«داعش» يخسر الميادين ويفاوض للخروج من الرقة

مخطط هجمات باريس يعرقل انسحاب الأجانب

مدنيون لدى خروجهم من الرقة أمس (حملة تحرير الرقة)
مدنيون لدى خروجهم من الرقة أمس (حملة تحرير الرقة)
TT

«داعش» يخسر الميادين ويفاوض للخروج من الرقة

مدنيون لدى خروجهم من الرقة أمس (حملة تحرير الرقة)
مدنيون لدى خروجهم من الرقة أمس (حملة تحرير الرقة)

انهار تنظيم داعش في مدينة الميادين أحد معاقله في محافظة دير الزور أسرع من المتوقع، إذ أعلن النظام السوري أمس سيطرته الكاملة على المدينة بعد 7 أيام فقط على دخول قواته إليها. وتزامن سقوط الميادين مع تسارع التطورات في مدينة الرقة، حيث أفيد باستسلام 100 عنصر من «داعش» وخروج آخرين بوساطة محلية، على أن يبقى ملف العناصر الأجانب هو العالق في ظل إصرار التحالف الدولي على رفض خروجهم من المدينة، خصوصاً أن بينهم المخطط لهجمات إرهابية شهدتها العاصمة الفرنسية.
وأعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» سيطرة قوات النظام وحلفائها على مدينة الميادين، أحد آخر أبرز معاقل تنظيم داعش في سوريا. ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري أن «الوحدات المسلحة بالتعاون مع القوات الرديفة والحليفة تستعيد السيطرة على مدينة الميادين في دير الزور (شرق) وتقضي على أعداد كبيرة من إرهابيي داعش». وأضاف أن القوات الحكومية «تطارد فلول تنظيم داعش الهاربة من المدينة»، كما تقوم وحدات الهندسة «بإزالة الألغام والمفخخات التي زرعها الإرهابيون في شوارع وساحات المدينة».
ورغم تأكيد أكثر من مصدر سيطرة النظام على كامل الميادين، نفى أحمد الرمضان الخبير في شؤون «داعش» والناشط في حملة «فرات بوست» هذا الموضوع، لافتاً إلى أن النظام يسيطر على الأحياء الواقعة عند مدخل المدينة. وقال الرمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر «داعش» ينسحبون من الميادين باتجاه البوكمال الحدودية مع العراق، آخر معقل للتنظيم المتطرف في شرق سوريا، إلى منطقة الشعيطات. ورد سرعة النظام بدخول المدينة إلى اتباعه سياسة الأرض المحروقة، مشيراً إلى أنّه شن 200 غارة على الميادين واستهدفها بـ200 برميل متفجر، ما أدّى إلى دمار 50 في المائة منها.
وتمكنت قوات النظام أمس أيضاً من محاصرة الأحياء الشرقية في مدينة دير الزور بشكل كامل، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، فيما تحدث «المرصد» عن تحقيق هذه القوات تقدماً جديداً أغلقت على أثره الممر الواصل بين ريفي دير الزور الشرقي والشمالي الغربي عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات.
وعلى الرغم من المستجدات في دير الزور، ظلّت الأنظار أمس شاخصة إلى مدينة الرقة، حيث تسارعت التطورات بشكل غير مسبوق. فقد أعلن التحالف الدولي بعد ظهر السبت أن قافلة ستغادر جيباً خاضعاً لـ«داعش» في مدينة الرقة في إطار ترتيب توسط فيه مسؤولون محليون.
وردت قوة المهام المشتركة في بيان هذه الترتيبات إلى «تقليل الخسائر بين المدنيين لأقل قدر ممكن»، لافتة إلى أنّها إجراءات «يُفترض أنها تستثني الإرهابيين الأجانب بداعش». وقالت إن التحالف لا يسمح «بأي ترتيب يتيح للإرهابيين الفرار من الرقة دون أن يواجهوا العدالة». ويأتي بيان التحالف حول الإجلاء بعد ساعات على إعلانه استسلام نحو مائة مقاتل من «داعش» خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية إلى «قوات سوريا الديمقراطية».
وقال «أبو محمد الرقاوي»، الناشط في حملة «الرقة تذبح بصمت» والخبير في شؤون «داعش»، إن المفاوضات لانسحاب عناصر «داعش» من المدينة، سواء السوريين أو الأجانب، أوشكت على الانتهاء ويمكن الحديث عن أنّها بنسبة 90 في المائة باتت محسومة. وأشار الرقاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الملف بات حصراً في يد التحالف الدولي وخرج من يد «قسد» وشيوخ العشائر، لافتاً إلى أن كثيراً من عناصر التنظيم المتطرف يخرجون ويستسلمون حتى من دون الرجوع إلى القيادة.
وكان مسؤول محلي في محافظة الرقة قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن مقاتلين من التنظيم المتطرف في الرقة استسلموا ليل الجمعة إلى قوات سوريا الديمقراطية، مؤكداً أنهم «محليون وليسوا أجانب»، من دون أن يحدد عددهم. وأوضح: «الأجانب لم يسلموا أنفسهم حتى الآن».
لكن مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن، أكد السبت خروج «كل المقاتلين السوريين في داعش من مدينة الرقة خلال الأيام الخمسة الماضية»، مشيراً إلى أن عددهم نحو 200، وقد «خرجوا مع عائلاهم» إلى جهات غير محددة.
وقدّر عبد الرحمن عدد المقاتلين الأجانب بـ«150 عنصراً كحد أقصى»، وأشار إلى أن «ما يعيق عملية خروجهم هو وجود المخطط لهجمات العاصمة الفرنسية - باريس، داخل مدينة الرقة، ورفض المخابرات الفرنسية خروجه، ووضع خيارين إما تسليمه أو قتله».
ويتركز اهتمام التحالف في معركة الرقة على ضمان تصفية كل مقاتلي التنظيم الأجانب، وهو ما كان قد أعلنه بريت ماغورك، المبعوث الأميركي الخاص للتحالف الدولي لمحاربة «داعش» قبل أشهر حين قال: «مهمتنا تتضمن أن نتأكد من أنه لن يبقى أي من المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بداعش. من جاء إلى سوريا فسوف يموت في سوريا أيضاً. هذه هي مهمتنا. فإذا كانوا داخل الرقة، فسوف يموتون داخل الرقة».
وفيما رجّح نوري محمود المتحدث باسم «وحدات حماية الشعب» الكردية إعلان تحرير الرقة السبت (أمس) أو الأحد، قالت المتحدثة باسم عملية «غضب الفرات» جيهان الشيخ أحمد في تغريدة لها: «الرقة تتحرر. حي آخر يتحرر، حي النهضة ومحاصرة مرتزقة داعش في 3 نقاط داخل المدينة وهي مشفى الوطني، الملعب ودوار النعيم، والحملة مستمرة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.