قبل ثماني سنوات كان الشقيقان ندى وبلال يكلفان عائلتهما مائتي دولار يومياً لإنجاز دروسهما مع متخصص نفسي بعد دوام المدرسة، لأن الأم عجزت عن مساعدتهما، وهما يعانيان من عسر في القراءة. يومها احتاجت أم الطفلين أربع سنوات، كي تدرك ما الذي يعيقهما عن التقدم رغم اهتمامها الشديد وعنايتها التي لا تنقطع.
اليوم بات لهؤلاء الأطفال جمعيات تعنى بهم بالمجان، وقدرة أوفر على التشخيص المبكر في المدارس اللبنانية. الوضع تغير بسرعة لحسن الحظ، ويصادف يوم غد يوم «الصعوبات التعلمية» حيث سيكون احتفال بالتعاون بين جمعية «كليس» ووزارة التربية اللبنانية.
والهدف من هذا النهار هو تسليط الضوء على الفرق الكبير بين التلاميذ الذين يعانون «صعوبات تعلمية» و«ذوي الاحتياجات الخاصة». فالفئة الثانية تشخيص وضعها أسهل في الصفوف المدرسية، بينما تعاني الفئة الأولى من جهل في طريقة التشخيص أو إمكانية العلاج.
والأولاد الذين يعانون «صعوبات تعلمية» ليسوا فئة واحدة، ولا تتم مساعدتهم بنفس الأسلوب. فهناك من يعانون صعوبة القراءة، أو صعوبة الكتابة، وغيرهم صعوبة في الحساب، أو النطق، وهناك من هم مصابون بمشكلة فرط الحركة والنشاط أو قلة التركيز. وهؤلاء مثلاً الذين يحتاجون مساعدتهم على التركيز، يعطون المعلومات المهمة فقط دون تشويشهم بأفكار جانبية، وتقدم لهم واحدة بعد أخرى، لعدم إرباك أذهانهم. كما أنه يتم الانتباه لعدم إجلاسهم بالقرب من نافذة مثلاً أو تعريضهم لمواقف تشتت انتباههم.
«تظهر الإحصاءات التقريبية أن 10 في المائة تقريباً من تلامذة المدارس بين عمر 3 إلى 12 سنة يشكون من صعوبات تعلمية ويحتاجون مساعدة» تخبرنا رئيسة جمعية «كليس» أو «المركز اللبناني للتعليم المختص كارمن دبانة، وهي الجمعية الأولى التي تأسست لتعنى بهؤلاء الأطفال عام 1999، وتكمل: «أي أنه في كل صف يوجد فيه 30 طفلاً هناك ثلاثة منهم يعانون، وإذا ما تركوا فإنهم لن يتمكنوا من بلوغ أهدافهم أو مجاراة زملائهم». هذا العدد لا يشمل الذين يتقاعسون لعدم رغبة منهم، أو لسوء علاقة مع معلمتهم وأشياء أخرى.
الأطفال الذين يعانون صعوبات تعلمية يطلق عليهم اسم «الأطفال المنسيون» لأنهم نادراً ما تظهر عليهم أي علامات تؤشر إلى اختلاف ظاهري يميزهم عن الآخرين. وغالباً ما يتهمون بالكسل والتقصير، وينبذون ويهمشون ويتركون دون اهتمام».
عام 2016 أصدرت وزارة التربية اللبنانية قراراً بالتعاون مع جمعية «كليس» التي تقوم بتدريب ما يقارب 100 معلم ومعلمة سنوياً بوجود اختصاصيين، وفتحت صفوفاً للدعم في أكثر من 100 مدرسة رسمية وخاصة تستقبل التلامذة ضمن مواعيد صفوفهم اليومية. «وهو ما جاء بنتائج ممتازة» تشرح السيدة دبانة لـ«الشرق الأوسط». «فليس هدفنا أن نجعل من كل طفل من هؤلاء محامياً أو طبيباً أو مهندساً وليس بالضرورة أن يكملوا المرحلة الجامعية، وإنما أن نقف إلى جانبهم ليتمكنوا من مواكبة الأطفال من رفاقهم، والسير بمحاذاتهم بنجاح.
صار لجمعية «كليس» ثماني مراكز تشخيصية في المحافظات اللبنانية، وهناك تعاون وثيق مع المدارس التي ترسل الأطفال، لمعرفة أنواع صعوباتهم. والخدمات تقدم مجاناً تقريباً. وتقول دبانة: «أطفالنا منهم من تخرج كمهندس معماري، وهناك واحد يعمل في دائرة الجمارك، وثالث فتح صالوناً خاصاً به. وهذا ما نريده، أن يصبح لكل طفل مهنته، وحياته الخاصة، ويبني مستقبله تبعاً لطموحاته وقدراته».
في صفوف الدعم معلمات مدربات، وفي الجمعية أطباء نفسيون يشرفون على العمل، وهناك خطة سنوية يعاد تقويمها، والعمل كثير ولبنان بحاجة لكل من يريد أن يسهم في المساعدة.
وغالباً ما يعتمد تعليم هؤلاء الأطفال على طرق مسلية وعلى الفنون والترفية لجذبهم إلى التعليم، وتشجيعهم على بذل المزيد من الجهد، كما يشجعون على الكلام لمختصين نفسيين، ليتمكنوا من إيصال أفكارهم والتعبير عن معاناتهم. فغالباً، ما يصل الطفل إلى الجمعية بعد سنوات من الرسوب، وتجربة مريرة، وهو ما يحتاج مساندة من الأهل وتعاوناً من المدرسة، وجهداً من الجمعية.
يوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) ستخصص محطة «إم تي في» وبالتزامن مع يوم الصعوبات التعلمية حلقة تلفزيونية خاصة، تقدمها منى أبو حمزة، لمزيد من التوعية وتعريف الناس بكثير من الحالات التي قد يجهلون كيفية التعامل معها.
لبنان ينضم إلى دول تحيي «يوم الصعوبات التعلّمية»
إنشاء جمعيات للتشخيص والمتابعة بالمجان
لبنان ينضم إلى دول تحيي «يوم الصعوبات التعلّمية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة