لا تزال أزمة الطلاب الموريتانيين في مصر مع سفارة بلدهم في القاهرة مستمرة، رغم التهدئة والابتعاد عن التصعيد، فيما تؤكد السفارة أن ملف المقاعد الجامعية المعفاة من الرسوم لم يعد بحوزتها، وإنما أصبحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الموريتانية هي التي تتولى تسيير وتوزيع هذه المقاعد المجانية التي تقدم سنوياً من طرف السلطات المصرية، في إطار اتفاقية التبادل الثقافي بين البلدين.
- مصير مجهول
الأزمة اندلعت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما نظم طلاب موريتانيون اعتصاماً داخل مباني السفارة، وهو الاعتصام الذي لوح السفير الموريتاني في القاهرة باستدعاء الشرطة المصرية من أجل فضه، وأثيرت ضجة إعلامية كبيرة في موريتانيا حول هذا التهديد، ولكن بعد مفاوضات بين الطلاب وجهات داخل السفارة تم التوصل إلى تسوية ودية مكنت من فض الاعتصام بطريقة سلمية.
ومع أن الطلاب توقفوا عن الاحتجاج أمام وداخل مباني السفارة في القاهرة، إلا أنهم يؤكدون أنهم يواجهون هذا العام الجامعي (2017 - 2018) «مصيراً مجهولاً وواقعاً صعباً»، بعد أن «رفضت» السفارة منحهم مقاعد التبادل الثقافي التي يصل عددها إلى أكثر من 90 مقعداً جامعياً معفاة من الرسوم تمنحها الجامعات المصرية سنوياً للطلاب الموريتانيين، وكانت السفارة هي التي تتولى توزيعها ويكفي للحصول عليها التقدم بملف وطلب بسيط.
- تحت وصاية وزارة التعليم
في آخر تطورات الأزمة، وجه الطلاب الموريتانيون في مصر رسالة مفتوحة إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، يطالبونه فيها بالتدخل الفوري من أجل حل الأزمة و«منع ضياع مستقبل عشرات الطلاب الجدد»، وفق نص الرسالة. وفيما يتهم الطلاب السفارة الموريتانية في القاهرة بالتلاعب بهذه المقاعد المجانية، والمماطلة في منحها للطلاب الذين يستحقونها، نفت السفارة هذه التهمة، وقال مصدر مأذون في السفارة لـ«الشرق الأوسط» إنها لم تعد مسؤولة عن تسيير ومنح هذه المقاعد الدراسية، التي أصبحت تحت وصاية مباشرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في نواكشوط.
وأوضح المصدر ذاته أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي الموريتاني سيدي ولد سالم، وقع على اتفاقية مع الجانب المصري، في يوليو (تموز) الماضي، تتولى بموجبها الوزارة تسيير هذه المقاعد الدراسية؛ وذلك ضمن خطة موريتانية جديدة تهدف إلى تسيير المنح الدراسية واستغلالها من أجل تكوين خبرات وطنية في تخصصات مطلوبة في السوق.
وقالت السفارة الموريتانية في القاهرة إن جميع ملفات الطلاب التي كانت بحوزة ملحقيتها الثقافية تمت إحالتها إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في نواكشوط، وذلك من أجل دراستها واتخاذ الإجراء المناسب بشأنها، بناء على طلب من الوزارة. وأضافت أنه «ليس للسفارة ولا الملحقية الثقافية أي دخل في ذلك، لأن هذا هو الإجراء الإداري الطبيعي المتبع في جميع السفارات، حيث تتلقي السفارة لائحة من الوزارة الوصية، والسفارات ملزمة بتنفيذ التوصيات التي ترد منها»، وفق تعبير المصدر.
واستغرب المصدر ضغط الطلاب المستمر على السفارة وملحقيتها الثقافية، بدل التوجه إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ الجهة الوصية على توزيع المنح الدراسية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه «في السنوات الماضية عندما كانت المقاعد توزع من طرف السفارة لم تحدث أي مشاكل، والطلاب يشهدون على ذلك»، وفق تعبير المصدر.
- صخب إعلامي
في ظل تفاعل الأزمة بين الطلاب والسفارة، وتداولها على نطاق واسع في الصحافة المحلية الموريتانية، لا تزال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تلتزم الصمت حيال الموضوع، مع أن الوزير سيدي ولد سالم كان قد استقبل في مكتبه بنواكشوط السفير المصري المعتمد لدى موريتانيا ماجد مصلح نافع، خلال الأيام الأولى للأزمة.
ومع أن اللقاء انتهى من دون الإدلاء بأي تصريحات صحافية، فإن الوكالة الموريتانية للأنباء (الرسمية) قد كتبت في برقية إخبارية مقتضبة أن اللقاء خصص «لاستعراض علاقات التعاون القائمة بين البلدين الشقيقين، وسبل تطويره، خاصة فيما يتعلق باختصاص قطاع التعليم العالي والبحث العلمي»، من دون إعطاء تفاصيل أكثر.
وحظيت الأزمة بين الطلاب والسفارة بتغطية إعلامية واسعة من طرف الصحافة الموريتانية، وكانت محل اهتمام كبير لدى الرأي العام المحلي؛ إذ أعلنت عدة نقابات طلابية عن دعمها هؤلاء الطلاب؛ واتهمت هذه النقابات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالهيمنة على منح الطلاب في ظل شكوك حول «نزاهة» آلية التوزيع المعتمدة من طرف الوزارة.
- تضامن طلابي
الاتحاد العام للطلاب الموريتانيين أعلن وقوفه إلى جانب الطلاب الموريتانيين في مصر «حتى تتحقق مطالبهم»، ودعا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى «العدول فورا عن قرار تولي تسيير وتوزيع المقاعد الجامعية المصرية، ومنح التسجيل للطلاب عن طريق السفارة كما جرت به العادة في السنوات المنصرمة».
أما الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، وهو واحد من أكثر التنظيمات الطلابية قوة وتنظيماً، فقد أصدر بياناً صحافياً أعلن فيه رفضه القاطع لما قال إنه «الاعتداء على الطلاب الموريتانيين في مصر وتهديد السفارة الموريتانية لهم دون مبرر»، مشيراً إلى أنه يتوجب حل الأزمة في أسرع وقت وإلا فإنه سيدخل على خط التصعيد في جامعة نواكشوط.
وتمنح مصر ما يزيد على 90 مقعدا جامعيا كل عام لصالح الطلاب الموريتانيين، تتوزع على النحو التالي: 40 مقعدا في إطار اتفاقية مع وزارة التعليم العالي، و30 مقعداً في إطار اتفاقية مع وزارة الصيد، و22 مقعدا تقدمها وزارة الخارجية المصرية.
- اتفاقية تعاون
في آخر اتفاقية تعاون موقعة بين مصر وموريتانيا في شهر مايو (أيار) الماضي، وضع البلدان أسس تعاون وشراكة بين «الشركة الوطنية المصرية للثروة السمكية والأحياء المائية» والحكومة الموريتانية، في مجال التأهيل والتدريب والبحث العلمي والاستزراع السمكي، وبناء سفن الصيد وإدارة الموانئ والتفتيش الصحي وجودة المنتج والاستثمار والتصنيع والتثمين والتبادل التجاري.
وتأتي هذه الاتفاقية في ظل توجه موريتانيا نحو تنفيذ استراتيجية وطنية لتشجيع الموريتانيين على العمل في قطاع الصيد؛ إذ تعد موريتانيا واحدة من أغنى دول العالم بالأسماك، ولكن أغلب العاملين في هذا القطاع من الأجانب (سنغاليون وماليون وغامبيون)، بسبب عزوف الموريتانيين عن البحر نتيجة لثقافة بدوية متجذرة في المجتمع، ومن المنتظر أن يتم تكوين آلاف الموريتانيين على مهن متعددة في مجال الصيد.
وتشير الاتفاقية الأخيرة مع مصر إلى أن الطلاب الموريتانيين سيستفيدون من منح دراسية مجانية في المؤسسات التعليمية المصرية في مجال علوم البحار والثروة السمكية، وذلك مساهمة من مصر في دعم الاستراتيجية الموريتانية لتوجيه مواطنيها نحو العمل والاستثمار في قطاع الصيد.
وبموجب هذه الاتفاقية، ستقدم جامعة الإسكندرية 10 منح دراسية مجانية للطلاب الموريتانيين في مرحلة الدراسات العليا، مقسمة إلى 5 منح دكتوراه، و5 منح للماجستير. وكذلك 10 منح دراسية مجانية لمرحلة الدراسات العليا من جامعة كفر الشيخ في تخصص الثروة السمكية وعلوم البحار. كما يقدم المعهد القومي لعلوم البحار التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي 15 منحة للدراسات العليا للطلاب الموريتانيين في مختلف التخصصات البحرية.
الطلاب الموريتانيون في مصر... أزمة في توزيع 90 مقعداً جامعياً مجانياً
السفارة أحالت الملفات إلى وزارة التعليم العالي والأخيرة تلتزم الصمت
الطلاب الموريتانيون في مصر... أزمة في توزيع 90 مقعداً جامعياً مجانياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة