مهرجان الموضة «المحتشمة»... «أهل مكة أدرى بشعابها»

ثلاث شابات مسلمات يحولن الصورة النمطية لـ«المحجبة» إلى أناقة وتميز

من تصاميم الإندونيسي هانغي كاولارانغ (تصوير رووفول علي) - العارضة العالمية حليمة في زي من المصممة العمانية أمل الرايسي - من تصاميم فيفي زبيدي
من تصاميم الإندونيسي هانغي كاولارانغ (تصوير رووفول علي) - العارضة العالمية حليمة في زي من المصممة العمانية أمل الرايسي - من تصاميم فيفي زبيدي
TT

مهرجان الموضة «المحتشمة»... «أهل مكة أدرى بشعابها»

من تصاميم الإندونيسي هانغي كاولارانغ (تصوير رووفول علي) - العارضة العالمية حليمة في زي من المصممة العمانية أمل الرايسي - من تصاميم فيفي زبيدي
من تصاميم الإندونيسي هانغي كاولارانغ (تصوير رووفول علي) - العارضة العالمية حليمة في زي من المصممة العمانية أمل الرايسي - من تصاميم فيفي زبيدي

لا يمكن ونحن نتصفح أي مجلة عالمية، أو نتابع أي عرض أزياء هذه الأيام، ألا نلمح تأثيراً من تأثيرات الشرق الأوسط فيها. فالفساتين اكتسبت طولاً، كذلك الأكمام، بينما ارتفعت الياقات لتعانق الرقبة. بل حتى الرأس أصبحت له إكسسواراته المبتكرة التي تتراوح ما بين الإيشاربات المتنوعة وطرق ربطها والعمامات.
القول إن الظاهرة جاءت كردة فعل لسياسات وآراء دونالد ترمب، أو تنامي النزعة الشعبوية في العالم، يمكن أن يكون فيه جانب من المبالغة والخطأ. فلو تتبعنا بذور هذه الموجة لوجدنا أنها بدأت منذ أكثر من عقد من الزمن تقريباً. كان المخضرم كارل لاغرفيلد، مصمم داري «شانيل» و«فندي» من بين أوائل من تنبهوا لها وغذوها، حينها فسر تشكيلة وصفها البعض بالمحافظة جداً نظراً لأكمامها الطويلة وياقاتها العالية وتنوراتها التي تغطي نصف الساق، بأنها مواكبة لتغيرات العصر. وأشار حينها إلى أن المصمم «ابن بيئته وعصره»، يجب أن يكون منصتاً جيداً لما يدور حوله من أمور سياسية واجتماعية وثقافية يترجمها بطريقته. مرت السنوات واتضحت الصورة أكثر بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وصور شابات من المنطقة العربية بملابسهن المحتشمة وإكسسواراتهن غالية الثمن. صورة اكتسبت قوةً ووهجاً في الآونة الأخيرة. فبعد أن كان الغرب يعتبرها مملة و«قديمة» أصبح لا يتقبلها فحسب بل ويستحْليها ويستنسخها. وهكذا بعد أن كان يُملي توجهاته واقتراحاته على هذه المرأة، ويتوقع أن تتقبلها كما هي، بات يتودد لها بلغتها، لكن بلكنته ومفرداته المكسرة. الدليل على هذا أن العديد من بيوت الأزياء العالمية ركبت الموجة، بدءاً من «فالنتينو» و«غوتشي» إلى «شانيل» و«بيربري» و«دولتشي أند غابانا» و«كارولينا هيريرا» وهلم جرا. وحتى من لم يركبها علانية اعتمد على أسلوب الطبقات المتعددة لكي يضرب عصفورين بحجر. بالأول يُبقي على ولاء زبونات غربيات يرين في كشف المستور أنوثة، وبالثاني يستقطب زبونات الشرق الأوسط ممن يُردن ستر المكشوف.
فمن كان يتصور منذ عقد من الزمن أن تتصدر صور محجبات أغلفة مجلات براقة وعالمية؟ ومن كان يتصور أن يحتضن أسبوع نيويورك بالذات عرض أزياء خاص بالأزياء الإسلامية لمرتين على التوالي؟ ومن كان يخطر بباله أن تصبح فتاة محجبة (حليمة عدن) واحدة من أهم العارضات في الساحة على الإطلاق؟ كل هذا أصبح واقعاً ملموساً. والمثلج للصدر أكثر أن العملية لم تبق رهينة مصممين غربيين، عشقوا سحر الشرق أو آخرين يرونه سوقاً خصبة لجني الأرباح. فقد تسلم مصممون عرب وشرق آسيويون مبادرة القيام بحملة موازية ولسان حالهم يقول: «نحن نفهم الحشمة أكثر منكم ولا نتعامل معها بلغة دخيلة علينا». فالحشمة بالنسبة لهؤلاء هوية وثقافة تتعدى طول الأكمام والتنورات. هذه المبادرة أخذت عدة أشكال. فهناك مثلاً موقع «ذي موديست دوت كوم» (The Modist.com) الذي انطلق في دبي منذ فترة قصيرة، وحقق نجاحاً لا يستهان به. يعتمد أساساً على إطلالات تناسب ذوق امرأة شرقية، وتُراعي بيئتها وثقافتها. فرغم أنه يعرض أعمال مصممين عالميين إلى جانب محليين، فإن قوته تكمن في تنسيقه هذه التصاميم بأسلوب «محتشم» وصورة أنيقة راوغت الغرب طويلاً، ليؤكد الموقع والمشرفون عليه بأن «أهل مكة أدرى بشعابها».
