أحمد سعداوي والوقوف على عتبة «باب الطباشير»

عمله الجديد يرزح تحت عبء «فرانكشتاين في بغداد» الفائزة بجائزة {بوكر}

أحمد سعداوي
أحمد سعداوي
TT

أحمد سعداوي والوقوف على عتبة «باب الطباشير»

أحمد سعداوي
أحمد سعداوي

رواية «باب الطباشير» هي الإصدار الجديد للروائي العراقي أحمد سعداوي، منشورات دار الجمل، ليتبع روايته الحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية «فرانكشتاين في بغداد»، لعام 2014.
في غوصه في عالمه الفانتازي مرة أخرى، يضعنا السعداوي، في بداية روايته، أمام أبواب طبشورية سبعة تظهر فجأة كمعجزةٍ يبوح بها الدكتور واصف المختص بعلم الآثار لصديقه الإعلامي علي ناجي، كنتاج لتعويذات سومرية حفظت في جرّة في المتحف العراقي. ومن هنا، يرفل العمل الروائي بمحاولات عبثية للهروب من واقعٍ عراقي مرير، أو أحداث مأساوية تنهي حياة البعض، كإصابة علي ناجي برصاصة في رأسه، لكن تلك الأبواب تمكنه من تغيير نهايته الحتمية «والقفز في حفرة أرنب»، وكأن العمل ينقلك إلى عالم أليس في بلاد العجائب... إلى عالم ميتافيزيقي يتمازج ما بين عوالم سبعة. فإحدى الشخصيات (خالد) توجد في العوالم السبعة بالقيمة الوجودية ذاتها؛ لدينا سبعة «خوالد» منفصلة، في كل عالم يتحرّك خالد بوحي من عقله الواعي، فضلاً عن ذاكرة أوهامه. لينتقل بذلك العمل الروائي الأخير بعيداً عن مواجع العراق نحو تأزم الهوية، إذ «تظن بأنك في مهمة كونية، سعياً وراء الحقيقة. تنفق ثلاثة أرباع عمرك باحثاً في غابة الأساطير والأكاذيب والأوهام الجمعية عن الحقيقة». إذ إن كل ما يقع من أحداث في الرواية هو نتاج لما تحدده الشخوص المحورية من أوهام راغبة في الوقوع بين ثناياها، وبمفهوم قد يخالف الواقع، بناءً على الذاكرة وما تختزنها من أحداث وأوهام، يصفها السعداوي في «باب الطباشير» بأنها: «ذلك السائل الخيالي اللزج الذي يتخلل في كل ذكرياتك، ويعيد سبكها في وعاء الاستذكار وإعادة التحليق والخلط»، بفكرة أخّاذة تشي باقتراب كل الأسوياء، بالأخص الطبقة المثقفة المعترضة على الواقع المعاش، إلى حافة الجنون. إذ يغرق علي ناجي في عالم سديمي أشبه بعالم للمنفى الذي تقذف إليه الأرواح المغتربة، من دون أن يستوعب إن كان ذلك منفى فعلياً أو جنة يتحرك فيها في أي مكان يشاء، ويستعيد فيها محبوبته ليلى التي يعجز عن الحصول عليها نتيجة إخفاقات حياتية. وكأن مفهوم الوصول إلى الجنة ما هو إلا الحصول على قبسٍ من الحرية والهروب من الواقع. ولا تتحقق الحياة المثالية التي يحلم بها إلا عبر «باب الطباشير». وحتى إن تحققت، تكتشف فيما بعد أنها كابوس من طراز آخر. ويظهر من خلال كتابات سعداوي إمعانه في تصوير مرارة الواقع، ومحاولة التمرد عليه من خلال مزيج من الاستسلام ومحاولة الغوص في المواجع والتلذذ باستشعارها، بثيمات شبيهة لأعماله ليس فقط الروائية، وإنما الشعرية، كما في مجموعته «صورتي وأنا أحلم»:

«كي يخرج من عزلته
ها هو ذا..
يعلّم الآخرين
الدخول إليه»

ويظهر التوجه ذاته في أعماله الروائية الأخرى، كرواية «إنه يحلم أو يلعب أو يموت»، التي نشرت في عام 2008، في تطرقها لسوداوية الواقع العراقي المعاش، عبر رقصة حزن جماعية، وبافتراضات كثيرة، وإن لم تتلقَ أعماله التي سبقت فوزه البوكري الاهتمام ذاته الذي وصلت إليه الأعمال الأخيرة. ويتضح نزوح أعمال سعداوي الروائية التدريجي نحو الرمزية، لتتجلى بشكل واضح من خلال عمله «فرانكشتاين في بغداد»، باختلاقه شخصية «الشسمة» الأسطورية، التي ينعتها عمل صحافي في الرواية بمسمى «فرانكشتاين البغدادي»، وهو نتاج بقايا جثث تنضح بمواجع العراقيين، التصقت ببعضها ودبّت فيها الروح، سعياً لتحقيق عدالة وهمية تقتص من كل المجرمين.
ويرزح العمل الروائي الأخير تحت عبء العمل البوكري السابق، وإن كان ذلك لا ينفي حمل «باب الطباشير» لفكرة متفردة تشي بتوجه عبثي يرفل بالحس الوجودي. ما بين أشخاص مدللين يحاولون فلسفة فشل النظام الحياتي في العراق بتوجهات يسارية لا تحمل جدية في محاولاتها، بما هو أشبه بمسرحية هزلية لأشخاص يعيشون بعيداً عن أزمات بغداد، إذ استبدلوها بالغرق في آلامهم الداخلية، ومحاولة تحقيق رغباتهم بانهزامية عتيدة: «لن نكون موجودين في التاريخ بأي حال من الأحوال... أفعالنا وأعمالنا وما قلناه وأنجزناه؛ كل ذلك سيتعرض لإعادة تفسير وتأويل وتشكيل، وسيغدو ملكاً للآخرين، يمثلهم أكثر مما يمثلنا».
وتبدو رواية «باب الطباشير» أشبه بوقوف على عتبة الباب الطبشوري، دون غرق في الأحداث التي تجري داخل عوالمه، إذ لا يبدو تأزم الشخصيات فعلياً، وإنما أشبه بمحاولات نزقة للاستسلام لما يحدث من حولها، من دون محاولة لتغيير الواقع المعاش. ليست هناك محاولات فعلية لإقناع الحبيبة بجدوى استمرارية العلاقة. حتى محاولات تكوين جمعية للمنتحرين تنتهي بالتقهقر. لا وجود لواقع العراق في النسخ المتعددة من العوالم التي يدخلها علي ناجي من خلال أبواب سومرية وهمية. حتى الآلام تغدو مجرد احتمال يقع ضحية التشكك في كونه واقعاً معاشاً، أو مجرد نسخة بعيدة عن الحقيقة لفرضية غير حقيقية. وذلك في نهجٍ مغاير لرواية «فرانكشتاين في بغداد»، التي تجسّد كل تفاصيل أحداثها وشخوصها واقعاً دموياً موجعاً، وإن كان من الإجحاف بحق رواية «باب الطباشير» مقارنتها بالعمل السابق، إذ إن ظروف العالم المتخيل وأنماط الشخصيات مختلفة في كل من العملين الروائيين، وإن تميزت الرواية البوكرية بأحداث أكثر كثافة وتسلسلاً، من دون وجود تفاصيل قد تشعر القارئ بثقلها وبطئها. المفارقة تكمن في قدرة أحمد سعداوي على خلق عوالم روائية مختلفة بأفكار متجددة تشي بإمكانياته على إنتاج أعمال روائية أخرى تمازج ما بين الفكرة الخلاّقة والسرد المتقن.



اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
TT

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ نجمتين عالميتين تقديراً لمسيرتيهما، هما الأميركية فيولا ديفيس، والهندية بريانكا شوبرا.

واختتم المهرجان عروضه بفيلم «مودي... 3 أيام على حافة الجنون» الذي أخرجه النجم الأميركي جوني ديب، ويروي حكاية الرسام والنحات الإيطالي أميديو موديلياني، خلال خوضه 72 ساعة من الصراع في الحرب العالمية الأولى.

واختير فيلم «الذراري الحمر» للمخرج التونسي لطفي عاشور لجائزة «اليُسر الذهبية» كأفضل فيلم روائي، أما «اليُسر الفضية» لأفضل فيلم طويل، فنالها فيلم «إلى عالم مجهول» للفلسطيني مهدي فليفل، بالإضافة إلى جائزة خاصة من لجنة التحكيم نالها فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور.