الرقة... من العاصمة الثانية للرشيد إلى «داعش»

عناصر من تنظيم «داعش» استسلموا لـ {قوات سوريا الديمقراطية} في 15 من الشهر الجاري (أ. ب)
عناصر من تنظيم «داعش» استسلموا لـ {قوات سوريا الديمقراطية} في 15 من الشهر الجاري (أ. ب)
TT

الرقة... من العاصمة الثانية للرشيد إلى «داعش»

عناصر من تنظيم «داعش» استسلموا لـ {قوات سوريا الديمقراطية} في 15 من الشهر الجاري (أ. ب)
عناصر من تنظيم «داعش» استسلموا لـ {قوات سوريا الديمقراطية} في 15 من الشهر الجاري (أ. ب)

الرقة مدينة عمرها آلاف السنين. وقد تحولت في عام 2014 إلى أبرز معاقل تنظيم داعش في سوريا.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية, بلغت مدينة الرقة أوج ازدهارها في عهد الخلافة العباسية. وفي عام 722، أمر الخليفة المنصور ببناء مدينة الرافقة على مقربة من مدينة الرقة. واندمجت المدينتان في وقت لاحق.
بين أعوام 796 إلى 809 استخدم الخليفة هارون الرشيد الرقة عاصمة ثانية إلى جانب بغداد، لوقوعها على مفترق طرق بين بيزنطية ودمشق وبلاد ما بين النهرين. وبنى فيها قصورا ومساجد. وفي عام 1258 دمر المغول مدينتي الرافقة والرقة على غرار ما فعلوا ببغداد.
تتمتع مدينة الرقة بموقع استراتيجي في وادي الفرات عند مفترق طرق مهم. وهي قريبة من الحدود مع تركيا وتقع على بعد 160 كيلومترا شرق حلب وعلى بعد أقل من مائتي كلم من الحدود العراقية. وأسهم بناء سد الفرات على مستوى مدينة الطبقة الواقعة إلى الغرب منها في ازدهار مدينة الرقة التي لعبت دورا مهما في الاقتصاد السوري بفضل النشاط الزراعي.
في الرابع من مارس (آذار) 2013، وبعد عامين من بدء حركة الاحتجاجات ضد النظام السوري، تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على مدينة الرقة لتكون أول مركز محافظة في سوريا يخرج عن سلطة النظام. واعتقل مقاتلو المعارضة المحافظ وسيطروا على مقر المخابرات العسكرية في المدينة، أحد أسوأ مراكز الاعتقال في المحافظة، بحسب (المرصد السوري لحقوق الإنسان). كما تم تدمير تمثال في المدينة للرئيس السابق حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي.
واندلعت معارك عنيفة بين التنظيم ومقاتلي المعارضة وبينهم جبهة النصرة في بداية شهر يناير (كانون الثاني) 2014 وانتهت بسيطرة التنظيم على كامل مدينة الرقة في الرابع عشر من الشهر ذاته.
في يونيو (حزيران) 2014، أعلن تنظيم (داعش) إقامة «الخلافة» انطلاقا من مساحة واسعة من الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا.
في 24 أغسطس (آب) من السنة نفسها، بات التنظيم يسيطر بشكل كامل على محافظة الرقة بعد انتزاع مطار الطبقة من قوات النظام.
وفرض التنظيم المتطرف قوانينه على الرقة، مستخدما كل أساليب الترهيب.
في يونيو 2015 خسر (داعش) بعض البلدات عند أطراف المحافظة، أبرزها تل أبيض وعين عيسى التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب الكردية.
لجأ التنظيم إلى الإعدامات الجماعية وقطع الرؤوس وعمليات الاغتصاب والسبي والخطف والتطهير العرقي والرجم وغيرها من الممارسات الوحشية في الرقة، ففرض سيطرته ونشر الرعب بين الناس.
وحرص التنظيم على استخدام كل التقنيات الحديثة لتصوير فظاعاته على أشرطة فيديو نشرها على الإنترنت.
في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، بدأت قوات سوريا الديمقراطية حملة عسكرية واسعة لطرد التنظيم منها.
وكان عدد سكان المدينة يبلغ نحو 300 ألف، بينهم نحو 80 ألفا من النازحين خصوصا من منطقة حلب، بالإضافة إلى آلاف المقاتلين مع عائلاتهم. وأجبرت المعارك طوال أشهر عشرات آلاف المدنيين على الفرار.
في 6 يونيو، دخلت سوريا الديمقراطية المدينة، وتمكنت في الأول من سبتمبر (أيلول) من السيطرة على المدينة القديمة التي يحيط بها سور الرافقة الأثري العائد إلى العصر العباسي.
وفي 20 سبتمبر أعلنت القوات أن حملة «غضب الفرات» شارفت على النهاية.
وأعلنت في 16 أكتوبر (تشرين الأول) السيطرة على دوار النعيم في وسط الرقة، أيضاً، الذي أطلق عليه السكان اسم «دوار الجحيم» بسبب الاعتداءات الوحشية وعمليات الإعدام الجماعية التي نفذها التنظيم عليه، وقد استخدمه في الأشهر الأولى من سيطرته على المدينة لعرض رؤوس الأشخاص الذين كان يعدمهم بقطع الرأس، بغية زرع الخوف والترهيب.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.