من الأساليب الأخرى، عروض أزياء تركز على الأزياء المحافظة من الرأس إلى أخمص القدمين. بالنسبة لمُنظميها، فإن الحلول الوسطى وأي محاولة للعب على مفهوم الحشمة غير مطروح لأنه مجرد مراوغة. فالموضة المحتشمة لا تتعارض لا مع الأناقة، ولا مع الذوق العام، عندما يتم التعامل معها بشكل صحي ومن منظور واقعي. وهذا تحديداً ما عاشته العاصمة البريطانية يوم السبت في فندق «غروفنر هاوس» وسط لندن، من خلال حفل كبير شارك فيه ما لا يقل عن سبعة مصممين. كان دافعهم هو إثبات وجودهم وقدراتهم، وبشكل مباشر التأكيد أن سوقهم مهم. هؤلاء المصممون هم بُثنية وأمل الرايسي من عمان ومريم بوسيكوك من المغرب ورايشما من بريطانيا، وأخيراً وليس آخراً الثلاثي ميرا إندريا وفيفي زوبيدي وهانغي كاويلارانغ من إندونيسيا.
الفعالية التي تعتبر الأولى من نوعها في العاصمة البريطانية، وتمت تحت اسم «The Modest Fashion Festival» من بنات أفكار الدكتورة فاهرين مير، ومحامية حقوق الإنسان سلطانة تافادار والمحامية مروة باختيري. ثلاث شابات مسلمات وناجحات في مجالاتهن قررن أن يضعن حداً لتلك النظرة الدونية والصورة النمطية السائدة في العالم عن المرأة المحجبة أو المحافظة. تُؤكدن أن مبادرتهن ليست تحدياً للغرب بقدر ما هي «تصحيح لصورة نمطية ترسخت في ذهنه طويلاً عن المرأة المحجبة». فحتى عهد قريب كان ينظر إليها، بعباءتها أو جلابيتها الطويلة، على أنها تابعة وغير مواكبة لعصرها، بينما هي في الواقع إما سيدة أعمال ناجحة أو طبيبة أو محامية أو معلمة أو ربة بيت. والأهم من هذا هي امرأة تعشق الموضة، وتريد أن تستمتع بها بأسلوب يتوافق مع هويتها من دون إملاءات الغير. وتأمل كل من فارهين وسلطانة ومروة أن تُرسخ الفعالية هذه الفكرة وتُسلط الأضواء على موضة توارثتها المرأة المسلمة، وتمثل لها ثقافة بأكملها. بيد أنهن يؤكدن أن هذه «الموضة بكل ما تحمله في تفصيلها وتفاصيلها لا تقتصر على دين أو هوية ثقافية معينة، بل يمكن لأي أحد أن يتبناها لأنها تتضمن جماليات كثيرة».
وهذا ما نجح في تأكيده مهرجان «الموضة المحتشمة» يوم السبت الماضي، إضافة إلى احتفاله بنساء قويات وناجحات في مجالات عديدة اخترن الحجاب أسلوباً خاصاً بهن، ولا يرينه يتعارض مع حياتهن. فأغلب الحاضرات كن في أجمل حلة بطرحاتهن وعماماتهن وفساتينهن الطويلة. أما بالنسبة للمصممين الذين قدموا من أماكن متعددة، فكان مناسبة لاستعراض قدراتهم على منبر عالمي.
تقول المصممة العمانية أمل الرايسي إن المهرجان «أتاح فرصة للمصممين العرب لوضع أقدامهم في الغرب، خصوصاً أن (الموضة المحتشمة) تشهد رواجاً عالمياً في الوقت الحالي ما يمنحنا، كمصممين عرب، فرصة أكبر للإبداع وإبراز قدراتنا».
ولم تخيب الرايسي، ولا أي من المصممين المشاركين، الآمال. بل العكس نجح كل منهم في رسم صورة مفعمة بالأناقة لامرأة شرقية قوية لا تقبل أن تتنازل لا عن أناقتها ولا عن هويتها وأسلوبها الخاص. امرأة لم تهدأ إلا بعد أن نجحت في فرض أسلوبها على الساحة العالمية. المصممة المغربية مريم بوسيكوك التي شاركت في الفعالية بمجموعة من القفاطين الفخمة، بيع واحد منها في مزاد ذهب ريعه لصالح أطفال سوريا، علقت أن المناسبة مهمة جداً لأنها منبر عالمي يُعرف العالم أيضاً بـ«المهارات اليدوية والحرفية التي تتمتع بها منطقتنا. وهي مهارات يتوارثها الصناع أباً عن جدٍ». الحرفية التي تقصدها مريم تجسدت في مجموعة قفاطين تستحضر ليالي ألف ليلة وليلة بتطريزاتها الغنية وألوانها الصارخة. وتشرح بوسيكوك أن تصاميمها لا تُجسد الحشمة والفخامة فحسب، بل تحافظ أيضاً على الخطوط التقليدية لهذه القطعة العريقة. تشرح: «أنا لست مع تطوير القفطان بشكل مبالغ فيه لكي أساير العصر، أو أكسب ود زبونات صغيرات السن، بل أريد أن أحافظ على أصالته، من حيث طوله وكل تفاصيلها. والطريف أنني من خلال احتكاكي بزبوناتي اكتشفت أن حتى صغيرات السن منهن يُفضلن حالياً قفاطين تقليدية. فرغم أنه بإمكانهن ارتداء فساتين سهرة من أي مصمم عالمي، فإنهن يخترن القفطان لأنه أكثر تميزاً وأناقة».
اللافت أن الفعالية خلفت ردود فعل إيجابية على كل المستويات، لا سيما أن جزءاً مهماً منها كان عبارة عن مزاد لصالح أطفال سوريا. نجاحها مؤشر بأنها مجرد البداية، وبأن لندن ستحتضن هذه الفعالية لسنوات.

> بحسب تقرير الاقتصاد الإسلامي العالمي، الذي أعدته وكالة «رويترز»، بالتعاون مع «دينار ستاندرد»، فإن المسلمين قوة شرائية مهمة، حيث أنفقوا ما يقدر بنحو 243 مليار دولار على الأزياء في عام 2015، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 368 مليار دولار في عام 2021. أي بزيادة قدرها 51 في المائة عن عام 2015.

> لا يختلف اثنان أن الغرب أكثر من استفاد من ثقافة الشرق. فقد غرف من فنونها وألوانها الشيء الكثير. بعضهم شغفاً بها، وأغلبهم من مستشرقي القرن الماضي مثل بول بواريه وإيف سان لوران، وبعضهم الآخر رغبة في كسب وده وتجارته. الفئة الأخيرة بدأت تُخاطب الزبون الشرقي بلغته، لكن مشكلتها أنها لم تنجح أن تضيف أي جديد على ما يقدمه المصممون المحليون منذ عقود. وليس أدل على هذا من مجموعة العباءات التي خص بها الثنائي الإيطالي «دولتشي أند غابانا» منطقة الشرق الأوسط، وأثارت جدلاً كبيراً بين موافق ومعجب، وبين رافض ومستنكر. فهي لم تحمل جديداً باستثناء توقيعهما عليها. وبينما فشلت المحاولة من الناحية الفنية، فإنها كانت «ضربة معلم» من الناحية التجارية، حيث حققت للدار الإيطالية الكثير من الأرباح. الجميل فيها أنها ولدت حركة إبداعية مضادة يقودها مصممون شباب أعطتهم هذه التصاميم الغربية الهجينة قوة وجرأة أكبر. والأهم من هذا رغبة قوية على تغيير ثقافة التسوق في المنطقة وتحويلها من ثقافة استهلاكية إلى إبداعية. وهذا ما تابعناه يوم السبت الماضي في فندق «غروفنر هاوس» تحت راية «موديست فاشن» (Modest Fashion Festival) وتعيشه منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات على يد مبدعين في مجالات متعددة. من هؤلاء نذكر مصممة الأزياء السعودية رزان عزوني ومصممة الإكسسوارات ناتالي تراد، التي باتت تتوفر حقائبها في كل أنحاء العالم، والعطار السعودي باسل بن جابر صاحب ماركة «ثمين» التي تحقق أعلى المبيعات في محلات «سيلفريدجز» وغيرهم. في ماليزيا أيضاً وصلت هذه الظاهرة إلى حد غزو المصممة أنيسة حاسوبيان لأسبوع نيويورك، لتكون أول مصممة تعرض فيه تشكيلة كاملة للمحجبات.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.