عادت تركيا للحديث عن احتمال قيامها بعملية عسكرية في عفرين بريف حلب (شمال سوريا) لـ«تطهيرها» من «وحدات حماية الشعب» الكردية (الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري). وجاء هذا التلويح في وقت أعلن الأتراك عن مفاوضات تجري مع كل من الروس والإيرانيين لإقامة منطقة لخفض التصعيد في الشمال السوري.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مقابلة مع وكالة أنباء «الأناضول» الرسمية، أمس الثلاثاء، إن بلاده ستعمل على تطهير مدينة عفرين من عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الذي وصفه بـ«الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا. وأضاف: «يتعيّن تطهير مدينة عفرين من العناصر الكردية الإرهابية... لن نسمح بتشكيل كيان إرهابي في شمال سوريا، فتشكيل حزام إرهابي على الجانب الآخر من حدودنا يشكل خطراً على تركيا».
وتابع أن وجود حزب «الاتحاد الديمقراطي» شمال سوريا يشكّل خطراً وتهديداً أيضاً على وحدة الأراضي السورية، لافتاً إلى أن تركيا ترد بالمثل على أي هجمات تأتي إليها من عفرين، وأن بلاده تفكر في «إزالة» هذا التهديد بشكل كامل.
وطالبت أنقرة واشنطن مراراً بإخراج عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية من عفرين إلى شرق الفرات، لكن لم تتم استجابة مطالبها. وتعتمد واشنطن، في المقابل، على «الوحدات» الكردية كحليف رئيسي في الحرب على تنظيم داعش وفي العملية الحالية لتحرير مدينة الرقة من أيدي التنظيم الإرهابي.
وتحدثت تقارير إعلامية تركية في يوليو (تموز) الماضي عن الإعداد لعملية عسكرية كبيرة في شمال غربي سوريا باسم «سيف الفرات» على غرار عملية «درع الفرات» التي نفذتها تركيا مع فصائل من «الجيش السوري الحر» متحالفة معها في ريف حلب الشمالي. وستكون العملية الجديدة، بحسب هذه التقارير، أوسع من «درع الفرات» وتتضمن دخول 20 ألف مقاتل من «الحر» إلى عفرين بدعم من أكثر من 10 آلاف مقاتل تركي. لكن لم يصدر تصريح رسمي بهذا الخصوص حتى اليوم.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الشهر الماضي، إن تركيا لن تدخل حرباً شاملة بل سنتخذ تدابير أمنية على حدودها، معتبراً أن عمليات «درع الفرات» وعفرين ليست حرباً بل «عمليات ضد تنظيمات إرهابية». وخلال الأسبوع الماضي أعلن يلدريم أن بلاده تبحث مع روسيا وإيران إقامة منطقة خفض تصعيد في عفرين. ورعت روسيا وتركيا وإيران أربع مناطق لخفض التصعيد في جنوب سوريا وريفي دمشق وحمص، وأخيراً في إدلب، لكن مناطق ريفي دمشق وحمص وإدلب ما زالت تشهد قصفاً تشارك بتنفيذه طائرات روسية.
وقصفت تركيا على مدار الأشهر الماضية مواقع في عفرين ونقاط سيطرة «الوحدات» الكردية شمال حلب، باستخدام المدفعية المتمركزة على الحدود مع كيليس جنوب تركيا.
وبخصوص الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السورية، لفت جاويش أوغلو إلى أن التوصل إلى اتفاق في آستانة لا يكفي، بل ينبغي رؤية تطبيق ذلك الاتفاق على الأرض. وأوضح أن المراقبين الأتراك سيقومون بمهامهم في محافظة إدلب، بينما سيتولى مراقبون روس مهامهم خارج إدلب، وفي بعض المناطق المحددة الأخرى سيكون فيها مراقبون إيرانيون وروس لمنع الاستفزارات. وقال إنه من أجل تحقيق حل سياسي بشكل كامل في سوريا ينبغي أولاً الوقف التام للاشتباكات هناك. في سياق مواز، قال وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، إن رئيس النظام السوري بشار الأسد فقد شرعيته، وإن الشعب السوري هو من يحدد نمط الحكم في البلاد، مضيفاً أن تركيا تعمل على إيجاد الأرضية الملائمة لإعداد دستور جديد في سوريا، وأن الشعب السوري هو من سيصوت على هذا الدستور.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لأنقرة الأسبوع الماضي أن مناطق خفض التصعيد في سوريا هي مقدمة لإنهاء الحرب. وتفضّل تركيا إرسال مراقبين إلى إدلب السورية في إطار اتفاق مع روسيا وإيران. ويُعتقد أن الاتفاق الروسي - التركي - الإيراني في خصوص إدلب سيأخذ في الاعتبار مطالب النظام السوري الذي لا يرغب في وجود عسكري تركي في هذه المحافظة.
ويرى مراقبون أتراك أن تدخل تركيا في إدلب بشكل مباشر أمر ضروري للحفاظ على أمنها واستقرارها وللحيلولة دون تعاظم قوة الجماعات المتطرفة الموجودة بداخلها ولمنع القوى الأخرى من التمركز فيها بحجة مكافحة هذه الجماعات، لكن تركيا لا تمتلك حالياً المقومات والآليات التي من خلالها تستطيع تحقيق هذا الأمر، لأن «جبهة النصرة» تتمتع بقوة كبيرة حالياً في إدلب وتتفوق على بقية الفصائل المعارضة ولديها إدارة مركزية هناك، كما أن فصائل المعارضة الأخرى التي تتفوق على «النصرة» في العدد تفتقر إلى الوحدة فيما بينهم. ويُعتقد أن إقصاء «النصرة» عن إدلب سيكون له ثمن باهظ من الناحية البشرية والعسكرية والمالية.
وكشفت مصادر تركية أن أنقرة تحاول منذ فترة تطبيق استراتيجية متعددة الأبعاد في مكافحتها للمجموعات المتطرفة في إدلب. ويتمثل البعد الأول في هذه الاستراتيجية في محاولة «تمزيق هيئة تحرير الشام» (التي تضم «النصرة») من الداخل، من خلال إقناع بعض المجموعات التي تعمل تحت مظلة «الهيئة» بالانشقاق عنها. وبدأت بعض الفصائل بالفعل بالابتعاد عن «الهيئة»، مثل «حركة نور الدين الزنكي»، لاعتقاد المبتعدين بأن «هيئة تحرير الشام» لا مستقبل لها في البلاد وباتت مكونة من عناصر «جبهة النصرة» وحدهم.
ويتمثّل البعد الثاني في توحيد صفوف المعارضة المعتدلة وتقويتها. وتسعى أنقرة إلى جمع قوات «الجيش السوري الحر» المشتتة في إدلب، تحت سقف واحد. وفي هذا الإطار، وجّه «المجلس الإسلامي السوري» أواخر أغسطس (آب) الماضي نداءً إلى فصائل «الجيش الحر» للتوحد وتشكيل «الجيش الوطني السوري». ومع نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، وصل عدد الفصائل التي استجابت النداء إلى 44 فصيلاً من أصل 63 تتبع «الجيش الحر» المدعوم من الأتراك.
وتؤكد المصادر أنه على الرغم من محاولات إضعاف «هيئة تحرير الشام» في محافظة إدلب، فإنها ما زالت قوية على الأرض، وما زالت فصائل المعارضة مفككة، وبالتالي فإن التدخل الخارجي بات محتماً لتحقيق هدف القضاء على «الهيئة» أو إضعافها.
في غضون ذلك، دفع الجيش التركي بالمزيد من التعزيزات شملت عربات وقود مصفحة إلى الحدود في بلدة الريحانية التابعة لولاية هطاي الحدودية مع سوريا. وذكرت هيئة أركان الجيش التركي، في بيان، أنه تم إرسال أربع عربات وقود، ستعمل على تزويد الآليات العسكرية على الحدود بالوقود.
ويواصل الجيش التركي منذ أسبوعين إرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود السورية، استعداداً للانتشار في إدلب.
أنقرة تعاود التلويح بعملية عسكرية ضد الأكراد في عفرين
سيناريوهات لإضعاف «جبهة النصرة» في إدلب
أنقرة تعاود التلويح بعملية عسكرية ضد الأكراد في عفرين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة