عند متابعة الأخبار الطبية والتطورات العلمية المرافقة لها، ليس بالضرورة أن يكون الأمر متعلقاً بـ«اكتشافات خارقة»، بل قد يكون تأكيد جدوى وسائل علاجية أو وقائية بسيطة، وهو بحد ذاته تطور يخدم تحسين صحة مئات الملايين من البشر في كل أنحاء العالم، وحينها يكتسب ذلك الاكتشاف أو التطور العلمي أهمية بالغة بالنظر إلى عمق المعاناة من مشكلة صحية ما. ويتضح الأمر بشكل أكبر في جانب الوقاية من الأمراض، الذي هو واقعاً السلوك الأفضل في التعامل مع الأمراض، لأن «الدرهم» المبذول في تحقيق تلك الوقاية أفضل من «قنطار» يُبذل في تحقيق معالجة المرضى عند إصابتهم بتلك المشكلة الصحية. وأفضل سلوكيات الوقاية من الأمراض هي تلك الوسائل الوقائية البسيطة وغير المعقدة التي نمارسها بشكل متكرر في حياتنا اليومية والتي يُمكننا القيام بها دون عناء، وفي الوقت ذاته تعطينا فوائد صحية واسعة وعميقة تفوق ما يتصوره الكثيرون.
وثمة أمثلة كثيرة عن مشكلات صحية شائعة ومُكلفة مادياً ومرهقة للمرضى وتستنزف الإمكانات في أوساط تقديم الرعاية الطبية. التهابات مجاري البول (Urinary Tract Infections)، أو المسالك البولية، هي من أحدها. ووفق ما تشير إليه الإحصائيات الطبية، فإن التهابات المسالك البولية هي العدوى البكتيرية الأكثر شيوعاً بين النساء على مستوى العالم، وتذكر الإحصائيات الطبية في الولايات المتحدة أن تلك الالتهابات الميكروبية تحصل بنسبة أعلى فيما بين النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 16 و35 عاماً، وأن أكثر من 10 في المائة من عموم النساء يُصاب كل عام بالتهاب المسالك البولية، وأن نحو 60 في المائة من النساء تُصيبهن تلك العدوى الميكروبية في فترة ما من حياتهن. كما أن تكرار عودة الإصابة بالتهابات المسالك البولية تصل إلى نحو 80 في المائة، يحصل منها 50 في المائة في السنة الأولى بعد معالجة الإصابة الأولى.
وبسبب التهابات المسالك البولية تحصل في الولايات المتحدة وحدها، دون بقية دول العالم، نحو 12 مليون زيارة في كل عام لعيادات الأطباء وأكثر من مليون زيارة لأقسام الإسعاف بالمستشفيات، مع ما يتبع هذا من إجراء عدد من الفحوصات لكل مريض ووصف تناول المضادات الحيوية. كما أن الكُلفة المباشرة لمعالجة حالات التهابات المسالك البولية في الولايات المتحدة وحدها، دون بقية دول العالم، تصل إلى نحو ملياري دولار سنوياً. ولنا أن نتوقع عدد الزيارات لعيادات الأطباء والفحوصات التي يتم طلب إجرائها والكلفة الإجمالية لمعالجة حالات التهابات المسالك البولية على المستوى العالمي.
هذه المشكلة الصحية تتطلب المعالجة حال حصولها لدى المريض عبر تطوير البحث العلمي في وسائل التشخيص السريع والدقيق للإصابة بها وتطوير أنواع من المضادات الحيوية الفاعلة في إزالة تلك الالتهابات الميكروبية، ولكنها في الوقت نفسه مشكلة صحية يُمكن الوقاية من الإصابة بها وتتطلب البحث علمياً عن أبسط وأسهل طرق الوقاية.
ووسائل الوقاية المقترحة طبياً التي أثبتت جدواها هي وسائل بسيطة وسهلة، ومن أهمها الحرص على شرب الماء.
وضمن فعاليات «أسبوع الأمراض المُعدية 2017» الذي عُقد في الفترة بين الرابع والثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في سان دييغو بولاية كاليفورنيا الأميركية، عرض الباحثون من جامعة ميامي نتائج دراستهم «تأثيرات شرب الماء في مدى تحقيق الوقاية من الإصابة بالتهابات المسالك البولية». و«أسبوع الأمراض المُعدية 2017» (IDWeek 2017) هو تجمع لفاعليات كل من المؤتمر السنوي للجمعية الأميركية للأمراض المُعدية (IDSA) وجمعية علم الأوبئة الصحية في الولايات المتحدة (SHPA) ورابطة طب فيروس نقص المناعة (HIVMA) والمجمع الأميركي لأمراض الأطفال المُعدية (PIDS).
ولاحظ الباحثون الأميركيون في نتائج دراستهم أن الشابات اللاتي سبقت إصابتهن بالتهابات المسالك البولية وتمت معالجتها بنجاح، ثم حرصن على عادة شرب لتر ونصف اللتر من الماء في كل يوم، فإن احتمالات عودة إصابتهن بالتهابات المسالك البولية تقل بنسبة نحو 50 في المائة بالمقارنة مع شابات سبقت إصابتهن بالتهابات المسالك البولية ولم يحرصن بعد زوالها عنهن على شرب الماء بتلك الكمية اليومية، ما أدى بالمقارنة إلى أن مجموعة الشابات اللاتي حرصن على شرب الماء تدنى احتياجهن إلى تلقي المضادات الحيوية بنسبة 47 في المائة لمعالجة الإصابة بتلك العدوى الميكروبية في المسالك البولية. وإضافة إلى هذا، فإن الفترة الزمنية أصبحت أطول فيما بين زوال الإصابة الأولى بالالتهابات في المسالك البولية وعودة الإصابة بها لاحقاً، وهو المتوقع كما تقدم في احتمالات نسبة عودة الإصابة.
ومعلوم أن النساء بالعموم هن أعلى إصابة بالتهابات المسالك البولية، وبمقدار 4 أضعاف، مقارنة بالرجال، وذلك لأسباب عدة من أهمها اختلاف التركيب التشريحي لمجاري الجهاز البولي لدى المرأة مقارنة بالرجل، والذي يشتمل على قصر طول مجرى الإحليل لدى الإناث، ما يجعل الفرصة أعلى لدخول ميكروبات المنطقة التناسلية إلى قناة الإحليل ووصولها إلى المثانة. وعلق الدكتور توماس هوتون، الباحث الرئيسي في الدراسة ومدير قسم الأمراض المعدية بكلية الطب بجامعة ميامي، بالقول: «زيادة شرب الماء يُقلل من احتمالات الإصابة بالتهابات المسالك البولية عبر طريقتين؛ الأولى هي إعاقة التصاق البكتيريا بجدران المثانة والثانية هي تقليل فرصة تكاثر البكتيريا وزيادة تركيزها، وهما بالتالي يُقللان من فرص حصول التهابات المسالك البولية. وهذا التنظيف للمسالك البولية من البكتيريا باستخدام الماء هو طريقة تحقيق الوقاية».
وملاحظة الباحثين في نتائج هذه الدراسة، أن حرص الإنسان على شرب لتر ونصف اللتر من الماء بشكل يومي، أي نحو 6 أكواب بمعدل كوب واحد فقط كل 4 ساعات، يُحقق خفضاً بمقدار نحو 50 في المائة في احتمالات الإصابة بالتهابات المسالك البولية، وهو بالفعل إضافة علمية مفيدة بشكل عميق وواسع عند تطبيق تلك النتائج على مئات الملايين من البشر، وهو أيضاً يُضيف مزيداً من التعزيز للفوائد الصحية الكثيرة لضرورة حرص أحدنا على شرب الماء بكميات يومية كافية. وأبسط وسيلة للتأكد من شرب الكمية الكافية من الماء يومياً هو إخراج البول بلون شفاف أو أصفر باهت جداً.
شرب الماء وسيلة بسيطة للوقاية من الأمراض
شرب الماء وسيلة بسيطة للوقاية من الأمراض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة