أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، عن رفضه التصديق على التزام إيران ببنود الاتفاق النووي الموقع بين طهران وست دول كبرى في 14 يوليو (تموز) 2015.
وينصّ الاتفاق الذي وقّعته إيران في فيينا مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، على رفع تدريجي للعقوبات مقابل ضمان أن طهران لن تسعى لامتلاك السلاح الذري.
وقال ترمب بعد قليل من إعلانه عدم التصديق على الاتفاق النووي إنه يريد أن يرى تحركا لإصلاح العيوب التي يراها في الاتفاق النووي الإيراني على المدى القصير، مضيفا أنه قد ينهي الاتفاق على الفور. وأوضح عند سؤاله لماذا لم يقرر إلغاء الاتفاق الآن: «سنرى ما سيحدث خلال الفترة القصيرة المقبلة ويمكنني فعل ذلك على الفور».
وأضاف ترمب بهدف منع إيران من تطوير قنبلة نووية «أريد عملية من خطوتين أفضل كثيرا».
ماذا يعني التصديق؟
في الوقت الذي كانت فيه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على وشك الانتهاء من إعداد الاتفاق الدولي لمنع إيران من مواصلة برنامجها النووي، ساعد عضوا مجلس الشيوخ بوب كروكر وبن كارديان عام 2015 في تمرير تشريع بموافقة الحزبين يلزم الرئيس بالتصديق على التزام إيران بكل البنود الخاصة بالاتفاق كل 90 يوما. وكان مشروع القانون وسيلة استخدمها أعضاء الكونغرس المتشككون لتأكيد سيطرتهم ولو جزئيا على الاتفاق الذي لم يتفاوض أوباما بشأنه كمعاهدة كانت ستتطلب تصديق مجلس الشيوخ كما أوردت مجلة {اتلنتيك}. ومن أجل الالتفاف على الكونغرس الأميركي الذي كان يحتمل أن يُفشل الاتفاق، قررت إدارة الرئيس الديمقراطي آنذاك باراك أوباما «تعليق» هذه العقوبات بمرسوم من رئيس الولايات المتحدة على أن يتم تجديد التعليق بانتظام منذ ذلك الحين.
ووافق ترمب على التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي مرتين حتى يوم أمس، امتثالا للنصائح التي أسداها له مستشاريه للشؤون الخارجية. بيد أنه لفت أكثر من مرّة إلى تجاوزات إيران وانتهاكها لروح الاتفاق النووي عبر برامج صواريخها الباليستية ودورها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط عبر دعم جماعات مثل حماس و«حزب الله» والفظاعات التي يرتكبها نظام الأسد ضد شعبه السوري. وذكر ترمب كل هذه الاعتراضات أمس، في خطابه الذي تزامن مع نهاية فترة المراجعة الشاملة التي تجريها إدارته لسياستها تجاه إيران.
وفي الوقت الذي رفض فيه ترمب الإقرار بالتزام إيران بالاتفاق النووي وعدم تصديقه على نصوص «بند مراجعة الاتفاق الإيراني»، فإن ذلك يدخل في إطار تصرف إجرائي بمقتضى القانون الأميركي ليست له تداعيات مباشرة على الاتفاق الدولي مع إيران. كما أنه لا يعني انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في الوقت الحالي. في المقابل، فإن إدارة ترمب وضعت الاتفاق على طاولة الكونغرس، حيث قد تكون العواقب وخيمة.
وقال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في هذا الصدد أمس: «لا نطلب من الكونغرس إعادة فرض عقوبات، لأن ذلك سيعني بحكم الأمر الواقع انسحابا من الاتفاق» الهادف إلى منع إيران من امتلاك السلاح الذري. وتابع وزير الخارجية الأميركي «نعتقد أن الاتفاق ضعيف، ولا يقدم أجوبة عن الكثير من الأسئلة المهمة»، متحدثا عن احتمال التوصل إلى اتفاق جديد في المستقبل لا يحل محل الاتفاق الحالي وإنّما يكمله. وأوضح: «ما نقترحه هو ما نظن أنّه أفضل سبيل لتحسين هذا الاتفاق. وإذا لم نتمكن من ذلك، بإمكاننا الانسحاب من الاتفاق في نهاية المطاف».
وعليه، فإن ثلاثة سيناريوهات تطرح نفسها حول مصير الاتفاق. الأول هو إعادة الكونغرس بغرفتيه فرض العقوبات على إيران. الثاني هو سعي المشرعين الأميركيين إلى تحسين الاتفاق، أما الثالث فهو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي.
السيناريو الأول: الكونغرس يُغرق الاتفاق الإيراني
يجد المشرعون الأميركيون في الكونغرس بغرفتيه أنفسهم اليوم أمام مهلة 60 يوما، يحددون فيها ما إذا سيعيدون فرض عقوبات اقتصادية على إيران علّقت بموجب الاتفاق النووي. وقد تشمل هذه العقوبات النوعية إجراءات قاسية ضد نظام البنوك في إيران وصادرات النفط، وهو ما أجبر الإيرانيين على الدخول في مفاوضات نووية خلال فترة إدارة أوباما. وفي حال جرى تمرير تلك الحزمة من العقوبات في الكونغرس، ستجد الولايات المتحدة نفسها في موضع مخالف للاتفاق النووي الإيراني، ما قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق برمته خلال شهور معدودة.
ويرى محللون أن الكونغرس، المنقسم أصلا بسبب قضايا داخلية تشمل نظام «أوباماكير» الصحي وبرنامج ترمب الضريبي وقوانين الهجرة، لا يودّ خوض معركة خلافية أخرى بهذا الحجم. كما أن الإدارة الأميركية بدت داعمة لفرض قيود جديدة على الاتفاق النووي القائم بما يحدّ قدرة إيران على زعزعة استقرار الشرق الأوسط ودعم الإرهاب.
السيناريو الثاني: الكونغرس يسعى لتحسين الاتفاق الإيراني
من المستبعد أن يسعى قادة الأغلبية والأقلية في مجلسي النواب والشيوخ بإعادة فرض العقوبات النووية فورا، بعد رفض ترمب التصديق على الاتفاق. وفي الواقع، يتمتع ترمب بسلطة سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي من دون الحاجة لأي مساعدة من الكونغرس.
ومن المتوقع أن يستغل الكونغرس رفض ترمب التصديق على الاتفاق لاقتراح تعديلات على البنود المثيرة للجدل، خاصة منها «بند الغروب» الذي ينص على أن بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تسقط تدريجيا اعتبارا من 2025، وباقتراح حزمة «تحسينات» على الاتفاق النووي الأصلي، سيمارس الكونغرس ضغطا على إيران لتخفيف استفزازاتها وتهديدها للمصالح الأميركية، كما على باقي أطراف الاتفاق، خاصة منهم الأوروبيين، وتشجيعهم على الدخول في جولة مفاوضات جديدة.
وبذلك، سيستخدم المشرعون الذين يشاركون ترمب هواجسه حول الاتفاق النووي مطالبهم لإبرام اتفاق أقوى، ويضغطون لتغيير طبيعة القيود الحالية المنصوص عليها في الاتفاق والتي ستستمر 10 سنوات و15 سنة بشأن بعض الأنشطة النووية الإيرانية وجعلها قيودا دائمة، وفرض قيود على تطوير الصواريخ الإيرانية، ومنح المفتشين صلاحيات أكبر لدخول المواقع النووية والعسكرية الإيرانية. ويكون الهدف الرئيسي من هذه المطالب هو تحويلها إلى تشريع وربما سن قانون جديد أو نسخة معدلة من الاتفاق النووي الإيراني.
السيناريو الثالث: ترمب ينسحب من الاتفاق النووي
هدّد الرئيس الأميركي أمس بإلغاء الاتفاق النووي «في أي وقت»، إذا فشل الكونغرس في «تحسينه». وأوضح من البيت الأبيض «إذا لم نتمكن من إيجاد حل من خلال العمل مع الكونغرس وحلفائنا، فإن الاتفاق سينتهي. إنه يخضع للتدقيق الدائم ويمكنني كرئيس إلغاء مشاركتنا في أي وقت».
وقد يؤدي هذا القرار إلى عزل الولايات المتحدة على الساحة الدولية، إذ شددت كل من باريس ولندن وباريس وبرلين على أن الاتفاق النووي يحمي المصالح القومية لهذه الدول. فيما أكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أن لا سلطة للرئيس الأميركي دونالد ترمب لإلغاء الاتفاق حول البرنامج النووي لإيران.