الوضع الشائك
> واقعنا السينمائي غريب كونه مكتظ بالتناقضات. والأغرب منه أن بعضنا يطالب بالشيء وإذا ما تحقق، يطالب بعكسه.
> ما هو غريب في سينمانا أن أفلامنا العربية الحديثة باتت تسافر إلى نحو ثلاثين مهرجانا في العام. أكثر من أي وقت مضى، هناك أفلام تعرض في القارات الخمسة طوال أشهر السنة تقريباً. خذ مثلاً «ذاكرة اللون الخاكي» (حسب العنوان والمقصود به البذلة العسكرية ذات اللون الكاكي) تجده الآن في مهرجان طوكيو وفي مهرجان مالمو. «اشتباك» انتقل بين 14 مهرجانا في العام الماضي. ومنذ مطلع هذه السنة انتشر في 12 مهرجانا آخر. وهذا شبيه بفيلم «يا طير الطاير» الذي انتشر ما بين 2016 وحتى اليوم على شاشات 15 مهرجانا دوليا.
> نتكلم عن أفلام جيدة ومختلفة وعن مهرجانات تتوزع من نيويورك إلى كايب تاون ومن ستوكهولم إلى كالكوتا. ثم نتساءل عن السبب وراء هذا النجاح الحالي للسينما العربية؟ هل هو نجاح لها بالفعل أو أن المهرجانات، على كثرتها، باتت مثل محلات المول تبيع كل البضائع المستوردة؟
> حتى لا نكون متجنين فإن الكثير من الأفلام العربية الجديدة تستحق. ما ذكرته أعلاه ثلاثة أمثلة من نحو خمسين فيلما في الأعوام الخمسة الأخيرة. لكن الكثير منها نجح لأن المنطقة العربية تمر بوضع شائك سياسيا ليس أقله الحروب المتفجرة وما أسسه التطرف من ردود فعل. هناك من يحاول أن يفهمنا والمهرجانات ترغب في أن تتيح للمشاهد الغربي هذا الفهم. الأفلام المذكورة تحيط بجوانب مختلفة كلها «قضايا» كيفما قلبتها. الفيلم الفني الخالص ليس من بينها.
> ثم هناك حالات التناقض التي يعيشها النقاد والمثقفون العرب: إذا ما تم تمويل فيلم عربي من مؤسسة غربية، صرخ هؤلاء منددين واعتبروا الفيلم مبيعاً للغرب. ماذا نتوقع من المخرجين الباحثين عن فرص إذا ما كان السبيل الوحيد أمام الكثير منهم هو اللجوء صوب المنتج الأجنبي؟
> إذا طرح الفيلم جانباً من موضوع يعيرونه بأنه أغفل الجانب الآخر، كما لو أن على كل مخرج تحقيق فيلم لا يتجاهل فيه جانباً أو وجهاً من وجوه الموضوع الذي يثيره. وإذا ما جاء فيلم ما غامضاً ليحث على التفكير انتقدناه. إذا ما كان واضحاَ انتقدناه أيضاً.
> ما سبق، إذن، حالة من التناقضات التي تعيشها السينما العربية وهناك سواها الكثير. إنها ليست مجرد آراء، بل هي محض مساهمات تنطلق من ذوات نقاد وكتاب باتت الصورة الصحيحة غير واضحة فيتم الاعتماد على ما يعتقده الناقد أنه صحيح. وهو لا بد أن يكون صحيحاً طالما هو صادر عنه
م. ر