القصة الكاملة لانتخاب أودري أزولاي على رأس اليونيسكو

تحديات المديرة الجديدة: التمويل والتسييس والحوكمة

أودري أزولاي وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة والمقربة من الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
أودري أزولاي وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة والمقربة من الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
TT

القصة الكاملة لانتخاب أودري أزولاي على رأس اليونيسكو

أودري أزولاي وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة والمقربة من الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
أودري أزولاي وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة والمقربة من الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون (أ.ب)

أودري أزولاي، وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة والمقربة من الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند الذي «أخرج اسمها من قبعته» في الساعات الأخيرة المتبقية للترشح أواسط شهر مارس (آذار) المنصرم، لمنصب المدير العام لليونيسكو، هي الوجه الجديد للمنظمة الدولية المعنية بشؤون الثقافة والتربية والعلوم. وإذا تم العمل بالعرف المتبع منذ انطلاقة اليونيسكو في خمسينيات القرن الماضي، فإن أزولاي البالغة من العمر 45 عاماً، يمكن أن تبقى في منصبها حتى عام 2025، إذ جرت العادة بتمكين المدير العام من البقاء لولايتين (كل منهما من أربع سنوات) على رأس المنظمة القائمة في أحد أرقى الأحياء الباريسية.
الأرجح أن أزولاي هي الأصغر سناً من بين الذين سبقوها إلى هذا المنصب الذي تدين به بالدرجة الأولى للرئيس هولاند، ولكن أيضاً للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، الذي كانت زميلته في آخر حكومة لمانويل فالس، رئيس الوزراء الأسبق. وإذا كان الأول قد فرض ترشيحها على وزارة الخارجية، وأثار غيظ الدول العربية، وخصوصاً تلك التي قدمت مرشحا عنها (لبنان، قطر، مصر والعراق)، فإن الثاني حملها في حقائبه في حله وترحاله وذلك منذ وصوله مباشرة إلى رئاسة الجمهورية في شهر مايو (أيار) الماضي.
وهكذا، فقد رافقته إلى قمتي مجموعة العشرين والدول السبع الأكثر تصنيعاً، حيث قدمها لقادة كبريات الدول طالبا دعمهم لها. والأهم من ذلك، أنها رافقته إلى نيويورك في شهر أيلول سبتمبر (أيلول) الماضي إلى «أسبوع الرؤساء» من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث كانت بارزة الحضور إلى جانبه.
وقبل ذلك كله، طلب ماكرون تشكيل «خلية دبلوماسية» من قصر الإليزيه ووزارة الخارجية وجند لها أيضاً سفراء فرنسا في الدول الأعضاء في المجلس التنفيذي المكون من 58 عضواً، والذي تعود إليه مهمة انتخاب مدير اليونيسكو.
ولم يبخل ماكرون ولا وزير خارجيته جان إيف لودريان لا بالوقت ولا بالجهد للتواصل مع قادة ووزراء خارجية الدول المعنية لحثهم على انتخاب مرشحة فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي والتي تتمتع بأكبر ثاني شبكة دبلوماسية في العالم بعد الولايات المتحدة. وبحسب مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن باريس «ما كانت لتقبل بأن تهزم مرشحتها في منافسة على منصب من عيار اليونيسكو وفي عقر دارها». بيد أن الجهود الفرنسية كادت أن تخفق، إذ إن المرشحة لم تفز بالمنصب إلا في الجولة الخامسة من الانتخابات وبفارق ضيق للغاية على المرشح القطري محمد بن عبد العزيز الكواري الذي حل في المرتبة الأولى خلال الجولات الانتخابية الأربع. وأكثر من ذلك، فإن أزولاي تساوت في الأصوات مع مرشحة مصر، وزيرة المرأة السابقة مشيرة خطاب، في الدورة الرابعة ما ألزم المجلس التنفيذي بإجراء دورة اقتراع إضافية للفصل بين المرشحتين. وجاءت الدورة الخامسة لصالح أزولاي التي حازت على 30 صوتاً مقابل 28 صوتا للكواري.
خلال الأسبوع المنصرم، كتب الكثير عن اليونيسكو وشهدت قاعاتها وممراتها حشودا دبلوماسية وسياسية وإعلامية استثنائية. وجاء إعلان الولايات المتحدة عن انسحابها من اليونيسكو التي تمتنع عن دفع مستحقاتها المالية لها منذ عام 2011 والبالغة أكثر من 500 مليون دولار، ليزيد من الاهتمام الدولي بالعملية الانتخابية التي استخدمت فيها كل «الأسلحة» كالوعود وإغراءات المناصب والشائعات والتمويل والضغوط المباشرة أو بالواسطة.
وما زاد الطين بلة هو «حرب العرب» المتمثلة بوجود مرشحين من قطر ومصر مع ما يستدعي ذلك من استجلاب الصراع السياسي القائم بين الدوحة ومصر (ومعها 3 بلدان خليجية) إلى داخل المنظمة الدولية. ونتيجة ذلك، أن العملية الانتخابية كانت سياسية بالدرجة الأولى واختفت عن الشاشات البرامج الإصلاحية التي حملها المرشحون وعرضوها جلسات استماع على المجلس التنفيذي قبل العطلة الصيفية. وهكذا، فإن أودري أزولاي التي من المفترض أن يصوت المؤتمر العام على تثبيتها في منصب المديرة العامة في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، ستترأس منظمة هشة ومثخنة الجراح. وجاء انسحاب واشنطن الذي سيصبح فعليا في نهاية العام القادم ليزيد الضغوط على أزولاي التي فهمت مكمن الخطر وأكدت في أول تصريح لها بعد انتخابها أن أولى مهماتها هي «استعادة الثقة» بالمنظمة الدولية. وحقيقة الأمر أنها ليست المرة الأولى التي تكون فيها اليونيسكو عرضة لتهجمات واشنطن وإسرائيل وبعض الدول اللصيقة بهما وبينها دول غربية. وسبق لواشنطن أن انسحبت من اليونيسكو في عام 1983 بطلب من الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان، ولم تعد إليها إلا بعد نحو عشر سنوات. كما في المرة السابقة، فإن حجة واشنطن أن اليونيسكو «معادية لإسرائيل» وهي الحجة نفسها التي ترفعها واشنطن بوجه الأمم المتحدة. وسبق للمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة أن ساقت التهمة نفسها بحق المنظمة الأم. وفي الأعوام القليلة الماضية، كانت هناك محطتان رئيسيتان أثارتا غيظ واشنطن - الأولى في عام 2011 عندما صوتت اليونيسكو لصالح انضمام فلسطين إليها عضوا كامل العضوية. وتم ذلك لأن اليونيسكو لا تعرف حق النقض (الفيتو)، وهذا دفع واشنطن إلى وقف دفع حصتها البالغة 22 في المائة من ميزانية المنظمة عملا بقانون يعود لعام 1993، ويقضي بحجب التمويل عن أي منظمة دولية تعترف بدولة فلسطين.
أما المحطة الثانية فكانت العام الماضي عقب صدور قرارين عن المجلس التنفيذي خاصين بالأماكن المقدسة في القدس والخليل ووضعهما على لائحة التراث العالمي كمواقع فلسطينية. وفي أي حال، فإنه عندما يجري الحديث عن «تسييس» المنظمة، فالمقصود به اهتمامها بالشأن الفلسطيني وبالاحتلال الإسرائيلي وممارساته في شؤون التراث والثقافة والتعليم والعوائق التي تضعها إسرائيل ورفض الأخيرة التعاون مع المنظمة الدولية أو تنفيذ قراراتها. ليس التحدي السياسي هو الوحيد الذي يتعين على أزولاي مواجهته.
وفي هذا السياق، من المفيد الإشارة إلى أن ماكرون لم يتردد في التنديد بقراري اليونيسكو المشار إليهما واعدا بـ«إصلاح» ذلك؛ ما يعني أن أي «خطوة ناقصة» من قبل أزولاي في هذا الإطار ستفتح معركة جديدة داخل المجلس التنفيذي. ولا تتوقف «المتاعب» المستقبلية التي تنتظر المديرة الجديدة عند هذا الحد، إذ يتعين عليها مواجهة الأزمة المالية المزمنة التي تعاني منها هذه المنظمة. ومنذ انقطاع التمويل الأميركي حصلت بوكوفا على تمويلات إضافية وأخرى استثنائية من الدول العربية ومن دول أخرى. إلا أن انخفاض التمويل دفع المنظمة إلى وقف العمل بالعديد من البرامج الأساسية.
يبقى أن اليونيسكو تعاني أيضاً من إشكالية «الحوكمة» المقرونة بالبيروقراطية. وثمة من يقول إن المنظمة الدولية تحولت إلى «وعاء فارغ» فيه الكثير من المؤتمرات واللقاءات والأسفار وخصوصا الكثير من الموظفين. لكن المردود الحقيقي ضئيل للغاية ولا يرتقي أبدا إلى الأهداف المعنية، والتي أعيد التأكيد عليها في برامج المرشحين.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.