Blade Runner
(1982)
صائد البشر المزوّرين
مع خروج الفيلم الجديد Blade Runner 2049 وقبل مشاهدته، أو حتى بعدها، يقترح فيلم ريدلي سكوت الأصلي «بلايد رَنـر»، المنتج قبل 35 سنة، نفسه كضرورة موازية لمشاهدته من جديد. إن لم يكن لشيء فلمعرفة جذور الحكاية الواردة في الفيلم الحالي (إخراج الكندي دنيس فلينييف) ولصالح الإحاطة بكل ما سبقها من أحداث أدّت، في الفيلم الحالي، إلى أحداث جديدة ومفارقات مختلفة.
لا يكفي المشهد الذي يجمع بين هاريسون فورد (بطل الفيلم الأول) ورايان غوسلينغ بطل الفيلم الجديد الذي يميط اللثام قليلاً عن خلفية ما يدور. في الوقت نفسه، فإن «بلايد رَنر» السابق هو من الأهمية كفيلم قائم بحد ذاته بحيث لا يحتاج لمبررات لإعادة تقديمه مع أو من دون الربط مع الفيلم الجديد.
إنه الفيلم الكلاسيكي الفعلي للمخرج ريدلي سكوت وقد استوحاه عن رواية كاتب الخيال العلمي فيليب ك. دِك المعنونة «هل يحلم الأندرويدز بخراف إلكترونية؟». الرواية، كما الفيلم ذاته، حملت، لجانب عنصر الخيال العلمي، عنصر أفلام التحري. كل ما في الأمر أن بطله التحري رك ديكارد (هاريسون فورد) يعيش في كنه حكاية مستقبلية. أما معالجة المخرج سكوت فهي بوليسية وداكنة ما دفع النقاد الغربيين، عن صواب، لاعتبار العمل «فيلم نوار مستقبلي». وصف «فيلم نوار» ساد أفلام الجريمة في هوليوود الأربعينات، حيث اصطحبت تلك الأفلام البوليسية معالجة داكنة للمشاهد كما للشخصيات ما جعل تلك الأفلام مختلفة عن الأفلام البوليسية المعتادة.
السؤال
فيلم سكوت كان بحثاً في احتمال أن يكون عالم الغد القريب يحتاج إلى تحريين يبحثون عن رجال ونساء غير آدميين لإلقاء القبض عليهم أو تصفيتهم. أحداث ذلك الفيلم تدور سنة 2019 (بعد عام ونصف من الآن) بعدما تمكن العلم من استنساخ البشر لخدمة الآدميين. لكن التجربة فشلت، إذ أقدم الإنسان المزيّـف على العنف وهاجم البشر الحقيقيين.
المطلوب من رك البحث عن نساء مستنسخات في مدينة لوس أنجليس. وما يجعل من الفيلم ثروة لعين المشاهد هو نجاح مصمم المناظر لورنس ج. بول وباقي العناصر الفنية المرتبطة بتصاميم الإنتاج والديكور في منح الصورة مكانتها الأولى لتقديم عالم مكتظ بالبشر ومجموعات اللاجئين وبقدر ملحوظ من التباين بين الطبقات الاجتماعية. تقع الأحداث في مدينة لوس أنجليس القابعة تحت سيل من المطر الملوّث طوال الوقت. السماء القريبة مشغولة بسيارات طائرة بينما يتيح تصوير جوردان كرووننوث الإلمام بباقي الصياغة الطبقية المذكورة بالانتقال بين مشاهد داخلية لأماكن نـظيفة وفسيحة وبين تلك المشاهد الخارجية على اكتظاظها وخلوها من ملامح إنسانية.
المهمّة الموكلة لبطل الفيلم صعبة وهو يمارسها مضطراً. وإحدى المستنسخات اللواتي يتصدرن بحثه فتاة اسمها راتشل (شون يونغ) متطوّرة عن باقي البشر المزيفين، إذ تم إيداعها ذكريات مموهة تجعلها تبدو للمحققين (من أمثال رك) آدمية ومتمتعة بالأحاسيس على عكس باقي المستنسخين. ما يثير السؤال في النهاية ولا يحاول الفيلم تأكيده أو نفيه، هو احتمال أن يكون رك نفسه نتاجاً علمياً وليس من عنصر آدمي أصيل.
هناك ثلاث نسخ من الفيلم توالى ظهورها متباعدة. النسخة الأولى هي لتلك التي عرضت في صالات السينما سنة 1982، والثانية حملت عنوان «نسخة المخرج» (Director›s Cut) وتم إطلاقها سنة 1992 والثالثة خرجت قبل عشر سنوات تحت اسم «النسخة الأخيرة» (Final Cut).
النسخة الأفضل هي الثانية كونها منحت الفيلم النهاية التي كان المخرج اختارها قبل أن تحذفها شركة الإنتاج (وورنر). أما الثالثة فقد أضافت للحكاية وأحداثها عدداً من المشاهد التي ألغت الكثير من عنصر الغموض. شغل سكوت البصري أخاذ في أي من هذه النسخ. لكن الحكاية محدودة الاهتمامات وبينما السرد يتمتع بما يحتاجه من مشاهد تشويقية فإن الأحداث تبقى بلا عمق أبعد كثيراً مما توحي به المشاهد المرتسمة.
سنوات السينما
سنوات السينما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة