بينما جلس ماركوس راشفورد يمدد أطرافه أثناء جلوسه على أحد المقاعد المغطاة بالجلد الأبيض داخل مركز تدريب المنتخب الإنجليزي باستاد سانت جورجيز بارك، توقف اللاعب الشاب الذي يعتبر الأمل الأكبر أمام كرة القدم الإنجليزية لبرهة ليمعن النظر كيف تبدلت الحياة منذ الفترة التي كان اسمه غير مألوف حتى بين أقرانه داخل «مانشستر يونايتد»، وكان بينهم واين روني.
اليوم، وفي سن الـ19، أصبح راشفورد واحداً من الوجوه المألوفة في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويجري النظر إليه الآن باعتباره النجم الصاعد في صفوف فريق مانشستر يونايتد. ويأتي ذلك رغم أنه منذ عامين فقط كان يمكنه السير في شوارع مانشستر المزدحمة دون أن يتعرف عليه أحد. وقال: «عملت والدتي بمكتب مراهنات، بينما عمل شقيقي مدرباً. إلا أن أشقائي يهتمون بشؤوني فحسب في الوقت الراهن». ولدى سؤاله عن والدته، أضاء وجه راشفورد بابتسامة صبيانية لتذكر الجميع بأن هذا اللاعب البالغ طوله ستة أقدام لا يزال في نهاية الأمر مجرد شاب لا يزال أمامه في عمر المراهقة بضعة أسابيع أخرى، وأجاب: «أمي تأخذ قسطاً من الراحة الآن».
في عيد «الهالوين» المقبل الذي يحل سنوياً في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، يكمل راشفورد عامه الـ20، وخلال مسيرته الكروية القصيرة حقق الكثير بمشاركته بالفعل في البطولة الأوروبية في صفوف المنتخب الإنجليزي، مع وجود الفرصة السانحة أمام المنتخب بقيادة المدرب غاريث ساوثغيت بعد التأهل لبطولة كأس العالم عبر الفوز على سلوفينيا.
اللافت أن أولى مشاركات راشفورد في صفوف «مانشستر يونايتد» جاءت بمحض الصدفة قبل مباراة في إطار الدوري الأوروبي أمام فريق ميتييلاند الدنماركي، وذلك جراء إصابة أنتوني مارسيال بإصابة في منطقة العرقوب خلال تدريبات الإحماء. واللافت أن اسم اللاعب المراهق لم يظهر حتى في برنامج النادي في تلك الليلة. ومع ذلك، فإنه بعد 19 شهراً من هذه المشاركة، واجه راشفورد خلال ظهور له أمام حشد من الصحافيين الإنجليزي سؤالاً حول كيف يشعر إزاء كونه واحداً من مجموعة صغيرة وحصرية تضم أفضل اللاعبين الناشئين على مستوى العالم، بجانب كيليان مبابي ونيمار.
ومع أن مثل هذا الصعود السريع كان من الممكن أن يدير رأس أي لاعب آخر في سنه ويفقده توازنه، حافظ راشفورد على هدوئه واتزانه على نحو يثير الإعجاب. في الواقع، لدى قضاء وقت في الحديث إلى راشفورد يتضح أن كل ما يقال عنه باعتباره شخصا متواضعا وبسيطا حقيقي بالفعل. والواضح أنه يشعر بالخجل إزاء إجراء مقابلات، وأحياناً يبدو عاجزاً عن فهم سر اهتمام هؤلاء الصحافيين الذين يبدون غرباء له بالتعرف على تفاصيل الحلم الذي يعايشه. المؤكد أن راشفورد يفضل الاستمرار في هذا الحلم عن مناقشة تفاصيله مع زمرة من الغرباء.
وعليه، تبدو هذه المقابلة في جانب منها استثنائية، خاصة أن راشفورد نجح في خوضها من البداية إلى النهاية دون أن يعطينا عبارة واحدة تتواءم مع مدى روعة وإبهار قصة صعوده. إلا أنه ربما هذا ما يتعلمونه داخل مدرسة مانشستر يونايتد - ألا يفقدوا توازنهم - وقد خاض راشفورد جميع مراحل هذه المدرسة من البداية.
وعن الفترة التي قضاها داخل الأكاديمية التابعة للنادي، قال راشفورد: «بمقدوري أن أطرح عليك الكثير للغاية من الأمثلة المختلفة حول السبل التي يتمكن مسؤولو النادي من خلالها من معاونتنا على الاحتفاظ باتزاننا وهدوئنا. على سبيل المثال، عندما تفوز في مباراة بفارق أهداف يتجاوز حدود المنطق، فإنه كمهاجم ربما تشرع في عد الأهداف التي أحرزتها والتباهي بها، لكن المدربين يسارعون إلى تنبيهك إلى أنه: «لقد نجحت في هزيمة ذلك الفريق، لكن عليك إبداء الاحترام تجاهه». في الواقع، يحرصون على غرس هذا الأمر في أذهاننا منذ سن صغيرة للغاية».
وأضاف: «من الواضح أن جهود التدريب داخل النادي جيدة للغاية، لكنهم يحاولون في الوقت ذاته خلق أشخاص جيدين منا، تماماً مثلما يحاولون خلق لاعبين ماهرين. إنهم يحرصون على دفعنا لإبداء الاحترام تجاه الجميع، بغض النظر عمن يكونوا أو ماذا يفعلون. أعتقد أن تلك هي الفكرة الأساسية داخل (مانشستر يونايتد)، بغض النظر عن سن اللاعب. في الحقيقة، غرس هذه الفكرة وحدها في نفوس اللاعبين يعينهم على قطع شوط طويل للغاية، وتلك هي الرسالة الأساسية التي ينقلونها إلينا داخل النادي».
وبناءً عليه لا يحتفي اللاعب الذي أحرز أهدافاً خلال مشاركاته الأولى في بطولات الدوري الممتاز ودوري أبطال أوروبا وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة والدوري الأوروبي، ناهيك عن مشاركته الأولى مع المنتخب الإنجليزي، والذي حطم خلاله الرقم القياسي المسجل باسم تومي لوتون على مدار 78 عاماً، باعتباره أصغر لاعب يسجل هدفاً في أول مشاركة له مع المنتخب. في الوقت ذاته، فإنه رغم امتلاك اللاعب البالغ 19 عاماً اليوم جميع العناصر المرتبطة بـ«السوبر ستار» بمجال كرة القدم - سيارة سريعة وملابس غالية ومنزل كبير - فإنه ينتمي في الأساس إلى حي فقير في جنوب مانشستر، ما يبدو أمراً جيداً بالنسبة لشخص في مثل ظروفه.
وعندما تسأله عن أكبر التحديات التي مر بها في حياته، ستكشف إجابته بأن مشواره لم يكن مفروشاً بالورود. وعن هذا السؤال، أجاب راشفورد: «ربما الأسلوب الذي أصبح لزاماً على المرء أن يعتني بنفسه وأن يحمي نفسه كذلك، لأن من حولك دائماً ما يحاولون اقتناص شيء ما من وراء ظهرك. لذا، عليك أن تهتم لأمر نفسك. وكل ما يتعين عليك فعله التحلي بالذكاء والامتناع عن تعريض نفسك للمواقف التي تجعلك في خطر قدر الإمكان. ومع ذلك، سيظل هناك دوماً أناس يحاولون بناء حياتهم على ظهرك، قد يكون هؤلاء هم أصدقاؤك أو حتى أفراد أسرتك. إنه أمر صعب. في الوقت ذاته، هناك أناس حولي يرشدونني ويعملون على إبقائي بمنأى عن أمور بعينها. أحياناً باعتباري لاعبا صغير السن، يكون هذا تحديداً هو المطلوب. بطبيعة الحال لدي أصدقاء، وأعيش حياتي بصورة طبيعية مثل أي شخص آخر في سني، كي أكون أميناً معكم؛ مثلاً، ألعب (بلاي ستيشن) وأحرص على اصطحاب كلابي للتنزه».
بالنسبة للكلاب، يقتني راشفورد اثنين منها، وبدأ يفكر الآن فيمن يمكنه الاعتناء بهما خلال فترة الصيف التي سيقضيها في المشاركة في مباريات بطولة كأس العالم خلال الصيف القادم. وتحمل هذه البطولة أصداء أول بطولة شارك فيها راشفورد في جنوب أفريقيا عام 2010، عندما كان في الـ12.
وثمة انطباع يخرج به المرء من حديثه إلى راشفورد يدور حول أنه غير راضٍ تماماً عن مشاركته في مركز مهاجم من ناحية اليسار، وعن هذا، قال: «أنا مهاجم». كما تكشف ذكرياته المرتبطة بمشاركته في بطولة «يورو 2016» جزءا من شخصيته، فقد كان راشفورد حينها أصغر لاعب بالبطولة، ومع هذا فلدى سؤاله حول ما إذا كان يشعر بتقدير إزاء تلك التجربة، يجيب: «سأكون أميناً معك، من الصعب أن أنظر إليها باعتبارها إيجابية، فقد خرجنا من البطولة في وقت مبكر عما توقعناه، وعما رغبناه. وعليه، كانت تلك نهاية مثيرة للإحباط للموسم بالنسبة لي».
راشفورد لم يبلغ العشرين عاماً لكنه أصبح أمل الكرة الإنجليزية
مهاجم يونايتد يسابق الزمن ويأمل في دفع قاطرة المنتخب بروسيا
راشفورد لم يبلغ العشرين عاماً لكنه أصبح أمل الكرة الإنجليزية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة