قالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن حركتي «فتح» و«حماس» توافقتا على «مبدأ الشراكة» فيما يخص القرارات المصيرية، سواء المتعلقة بالمسار السلمي أو مسار المواجهة. وجاءت هذه المعلومات بعد أيام من اتفاق المصالحة الذي وقعته الحركتان في القاهرة، برعاية مصرية، ونص على عودة الحكومة الفلسطينية لتسلم قطاع غزة الخاضع لسيطرة «حماس» منذ 10 سنوات.
وأكدت المصادر أن ثمة اتفاقاً واضحاً بألا يستأثر أي طرف بقرارات كبيرة مثل اتفاق سلام ينهي الصراع أو بدء مواجهة مع إسرائيل. وتابعت: «فيما يخص المواجهة، ثمة تفاهم ضمني بأن ذلك يشمل قطاع غزة والضفة الغربية». ويعني ذلك، بحسب المصادر ذاتها، أن تتوقف «حماس» عن محاولات إشعال مواجهة في الضفة الغربية على غرار ما تفعله في قطاع غزة، في تغيير واضح بسياستها المتعلقة بـ«المقاومة».
واعتمدت «حماس»، خلال الأعوام القليلة الماضية، سياسة الحفاظ على تهدئة في قطاع غزة، والدفع بمواجهة في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي كان يُغضب السلطة الفلسطينية إلى حد كبير، إذ ترى فيه محاولة لجر الضفة إلى مربع الفوضى.
ونفّذت «حماس» في الضفة الغربية خلال سنوات حكمها في غزة كثيراً من العمليات ضد إسرائيل ودعمت وباركت عمليات أخرى، كما عملت على استمرار الانتفاضات الصغيرة التي كانت تنطلق في الضفة الغربية، بل عملت على إشعال بعضها في الوقت الذي كان فيه مسؤولو السلطة يوجهون اتهامات لها باستخدام اسم المقاومة لنشر الفوضى في الضفة والإضرار بالسلطة. واعتقلت السلطة كثيراً من ناشطي «حماس» خلال السنوات الماضية بسبب اتهامات لهم بالعمل ضد المصلحة الفلسطينية.
وأقر مسؤولون في «حماس» في الضفة الغربية، رداً على أسئلة «الشرق الأوسط»، بنية الحركة تغيير نهجها في الضفة، وإعطاء فرصة كاملة لنجاح اتفاق المصالحة وعدم التخريب عليه. وقال مصدر في الحركة: «سنراقب ونرى كيف سيسير الأمر. نريد إعطاء فرصة للاتفاق وسنراقب بعد التزام حماس بشراكة حقيقية إذا ما كانت ستتوقف المضايقات والاعتقالات (التي تقوم بها السلطة) وسيُفرج عن معتقلين أم لا».
وهذه القضية واحدة من القضايا الحساسة بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية. وتلاحق السلطة بشكل حثيث حتى اليوم كل شخص في الضفة الغربية يمكن أن يشكل تهديداً للأمن، بما يشمل تشكيل خلايا مسلحة أو تقديم دعم لها، أو العمل على غسل الأموال. وتقول السلطة إنها لا تسمح إلا بسلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد. وهذا الشعار رفعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس كي تطبقه حكومته في غزة.
لكن الواقع هناك يبدو أكثر تعقيداً. ففي الوقت الذي نجحت فيه السلطة بتفكيك الجماعات المسلحة في الضفة، يوجد في قطاع غزة «جيوش» تابعة للفصائل الفلسطينية مع مئات آلاف البنادق ومئات الصواريخ.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا السلاح لم يكن موضع نقاش (بين «فتح» و«حماس»)، «لكن حصل توافق ضمني حول أنه (السلاح) سيُستخدم فقط في مواجهة متفق عليها». وربما لا تجد «حماس» مشكلة في ذلك طالما أنه لا توجد نية لدى السلطة للمس بهذا السلاح، ولأنها أصلاً تحتفظ به للمواجهة مع إسرائيل، كما تقول. لكن التغيير الحقيقي فيما يخص نهج «المقاومة» بالنسبة لـ«حماس» سيكون في الضفة الغربية التي طالما أرادت لها الحركة أن تكون مسرحاً للمواجهات.
