صدرت في يوليو (تموز) الماضي ترجمة لكتاب «ملف غوغل» قام بها عدنان عباس علي، وهو من تأليف: تورستن فريكة وأولريش نوفاك. عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، وهو كتاب يطرح موضوعا حساسا عن شركة بدأت جنينية كمحرك للبحث على الويب، لتصبح من أكبر الشركات العالمية، إنها غوغل والتي تشتغل بمادة أولية هي البيانات الخاصة التي نقدمها بكل طواعية، ليعاد تشغيلها كبضاعة، وتمت الخطورة لأن خصوصيتنا تصبح في مهب ريح السوق العالمية، بل ويسهل التجسس علينا ما دام أننا أصبحنا بشفافية الزجاج. إن الكتاب غني جدا، فلنقف عند بعض جوانبه:
كانت البداية في ولاية الذهب «كاليفورنيا» إحدى أهم الولايات بأميركا وبالضبط داخل أعرق الجامعات ونقصد جامعة ستانفورد التي حصل ثلاثون من خريجيها على جائزة نوبل، والتي تعلم فيها العديد من الرموز الفاعلة في المشهد الأميركي بل العالمي ونذكر على سبيل المثال كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة)، في هذه الولاية وهذه الجامعة التقى شابان طموحان وبمهارات رياضية وتقنية عالية إنهما: لاري بيج Larry Page وسيرغي برين Sergey Brin، اللذان اختارا كبحث لنيل درجة الدكتوراه موضوع «صياغة محرك بحث لتحليل وترتيب صفحات الويب وفق أهمية كل صفحة». وسيتحقق لهما الأمر على أرض الواقع، ليكون نتاج عملهما هو «غوغل» الذي أحدث انعطافة وتحولا مهولا في تاريخ البشرية.
لقد اختار المؤسسان للمحرك أسماء كثيرة مثلا: What Box وWet Box لكن وما دام أن محرك البحث يدور حول التنقيب وتنسيق وترتيب المعلومات الهائلة، فنحن أمام مهمة رياضية ضخمة بشكل لا يصدق، الأمر الذي دفعهما إلى اختيار اسم ذي صبغة رياضية وهو «غوغل» وذلك سنة 1997. فـ«غوغل» Google اسم محول ومأخوذ من Googol وهو مصطلح رياضي يشير إلى 10 أس 100. أو لنقل واحد يليه مائة صفر.
في عام 1998 سيعرض لاري بيج وسيرغي برين تقنيتهما في التنقيب في شبكة الويب، على أحد المغامرين من خبراء علوم الحاسوب والمسمى «بيشتولسهايم» فأعجب بعملهما إلى حد أنه وبعد عشر دقائق فقط من اطلاعه على المحرك حرر لهما شيكا بمبلغ 100 ألف دولار أميركي لتمويل جزء من نفقات المشروع، لكن وللتمكن من صرف قيمة الشيك وجب عليهما تأسيس شركة باسمهما، والتي ستبدأ في مرآب للسيارة سيستأجره بيج ورين بمقدار 1700 دولار. وكانت تلك هي الانطلاقة الأولى نحو تغيير مشهد الإنسانية، لينضم إلى هذه الشركة الجنينية مجموعة من المستثمرين الذين سيشكلون مجمع غوغل: Googleplex الذي سيصبح عملاقا يستحوذ على العديد من الشركات الأخرى وفي قطاعات متعددة. والتي يذكر لنا الكتاب في آخره لائحة بأسمائها والتي بلغت 174 شركة تم التهامها بلا رحمة من طرف غوغل. وذلك من سنة 2001 إلى 2014.
يؤكد الكتاب على أنه رغم أن شركة «آبل» و«شل» و«وول مارت» تعد من الشركات العالمية الكبرى إلا أن شركة غوغل أصبحت تحتكر مصدرا ماليا هائلا وتدفقا للأرباح يزداد يوما بعد يوم.
إن غوغل استطاعت الاستحواذ على جزء هام من حياتنا اليومية، كما اجتاحت كل أرجاء المعمورة، فمن منا الآن لا يستعين بها للحصول على خدماته المطلوبة؟ فيكفي أن تشغل هاتفك الذي يعمل بنظام «أندرويد» أو تقوم بمشاهدة أشرطة فيديو على «يوتيوب» حتى تجد نفسك تستخدم أحد منتجات غوغل. فلا أحد يقدر في زماننا الاستغناء عنها، فالاقتصادي والسياسي والإعلامي والعالم والمواطن العادي.... الكل يستنجد بخدماتها.
لقد بدأ غوغل بشعار رومانسي وهو «لا تكن شريرا» لكن وجراء الربح المستمر أصبحت إحدى كبرى شركات العالم في تحقيق الأرباح، فهي تحتل المرتبة الثانية بعد آبل ولربما بخطوة واحدة يمكن أن تحتل الصدارة، لقد تركت وراءها كوكاكولا ومايكروسوفت وأي.بي.إم (IBM)، بل ألم تتراجع شركة البترول العملاقة: إكسون موبيل Exxon Mobil إلى المرتبة الحادية والأربعين في سلم التصنيف. مما يؤكد على أن البترول الحقيقي الآن والمحرك لعجلة العصر الجديد قد أصبح هو البيانات والمعلومات.
لقد أصبحت شركة غوغل منافسا شرسا للعديد من القطاعات الاقتصادية بل تشكل لهم رعبا يهدد تواجدهم في السوق ويكفي التذكير كمثال بشركة «أوبر» والمتخصصة في توفير خدمة السائق الخاص وبحسب الطلب، وكيف أن ذلك يزعزع مداخيل أصحاب سيارات الأجرة ووجودهم المهني ويؤثر على العديد من وسائل النقل العام، بل يهدد العديد من وكالات الأسفار بالإغلاق إلى درجة أن النقابات في ألمانيا تصرخ من مخاطر هذه المنافسة والتي تسميها بـ«غير العادلة»، ونفس الأمر يقال على دور النشر وعلى وسائل الإعلام المطبوعة، فهؤلاء أيضا أصبح مستقبلهم المهني غامضا من جراء الاستخدام الرقمي المتزايد، والسير نحو تعويض الكتاب الورقي بالإلكتروني.
تزداد قوة شركة غوغل بقدرتها الهائلة على تكديس البيانات الضخمة Big Data وهو الأمر الذي يراه البعض خيرا، إذ استطاعت هذه الشركة تسهيل الحياة وتخفيض تكاليف معيشتنا، لكن هناك من يرى في ذلك ثمنا باهظا وهو أن غوغل تتضخم كقوة اقتصادية بالتعدي على خصوصية الناس وانتهاك حرماتهم وهو ما يسمى بـ«التعري الرقمي» الذي جعلنا شفافين كأننا زجاج. فإمكانية مراقبتنا أصبحت سهلة وهو ما يفزع حقا، إن البيانات تلعب الآن دور القاعدة الذهبية في الاقتصاد العالمي، إذ أن معلومة بسيطة حول موضوع معين تتحول إلى بضاعة في الحال، فالباحث في الشبكة العنكبوتية يتحول شاء أم أبى إلى مورد للبيانات والمعلومات.
إن الكتاب في عمومه يريد أن يؤكد على أن غوغل باتت تحدد نمط حياتنا وترسم ملامح السياسة وتقرر مسار الاقتصاد، الأمر الذي جعل تحذير خبير الإنترنت: جارون لانيرJaron Lanier يؤخذ بمحمل الجد حينما قال: «إنك لست زبون شركات الإنترنت العملاقة، إنك منتج من منتجاتها».
حينما تصبح البيانات الخاصة بترول العصر
بدأ غوغل بشعار رومانسي وهو «لا تكن شريراً»
حينما تصبح البيانات الخاصة بترول العصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة