الحكومة المصرية تدرس إقرار قانون لتجريم الزواج المبكر بعد انتقاد السيسي

محاكمة عاجلة لإمام مسجد زوّج 27 قاصرة

TT

الحكومة المصرية تدرس إقرار قانون لتجريم الزواج المبكر بعد انتقاد السيسي

في أول تحرك رسمي من السلطات المصرية عقب انتقادات الرئيس عبد الفتاح السيسي لظاهرة الزواج المبكر للفتيات، تدرس الحكومة التقدم بمشروع قانون لتجريم الزواج المبكر للفتيات دون 18 عاماً إلى مجلس النواب (البرلمان) خلال دور الانعقاد الثالث. بينما قررت السلطات القضائية إحالة إمام وخطيب مسجد للمحاكمة العاجلة على خلفية اتهامه بالتورط في تزويج ما يقارب 27 فتاة من الفتيات القاصرات اللائي لم يبلغن السن القانونية. وقال مصدر في وزارة الأوقاف إن «عقوبة خطيب المسجد قد تصل للفصل من العمل ومنعه من صعود المنابر نهائياً»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «عمل إمام المسجد كمأذون شرعي أمر مخالف للقوانين، ومرفوض من الأوقاف».
وزواج القاصرات في مصر دخل في نطاق شبكات منظمة وموسعة للاتجار بالبشر، بعد أن كان يقتصر منذ الثمانينات من القرن الماضي على مشروعات فردية للوساطة بين أهل الفتاة و«الزوج الثري»، أصبح نطاق العمل الحر في تلك الشبكات أكثر شمولاً وحرية منذ ثورة «25 يناير» عام 2011، لتشتهر قرى بعينها بإباحة زواج القاصرات، منها مدينة الحوامدية جنوب العاصمة المصرية القاهرة... فضلاً عن قيام عائلات بإتمام الزواج لأطفال صغار حفاظاً على ثرواتهم.
وانتقد السيسي في كلمته بحفل إعلان أول تعداد إلكتروني للسكان، أول من أمس، السماح بزواج الفتيات دون 18 عاماً، قائلاً: «البنات القاصرات يجب الحفاظ عليهن من ظاهرة الزواج المبكر، كيف تتحمل بنت في الـ12 من عمرها مسؤولية زواج وبيت... انتبهوا لأولادكم وبناتكم لأنني يؤلمني ذلك، ويؤلم أي إنسان لديه ضمير».
وأضاف: «وأنا أتحدث عن بنت عمرها 12 سنة وفوجئت أن منهن أرامل ومطلقات... نحن (قاسيين) على أهلنا وأولادنا».
ورفعت الحكومة المصرية عام 2008 سن زواج الإناث من 16 إلى 18 عاماً، أسوةً بالذكور، بحسب المادة 31 مكرر من قانون الأحوال المدنية، إلا أن الثغرات القانونية حالت دون تنفيذ هذه المادة إلى حد كبير. وقال مراقبون: «تركت فرصة للتحايل على القانون بالزواج المبكر غير موثق».
ولا توجد آليات في مصر للتعامل مع مشكلة إجبار الصغيرات على الزواج... كما أن النصوص على تجريم وتغريم المتسبب في حرمان الطفل من التعليم غير مفعلة.
وكانت النيابة الإدارية قد تلقت بلاغاً المقدم من مديرية الأوقاف بمحافظة الغربية بناء على شكوى إحدى الأمهات، من قيام إمام مسجد «الأربعين» بقرية ميت حبيب، بمدينة المحلة الكبرى، بتزويج ابنتها، وتزويج كثير من الفتيات القاصرات اللائي لم يبلغن السن القانونية زواجاً عرفياً غير موثق، بزعم أن هذا الزواج حلال شرعاً، وذلك حتى بلوغ الفتيات السن القانونية وإتمام الزواج بصورة رسمية. مضيفة أن «إمام المسجد يقوم بتحرير إيصالات أمانة على الزوج والاحتفاظ بها لديه، لحين إتمام الزواج الرسمي تحايلاً على القانون». وأضافت التحقيقات أن إحدى الفتيات وضعت مولودها بالفعل، وحركت دعوى إثبات نسب ضد زوجها الذي رفض الاعتراف بالزيجة أو الطفل. وأوصت النيابة الإدارية بضرورة وجود نص تشريعي يحظر الزواج العرفي (غير الموثق) للأطفال القصر دون سن الثامنة عشر، فضلاً عن تشديد العقوبة على مرتكب الجريمة متى كان من أئمة المساجد، نظراً لما لوحظ من مشاركتهم بشكل كبير في إتمام مثل تلك الجريمة، لا سيما في القرى والمناطق الريفية، متسترين بعباءة الدين، وكذا ضرورة التوعية المجتمعية بالآثار السلبية لزواج القاصرات وأن تتكاتف جميع مؤسسات الدولة الرسمية الدينية والاجتماعية والإعلامية، وتلك المعنية بحقوق الطفل، ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة، للتوعية بخطورة تلك الجريمة الدينية والاجتماعية وآثارها المدمرة.
في غضون ذلك، كان المجلس القومي للسكان التابع لوزارة الصحة قد أعدّ قانوناً لتجريم الزواج المبكر، يتضمن عقوبات تتراوح بين السجن والغرامة المالية لولي الأمر والمأذون الشرعي حال إتمام زواج القاصرات، وتم إرساله إلى وزارة العدل لمراجعته ووضع العقوبات القانونية المناسبة. وقالت مصادر إن «الحكومة سوف تقدم القانون الجديد لمجلس النواب خلال دور الانعقاد الحالي لإقراره، نظراً لخطورة الأمر على الأسر والمجتمع».
وقال الدكتور طارق توفيق مقرر المجلس القومي للسكان إن «قانون الأحوال المدنية الحالي لا يجرم الزواج المبكر، لكنه يمنع تسجيل الزواج فقط»، مضيفاً أن المجتمع يواجه كثيراً من المشكلات على أثر ارتفاع معدل الزواج المبكر، منها ما يهدد صحة الأم والأطفال، مشيراً إلى أنه من المزمع تقديم مشروع القانون إلى البرلمان في دور الانعقاد الثالث لمناقشته وإقراره، بعد انتهاء دراسته بوزارة العدل، لافتاً إلى أن زواج القاصرات عامل أساسي في الزيادة السكانية، وأنه يسلب المرأة كل حقوقها... والدراسات أوضحت أن صعيد مصر به أكبر نسبة زواج للقاصرات، ويليه قرى محافظات دلتا مصر.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».