وقال المحلل السياسي طلال عوكل لـ«الشرق الأوسط»: «طالما هي (حماس) ستلتزم هنا (في غزة) فإنها ستلتزم هناك (الضفة)». وأضاف: «هذا هو الحل المعقول. لا يمكن لها أن تسمح بسحب سلاح المقاومة، لكنها لن تستخدمه. سيكون موضوع المقاومة في الضفة وغزة خاضعاً للقرار الوطني».
ويرى عوكل أنه لا يمكن أن تسمح «حماس» بتحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاق، خصوصاً أمام المصريين. أما بالنسبة إلى الإسرائيليين فقد تكون هذه النقطة هي المسألة الأهم في اتفاق المصالحة بين «فتح» و«حماس» الذي قالوا إنهم «سيراقبونه جيداً». وقال الكاتب الإسرائيلي جاكي غوجي إن هذا الأمر هو الأهم بالنسبة إلى إسرائيل. وكتب غوجي يقول إن التزام «حماس» بالهدنة في الضفة الغربية كان السبب الأهم كي تسكت إسرائيل عن المصالحة، إلى جانب أسباب أخرى من بينها عدم المواجهة مع الولايات المتحدة ومصر. وبحسب غوجي، فإن رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج الذي كان ضمن وفد «فتح» للمصالحة، هو الذي اشترط التزام «حماس» بهدنة تشمل أيضاً الضفة الغربية. وأضاف: «ذلك لم يكن حباً بمردخاي (يوآف مردخاي رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية) لكن لكي يحصل على هدوء في الأراضي التي تقع تحت سيطرته في الضفة الغربية، وحتى لا تنتهك حماس اتفاق المصالحة وتحرج السلطة أمام المجتمع الدولي».
وكان لافتاً بالنسبة إلى الإسرائيليين، وكذلك للسلطة الفلسطينية، أن الرجل الذي وقّع اتفاق المصالحة عن «حماس» هو صالح العاروري المتهم من قبل الطرفين بمحاولة نشر الفوضى في الضفة خلال السنوات السابقة. وتصف إسرائيل العاروري بأنه مدير عمليات «حماس» في الضفة الغربية.
وتقول إسرائيل إن العاروري خطط لهجمات عدة في الضفة وإحداها أشعلت النار بين الحركة والسلطة الفلسطينية، عندما اختطفت مجموعة من «حماس» 3 مستوطنين في الضفة في عام 2014، وهي العملية التي يمكن وصفها بشرارة حرب 2014 على غزة، قبل أن تسلّم إسرائيل السلطة وثائق واعترافات معتقلين حول نية العاروري الانقلاب على السلطة في الضفة عبر تنفيذ عمليات لنشر الفوضى.
وانتخب العاروري الأسبوع الماضي نائباً لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس» بعد هجوم إسرائيلي متكرر ضده وإجراءات طويلة بهدف طرده من تركيا وقطر والآن من لبنان. وأعطى توقيع العاروري على المصالحة طمأنينة أكبر للأطراف المختلفة بأنه لن يعمل شخصياً على تخريب الاتفاق الذي وقّعه بيده، وهذه هي إحدى المكاسب غير المعلن عنها في اتفاق المصالحة في القاهرة.
اتفاق المصالحة يُجبر «حماس» على تغيير نهجها في الضفة الغربية
الحركة ستوسع الهدنة من القطاع إلى الضفة وستمتنع عن تنفيذ هجمات انطلاقاً من «مبدأ الشراكة»
اتفاق المصالحة يُجبر «حماس» على تغيير نهجها في الضفة الغربية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة