حالة من الجدل سادت المشهد الإعلامي والصحافي بمصر، في أعقاب حادث الواحات البحرية في محافظة الجيزة المتاخمة للعاصمة القاهرة، وما تبع ذلك من أرقام تتعلق بالقتلى والمصابين من الشرطة، بعضها حقيقي والبعض الآخر بعيد عن الحقيقة.
وبينما وجهت الهيئة العامة للاستعلامات احتجاجاً شديد اللهجة إلى وكالة «رويترز» وشبكة «بي بي سي» وطالبتهما بالاعتذار عن تغطيتهما للحادث، قررت نقابة الإعلاميين، أمس، إيقاف برنامج «على مسؤوليتي» الذي يقدمه الإعلامي أحمد موسى بسبب ما عرضه في برنامجه عن الحادث.
خبراء إعلام أكدوا أنه «كان لا بد من تقديم جزء من المعلومات للصحافيين والمواطنين بشكل لا يؤثر على سلامة الجنود والأمن القومي». موضحين أن «هذا أدى إلى الارتباك والتشويش وجعل المصريين يصدقون الشائعات التي خرجت». الخبراء أيضاً قالوا لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس عيباً الخروج بتصريحات لإعلان عدم توافر معلومات، والإشارة إلى عرض التفاصيل خلال بيانات لاحقة».
كانت وزارة الداخلية قد أعلنت في بيان لها بعد ساعات من الصمت، مقتل 16 من القوات (11 ضابطاً، و4 مجندين، ورقيب شرطة)، وإصابة 13 شرطياً (بينهم 4 ضباط و9 مجندين).
وقال الكاتب الصحافي عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة «الشروق» اليومية الخاصة، إنه «من وجهة نظر وزارة الداخلية ما كان عليها التصريح بمعلومات محددة ما دامت الاشتباكات على الأرض مستمرة، لأن هذه المعلومات من وجهة نظرها قد تضر بالقوات، وهي وجهة نظر محترمة؛ لكن الإعلام يريد أن يلتهم خبراً أو معلومة جديدة كل ثانية؛ وكان لا بد من البحث عن حل وسط»، موضحاً: «لا نقول ذكر معلومات تربك الأمن القومي؛ لكن من غير المعقول أن نأخذ كل هذا الوقت من دون الحصول على المعلومة، فكان لا بد من تقديم جزء من المعلومات الذي يشفى (غليل) الصحافيين والمواطنين ولا يؤثر على سلامة الجنود والأمن القومي».
وأضاف حسين لـ«الشرق الأوسط» أن الذي حدث، هي «فترة صمت من وزارة الداخلية امتدت إلى 30 ساعة، كانت هناك مواقع، بحسن نية وأخرى بسوء نية، تتحدث عن شائعات وأرقام متضاربة أساءت إلى مصر وإلى الحكومة والداخلية، وجعلت المصريين يشككون بعد ذلك في البيان الأخير الذي أعلنته الداخلية وحددت فيه رقم القتلى والمصابين». لافتاً إلى أن «ما فعلته الداخلية أدى إلى الارتباك والتشويش، وجعل المصريين يصدقون الشائعات التي خرجت في هذا الأمر».
أما الدكتورة ليلى عبد المجيد، عميد كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية، فقالت إن «الجميع كان ملهوفاً لمعرفة الأخبار في حادث الواحات، وكان الجميع لديه حالة من القلق على مصر»، لافتة إلى أن «هناك دولاً غربية تأخذ وقتاً حتى تخرج بأي بيان رسمي عقب العمليات الإرهابية، ووقتها يلتزم الإعلاميون في الغرب بذلك، ولا يتم نشر أي معلومة حتى تتم معرفة الخسائر؛ لكن هذا لا يأخذ وقتاً طويلاً في هذه الدول، لكن في مصر أخذ وقتاً طويلاً، خصوصاً في ظل وجود قنوات ومواقع تعمل بشكل أسرع على الحدث طوال الوقت، تنشر فيديوهات ومعلومات وأخباراً أغلبها مفبرك».
وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «الجهاز الإعلامي بوزارة الداخلية عليه أن يدرس الموقف جيداً، ويدرس كيف يتعامل مع عامل الوقت بشكل أفضل»، موضحة أنه «على الداخلية أن تسرع في منح معلومة صحيحة، والتواصل مع الإعلاميين بشكل أفضل، والمتابعة المستمرة للمعلومات، دون أن يؤثر ذلك على العمليات التي تتم على الأرض، لأن الإعلاميين يحاولون أن يستجيبوا لضغوط الرأي العام في الشارع».
من جهته، أكد البرلماني أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب (البرلمان)، رئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي، أن «غياب المعلومة، وحالة الصمت الإعلامي في أثناء العملية الإرهابية بالواحات، تسببا في انتشار الشائعات وفتح المجال أمام شبكات التواصل والإعلام المترصد بمصر لنشر الأكاذيب». مشيراً إلى أنه «ليس عيباً الخروج بتصريحات لإعلان عدم توافر معلومات؛ ولكن كان ضرورياً إصدار بيانات لتعريف الرأي العام بما يحدث والإشارة إلى عرض التفاصيل خلال بيانات لاحقة لعدم ترك مجال للشائعات»، موضحاً أن «هذا ما ينتهجه أغلب الدول وقت الأزمات».
في ذات السياق، وجهت الهيئة العامة للاستعلامات، احتجاجاً شديد اللهجة إلى كل من وكالة «رويترز» وشبكة «بي بي سي»، وأبدت ملاحظات جوهرية على ما قامت بنشره كل منهما حول واقعة الواحات... وأدانت الهيئة بشكل واضح تغطيتهما التي وصفتها بـ«غير الدقيقة».
في غضون ذلك، قال الإعلامي حمدي الكنيسي، نقيب الإعلاميين، إنه تقرر، أمس، في اجتماع طارئ لمجلس النقابة بعد المتابعة لبرنامج «على مسؤوليتي» الذي يقدمه الإعلامي أحمد موسى، إيقاف البرنامج. مضيفاً: «ما قُدم فيها من محتوى إعلامي يتنافى مع قانون نقابة الإعلاميين الذي يحظر التناول الإعلامي الذي يؤدي إلى الإخلال بالمصالح العليا للبلاد ومقتضيات الأمن القومي المصري، وأيضاً ميثاق الشرف الإعلامي».
وكان موسى قد بث مكالمة صوتية لأحد الضباط الناجين من هجوم منطقة الواحات، وتحدث الضابط الناجي، كيف بدأ الهجوم من جانب المسلحين على القوة الأمنية، وكيف تعاملوا معهم.
وأكد طارق سعدة، وكيل نقابة الإعلاميين، أن «موسى استضاف شخصية وهمية»، على حد قوله، لافتاً إلى أن «أبسط قواعد الإعلام صدق المصدر والإفصاح عنه، وتحديداً في القضايا التي تتعلق بالأمن القومي».
ورغم قرار إيقاف البرنامج، ظهر الإعلامي احمد موسى على الشاشة أمس في وقته المعتاد. واعترف في بث مباشر للحلقة بالخطأ. وقال، «تحت أي ظرف وارد الخطأ ولا يمكن أن يكون مقصودا...وحق الاعتذار واجب».
حادث الواحات بمصر... 30 ساعة من تضارب {معلومات} وسائل الإعلام

حادث الواحات بمصر... 30 ساعة من تضارب {معلومات} وسائل الإعلام

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة