السريع»، وقال إن الظاهرة سواء كانت لأسباب اقتصادية أو سياسية أو قضائية تظهر تأخر التنمية في البلاد. وقال: «الصحافة من عناصر التنمية والتوسعة، وإن عدم التوسعة يؤثر على توسعة جميع الأقسام».
كذلك، قدم جهانغيري الحكومة الحالية على أنها شريكة هواجس الإعلاميين، وأعرب عن قلقه من بطالة الصحافيين، ودعا إلى حلول منتقداً طريقة إدارة الإعلام بأساليب غير اقتصادية.
في هذا الصدد، وصف وزير الثقافة والإعلام عباس صالحي المعرض بـ«متنفَّس» لوسائل الإعلام الإيرانية، لقول ما تريد قوله تحت سقف المعرض. ودافع عن معاملة حكومة روحاني لوسائل الإعلام، وقال إنها تتطلع لتنمية وسائل الإعلام، وذكر خلال ذلك أنه بعد الثورة وصعود النظام الجديد في فبراير (شباط) 1979 أصدرت السلطات 15 ألف ترخيص لوسائل الإعلام، و56 في المائة منها في هذه الحكومة، مضيفاً أن عدد النساء التي حصلن على ترخيص لإدارة مؤسسات إعلامية ارتفع من 7 في المائة إلى 13 في المائة خلال السنوات الأربع الأولى من حكومة روحاني.
وأشار صالحي إلى أن عدد المواقع المرخصة من الحكومة ارتفع من نحو 200 إلى 2800. كذلك ذكر صالحي أن الحكومة ضاعفت عدد الإعلاميين الحاصلين على التأمين وارتفع عددهم من 5 آلاف إلى نحو 16 ألفاً.
وقال صالحي: «أصحاب الصحافة يجتمع تحت سقف واحد حتى يتحاوروا ويستعرضوا هواجس إيران وأوجاع الشعب، ويبحثوا نقاط التواصل بين الشعب ووسائل الإعلام».
ورغم أن الحكومة الإيرانية تنظم سنوياً معرضاً للصحافة، فإنها منذ أكثر من تسع سنوات تتجاهل مطالب الصحافيين للسماح بوسائل الإعلام، وكان أكثر من 700 صحافي وجهوا رسالة مفتوحة إلى روحاني في مايو (أيار) الماضي بعد أقل من أسبوع على فوزه بفترة رئاسية ثانية، يطالبون فيها بتنفيذ وعوده والعمل على إعادة افتتاح نقابة الصحافيين وتسجيلها.
وفي الرسالة ينتقد الصحافيون مشروعاً أقرَّته حكومة روحاني السابقة، وقالوا إن القانون من شأنه مضايقة حرية العمل الصحافي، وفرض مزيدٍ من الرقابة على الصحافيين.
في مايو (أيار) الماضي، اعتبر تقرير لمنظمة «مراسلون بلا حدود» إيران أحد السجون الكبيرة للصحافيين في العام. وقالت المنظمة إن «أكثر من 200 صحافي ومواطن صحافي جرى استدعاؤهم والتحقيق معهم خلال فترة رئاسة روحاني الأولى وأصدرت المحاكم الإيرانية على 32 صحافياً أحكاماً بالسجن تتراوح ببين 3 إلى 16 عاماً».
وفي آخر تقرير لمنظمة «مراسلون بلا حدود» قالت المنظمة في نهاية أغسطس (آب) الماضي إن أكثر من 28 صحافياً يمكث في السجون الإيرانية.
في أغسطس الماضي اعتقلت السلطات الأمنية، مساعد رئيس تحرير صحيفة «اعتماد» الإصلاحية ساسان آقايي والصحافي يغما فخشايي محرر موقع «ديده بان» (المرصد)، ومنذ ذلك الحين ترفض السلطات الكشف عن التهم الموجهة لهما.
وقبل تدشين المعرض وجهت المقررة الأممية للأمم المتحدة الخاص بمراقبة حقوق الإنسان في إيران أسماء جهانغير انتقادات شديدة اللحن، أعربت فيها عن قلقها إزاء مضايقة الصحافيين في إيران، وفي تعليق لها قبل يومين من تدشين المعرض قالت: «رغم إن هناك تأكيداً دائماً على تحقق الوعود (من الحكومة الإيرانية) لكنها لم تتحقق بشكل كامل. ومع ذلك نحن قلقون إزاء مضايقة الصحافيين في الداخل والخارج».
وكانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قدمت شكوى، الأسبوع الماضي، إلى الأمم المتحدة، بعدما تجاهلت الحكومة الإيرانية طلباً لها في يونيو (حزيران) الماضي بسحب قرار قضائي يقضي بحسب أصول وتوقيف ممتلكات 152 من موظفي خدمة «بي بي سي الفارسية» لدورها في احتجاجات 2009.
وقالت جهانغير في بيان مشترك مع مقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية التعبير ديفيد كي إن «السلطات الإيرانية تعتبر أي علاقة مع (بي بي سي) جريمة».
وما ذكرته جهانغير جاء بعد يومين من تقريرها النصف سنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في 2017. وذكرت في التقرير أنها حصلت على معلومات حول انتهاك إيران لحرية التعبير ومضايقة الصحافيين.
ولم تعلق الحكومة الإيرانية على انتقادات جهانغير، وكانت «بي بي سي» الفارسية دعمت مرشحي التيار الإصلاحي في تغطيتها للانتخابات الرئاسية التي انتهت بفوز روحاني بفترة رئاسية ثانية.
شبح مضايقة الصحافيين يخيم على معرض الصحافة في طهران
غياب روحاني يعزز مخاوف أممية من تراجعه عن وعود حرية التعبير
شبح مضايقة الصحافيين يخيم على معرض الصحافة في طهران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة