رصدت دراسة أعدها «مركز كارنيغي» للأبحاث، السياسة التي تنتهجها الحكومة الجزائرية الحالية، معتبرة أنها «تمثل حلا قصير المدى للمشكلات الاقتصادية وللتوازن السياسي الهش».
ونشر «مركز كارنيغي» المتخصص في الأبحاث حول السلام، تقريراً حديثاً حول الأوضاع بالجزائر، جاء فيه اعتماد الحكومة على طبع الأوراق النقدية لمواجهة أزمة شح الموارد المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، «يتيح تسديد الديون المتأخرة المستحقّة عليها لطبقة الأعمال، والحد من اعتمادها على الائتمان المحلي، وزيادة الرأسمال والإنفاق بما يعود بالفائدة على الشركات والأسر الجزائرية».
وأشار إلى أن هذه السياسة «تمنح بعض المتنفس لقطاع الأعمال، فيما يؤدّي إلى إرجاء أي تخفيضات مؤلمة سواءً في رواتب موظفي القطاع العام، التي من شأنها أن تقوّض الدعم من موظّفي الخدمة المدنية، وفي رواتب المعلمين، أو في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وفي هذه الحالة، من شأن التخفيضات أن تثير غضب الرأي العام».
وصرَح أويحيى، الشهر الماضي، أمام البرلمان، بأن الحكومة لن يمكنها تسديد أجور ملايين العمال والموظفين لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في حال لم تجد حلاً عاجلاً لأزمة السيولة. والحل الذي اقترحه هو طبع مزيد من الأوراق النقدية، ورفض بشدة تحذيرات خبراء في الاقتصاد، مما سيخلفه هذا الإجراء من ارتفاع في معدل التضخم وتدهور قيمة الدينار.
وذكرت الدراسة أن أويحيى «يتصرَف بحذر أكبر في موضوع الواردات، محاولاً التوفيق بين مصالح لوبي الاستيراد الذي يعمل في الظل إنما يتمتع بالنفوذ، والحاجة إلى خفض مشتريات السلع الأجنبية. وقد عمد رئيس الوزراء إلى إلغاء القيود التي فرضها عبد المجيد تبون (رئيس الوزراء السابق) على التجارة، لكنه أعلن أيضاً في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) أنه ينوي تطبيق شروط أشد صرامة على تمويل الواردات عن طريق المصارف المحلية».
وأقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تبون، في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي بعد 3 أشهر من تعيينه على رأس الحكومة. ويعود السبب إلى إجراءات اتخذها في مجال التصدير والأعمال الحرّة، أضرت بمصالح رجال أعمال مقربين من الرئيس، خصوصاً شقيقه وكبير مستشاريه، السعيد بوتفليقة الذي يملك نفوذاً كبيراً في البلاد إلى درجة أن مراقبين يرشحونه لخلافه أخيه.
ووصفت الدراسة سياسة تبون بأنها فاشلة، وقالت إنه «حاول معالجة الأزمة بطريقتَين اثنتين: التشدد في القيود والحصص المفروضة على الواردات للحد من العجز في الحساب المالي، واستهداف الأوليغارشيين الجزائريين وتدخلهم السياسي المزعوم، من أجل الحصول على الدعم لسياسات التقشف الحكومية. في حين أنه ليس واضحاً ما الاستراتيجية التي كان تبون ينوي اتباعها في المدى الطويل (وعلى الأرجح أنه لم تكن لديه أي استراتيجية)، وقد تضمن جدول أعماله اعتراضاً واضحاً على منظومة التهريب والمحسوبيات الفوضوية، التي انطبع بها التحرير الاقتصادي للبلاد منذ الثمانينات. فهو اعتبر أنه يجب أن يدفع المورّدون وطبقة الأعمال ثمن التعديل الاقتصادي المؤلم في البلاد».
وأضافت الدراسة أن «النقطة الأهم (في سياسة أويحيى) هي أن الهدف من هذا المسار الجديد، هو تفادي التداخل بين الانتقال السياسي والانتقال الاقتصادي في البلاد. وفي هذا السباق مع الوقت، تحاول السلطات ضمان الدعم لها من الشرائح الأساسية الموالية للنظام، كموظفي القطاع العام وعمّال الاقتصاد النظامي والأوليغارشيين، والمستوردين. يحدث هذا والجزائر على مشارف انتقال الرئاسة الذي لا يزال محاطاً بقدر كبير من الالتباس، سواء ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية في عام 2019، أو استبدل برئيس يجري اختياره بتأنٍّ، وسوف تسعى السلطات جاهدةً لتجنّب مواجهة التداعيات السياسية والاجتماعية، التي يمكن أن تترتب عن اعتماد إجراءات تقشفية».
دراسة تنتقد «الحلول قصيرة المدى» للأوضاع في الجزائر
دراسة تنتقد «الحلول قصيرة المدى» للأوضاع في الجزائر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة