يبدو أن التفاهمات السياسية التي توصل إليها «التيار الوطني الحر» سواء كانت مع تيار «المستقبل» أو «القوات اللبنانية» في الآونة الأخيرة، ليست متينة أو بمستوى متانة تفاهمه مع «حزب الله» المستمر منذ العام 2006. وعلاقة «التيار الوطني الحر» الذي كان يرأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل أن يمسك بزمامه وزير الخارجية جبران باسيل، مع معظم الأطراف السياسية تمر منذ فترة بالكثير من التأزم وإن كان هناك قرار غير معلن لدى قيادته بـ«اتباع سياسة مراعاة الخواطر للحؤول دون انهيار أي من هذه التفاهمات والتحالفات».
ولعل التناقضات الكبيرة المحيطة بهذه التحالفات، تشكل التحدي الأبرز بالنسبة للتيار الذي يحاول التوفيق بين الرؤى والأجندات المتضاربة للفرقاء الذين باتت تجمعه بهم تفاهمات بعضها مكتوب وبعضها الآخر معلن وأدت لإرساء التسوية التي أتت بالعماد عون رئيسا للجمهورية وبسعد الحريري رئيسا للحكومة، بحسب مصادر. وأضافت أن الخلاف السياسي الذي نشب على خلفية اللقاء الذي جمع الوزير باسيل بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، بغياب أي قرار حكومي بالتواصل مع النظام السوري ترك تداعياته على العلاقة مع تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية»، وهو ما انعكس سجالا بين باسيل ووزير الداخلية نهاد المشنوق (المحسوب على تيار المستقبل) من جهة، وبينه وبين وزير الإعلام ملحم رياشي (المحسوب على القوات) من جهة أخرى.
لكن المؤشر الأبرز للتصدعات التي أصابت العلاقة بين «التيار» و«المستقبل»، بحسب مصادر، مقاطعة الأخير عبر نوابه ومسؤوليه كما وسائل إعلامه للزيارة التي قام بها باسيل مؤخرا إلى منطقة عكار في الشمال اللبناني، رغم تراجع السجال حول هذا الملف بعد محاولات حثيثة بُذلت لاحتوائه على خط القصر الجمهوري – السراي الحكومي.
وتحاول مصادر قيادية في التيار التخفيف من وطأة هذا الخلاف، مشددة على أن العلاقة مع «المستقبل»، لا تزال «متينة وقائمة نظرا لتمسك طرفيها بها، وهو ما نعبّر عنه باستمرار وما عبّر عنه مؤخرا الرئيس الحريري»، لافتة إلى أن «الإنجازات الحكومية التي نشهدها لم تكن لتتحقق لولا استمرار مفاعيل التسوية والتفاهم بيننا وبين المستقبل». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نأخذ بعين الاعتبار الكثير من هواجس الفرقاء الذين نجلس معهم على الطاولة الحكومية، فمثلا نحن نعتبر التفاهم مع المستقبل والقوات مصلحة لبنانية، كذلك نعتبر التواصل مع النظام السوري في المرحلة الحالية لحل أزمة النازحين وتسيير بعض الملفات الاقتصادية، مصلحة لبنانية أساسية، ونحاول التوفيق بين الاثنتين». وأضافت: «راعينا الخواطر مثلا حين دعي وزير الاقتصاد لزيارة دمشق فارتأينا عدم تلبية الدعوة، لكن اللقاء مع المعلم كان لا بد منه كما إعادة فتح القنوات مع الدولة السورية».
وإن كان «المستقبل» و«القوات» تلاقيا مؤخرا حول رفض التواصل مع النظام السوري ما أعاد إلى حد بعيد إحياء تحالفي 8 و14 آذار، إلا أن رئيس دائرة الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور يؤكد أن هناك اتفاقا مع «المستقبل» حول الأمور الاستراتيجية الكبرى، لكن الخلاف قائم على معظم الأمور التفصيلية داخل الحكومة حيث يتلاقى الحريري مع التيار الوطني الحر. ولا يخفي جبور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الخلاف هو المسيطر حاليا على العلاقة مع تيار باسيل، وإن كان ذلك لا يعني القطيعة أو انقطاع التواصل. وأضاف: «على كل حال العلاقة القواتية العونية حققت أهدافها الرئيسية بعدم تحويل الاختلاف اليومي على شؤون شتى إلى خلاف كبير بعدما تم طي صفحة الصراع التاريخي».
وتأخذ بعض الأطراف في قوى «8 آذار» على «التيار الوطني الحر» ما تسميه «التمادي» بسياسة «مراعاة الخواطر»، وبخاصة من خلال التنازلات التي يقدمها بالملف المالي والاقتصادي وأبرزها بموضوع قطع الحساب للموازنة العامة، الذي طالما شكّل مادة إشكالية كبرى بين «المستقبل» و«التيار»، الذي كان يطالب بتقارير حول أنفاق الحكومات السابقة، خصوصا التي ترأسها الرئيس فؤاد السنيورة. وتم مؤخرا التوصل لتسوية بشأنه رافقت إقرار سلسلة الرتب والرواتب. لكن قيادة «التيار» التي لا تتردد باللجوء إلى منطق التسويات في الكثير من الملفات، تبدو حاسمة بملف حزب الله وسلاحه، وهو ما يجعل التحالف الأمتن الذي تشهده الساحة اللبنانية منذ أكثر من 11 عاما هو التحالف بين التيار والحزب. ولكن التحالف القوي بينهما لم ينسحب رغم الكثير من الجهود التي لا تزال تبذل على علاقة التيار وحركة «أمل» التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بحيث يمكن الجزم بأن العلاقة الأكثر توترا هي التي تجمع هذين الطرفين ما يترك تداعياته على مختلف الملفات السياسية والإدارية. ويختلف الطرفان في المرحلة الراهنة على موضوع الانتخابات النيابية وعلى التفاصيل المتعلقة بالإصلاحات ما يهدد الاستحقاق النيابي ككل، رغم إعلان الفريقين أكثر من مرة حرصهما على إجرائه بأسرع وقت ممكن، ودعوة الرئيس بري حتى لتقريب موعده.
وينسحب التوتر الذي يغلب على علاقة «التيار»– «أمل» على علاقة التيار مع «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط. وفشلت قيادة «الوطني الحر» بصوغ أي ورقة تفاهم مع الطرفين المذكورين رغم المحاولات المستمرة في هذا المجال.
ولا تنحصر التحديات التي تواجه «التيار الوطني الحر» على علاقاته مع القوى والأحزاب السياسية المختلفة، إنما يواجه تحديثا أساسيا داخل «التيار» نفسه والذي شهد في الآونة الأخيرة سلسلة انشقاقات لقياديين منه احتجاجا على قرارات اتخذها باسيل بوقت سابق. ويرجح أن ترتفع حدة التوتر داخل «التيار» خلال الأشهر القليلة المقبلة خاصة مع انصراف القيادة لاختيار مرشحيها للانتخابات النيابية خاصة أن مصادرها أعلنت أنّها لن تتوانى عن اختيار مرشحين غير حزبيين في حال رأت مصلحتها تقتضي السير بهم لتأمين الفوز المنشود.
«التيار الحر» يراعي الخواطر للحفاظ على تحالفاته
لقاء رئيسه مع المعلم أدى لتصدعات بعلاقته مع «المستقبل» و«القوات»
«التيار الحر» يراعي الخواطر للحفاظ على تحالفاته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة