المطبخ التايلاندي أكثر المطابخ العالمية مرونة

تأثر بالهند وتبنى بهاراتها

المطبخ التايلاندي أكثر المطابخ العالمية مرونة
TT

المطبخ التايلاندي أكثر المطابخ العالمية مرونة

المطبخ التايلاندي أكثر المطابخ العالمية مرونة

من عادة الحروب أن تساهم في تلقيح بعض المطابخ حول العالم وانتشار بعضها الآخر في مناطق وقارات بعيدة عن الوطن الأم. والحرب الأميركية في فيتنام مثال كلاسيكي على هذا التلقيح، إذ إنها ساهمت بانتشار المطاعم الفيتنامية في الولايات المتحدة نفسها وفي أستراليا التي حاربت إلى جانب أميركا وفي بريطانيا أيضا، كما ساهمت بانتشار المطاعم التايلاندية والمطبخ التايلاندي حول العالم فقط بسبب استخدام تايلاند كقاعدة للجيش الأميركي خلال تلك الحرب الشهيرة.
ويقول بعض الخبراء إن السمعة والصفة الدولية للمطبخ التايلاندي بدأت في الستينات من القرن الماضي، أي بعد أن أصبحت تايلاند وجهة سياحية دولية هامة وبعد أن استخدمها الأميركيون قاعدة لمواصلة الحرب على فيتنام. بعد ذلك ارتفع عدد المطاعم في العاصمة البريطانية لندن من 4 مطاعم في السبعينات إلى 300 مطعم خلال 25 عاما. وفيما افتتح أول مطعم تايلاند في الولايات المتحدة عام 1959 في دانغار، افتتح أول مطعم تايلاندي في لندن عام 1967 وهو مطعم «بانكوك».
بأي حال، فقد تمكن المطبخ التايلاندي خلال الخمسين سنة الماضية من أن يصبح واحدا من أهم المطابخ حول العالم وأكثرها شهرة. وقد أظهر أحد الاستطلاعات الخاصة بعالم الطعام والمطابخ، أن المطبخ التايلاندي يأتي في المرتبة الرابعة عالميا بعد المطابخ الفرنسية والإيطالية والصينية عندما يسأل الناس عن تسمية المطابخ الأجنبية التي يعرفونها. وعندما يسأل الناس عن أفضل المطابخ الأجنبية لديهم فإن المطبخ التايلاندي يأتي في المرتبة السادسة عالميا، أي بعد المطابخ الفرنسية والإيطالية والصينية والهندية واليابانية.
وعلى اللائحة التي وضعتها الـ«سي إن إن» عام 2011 عن أطيب المآكل في العالم، جاء طبق كاري الماسامان - Massaman curry (يعني الكاري المسلم، وهو طبق متأثر بالمطبخ الفارسي جاء به المسلمون إلى البلاد) في المرتبة الأولى. وجاء طبق سلكة البابايا الخضراء - som tam في المرتبة السادسة والأربعين وطبق سلطة اللحم - Nam tok في المرتبة التاسعة عشر وحساء Tom yum الحار في المرتبة الثامنة. أضف إلى ذلك أن مطعم نام بانكوك في لندن اعتبر من أفضل 50 مطعما حول العالم قبل خمس سنوات، أضف إلى ذلك أن هناك عدد لا بأس منه المطاعم التايلاندية التي حصلت على نجوم ميشلان.
شهرة المطبخ التايلاندي لم تأت من فراغ، إذ أن الحكومات التايلاندية المتتابعة عملت على تشجيع انتشار المطاعم التايلاندية حول العالم كوسيلة لتعزيز وتشجيع السياحة وتدعيمها في البلاد. ودعمت هذه الحكومات عمليات تدريب الطباخين وسبل افتتاح المطاعم في الخارج بعشرات الملايين من الدولارات منذ 15 عاما.
تاريخيا لا يزال المطبخ التايلاندي فريدا من نوعه ولا يزال يعتمد على الدمج بين الأذواق الخمسة المعروفة، أي الحلو (السكر والفلفل الحلو والفاكهة) والمر والحار (الفلفل الحار) والمالح (صلصلة الصويا وصلصة السمك) والحامض (الخل وعصير الليمون والتمر هندي).
وقد حافظ على هذا التميز رغم تأثره الكبير بالكثير من المطابخ الأجنبية الهامة لعوامل جغرافية وتاريخية تجارية مثل المطبخين الصيني والهندي. ويبدو أن التايلانديين قد نجحوا في تحويل كل المؤثرات الأجنبية والمحلية إلى هذا المطبخ الرائع كما حصل مع التأثيرات الفارسية والعربية.
الجذور الصينية للمطبخ التايلاندي، تعود الفترة بين القرنين السادس والقرن الثالث عشر أي إلى الفترة التي جاء بها أهل تايلاند المعروفون بالتاي – Tai تاريخيا من مستوطنات وأديان المنطقة الجبلية الجنوبية الغربية في الصين المعروفة بمقاطعة يونان حاليا، إلى ما يعرف الآن باسم تايلاند ولاوس ومقاطعات شان العليا في ميانمار وفي شمال غربي فيتنام وكمبوديا. وتظهر الجذور الصينية التايلاندية في تشابه الكثير من الأطباق التايلاندية الحالية مع الكثير من الأطباق الصينية التي تنتشر في مقاطعة سيشوان الصينية المعروفة.
رغم أن أساليب الطهي التايلاندية التقليدية كانت الحساء والخبز، أو الشوي - فإنه مع الهجرات الصينية إلى جنوب شرقي آسيا منذ أكثر من 1500 عام من الآن، أصبحت أساليب القلي والقلي السريع والقلي العميق من الأساليب والتقنيات المرغوبة والمعتمد عليها شعبيا، فإلى هذا اليوم لا تزال أطباق المعكرونة المقلية والأرز المقلي من الأطباق التايلاندية الكلاسيكية.
أما الجذور الهندية فتعود إلى الرهبان البوذيين الذين جلبوا الكاري من الهند خلال تنقلهم بين البلدين، ولا يزال الكاري والأطباق الحارة جزءا كبيرا من هذا المطبخ المرن والشاسع.
ويعرف التايلانديون بالتزامهم وحيلتهم وذكائهم، إذ كانوا يتكيفون مطبخيا في استبدال المكونات الأساسية للمطابخ الأخرى بمكونات محلية كما حصل مع استبدال السمن المستخدم في الطهي الهندي بحليب جوز الهند الذي يعتبر من مكونات المطبخ الحالي التقليدية. وحصل الأمر ذاته بسبب التأثيرات البوذية، مع استبدال قطع اللحم الكبيرة بقطع صغيرة مطعمة بالأعشاب والتوابل.
ويقول المؤرخون حول الجذور العربية والفارسية أو الإسلامية بشكل عام، إن البحارة والمسافرين الذين كانوا يتجهون من الشرق إلى الغرب كانوا يمرون بتايلاند. وقد جلب هؤلاء المسافرون الكثير من خبرات الطبخ والمواد والتوابل والأطباق الخاصة بهم. ولذلك لا تزال هناك الكثير من الأطباق المتأثرة بهذين المطبخين رغم محافظتها على هويتها التايلاندية الفريدة وخصوصا في المناطق الجنوبية. ويقول موقع «تمبل تاي» الخاص بالمأكولات التقليدية التايلاندية في هذا الإطار إنه «تم إدخال الكاري الهندي والمأكولات الإسلامية في وليمة القصر تكريما للملك راما الأول في مطلع القرن الثامن عشر. بعض هذه الأطباق لا تزال شعبية اليوم بما في ذلك الكاري ماسامان والكاري الأصفر. يحتوي كريم ماسامان على الكثير من التوابل المجففة بما في ذلك القرفة وجوزة الطيب. الكرز الأصفر يمكن أن يكون متبلا مع الكركم، الكمون، بذور الكزبرة الأرض والفلفل الأحمر مسحوق».
«لا يمكن التقليل من تأثير التجارة الخارجية من خلال طريق الحرير ومختلف طرق التوابل البحرية على الطعام التايلاندي.... فقد ربط طريق الحرير ومختلف طرق التجارة البحرية في نهاية المطاف آسيا مع أوروبا والعكس بالعكس».
كان للكثير من الدول الأوروبية، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وجود اقتصادي وعسكري كبير في آسيا كنتيجة مباشرة لتجارة التوابل، وكان هذا الوجود ساري المفعول حتى وقت قريب. وكانت الكثير من البلدان في آسيا مستعمرات من بلدان أوروبية أخرى.
فمن القرن السابع عشر فصاعدا تأثر المطبخ التايلاندي كثيرا بالمطابخ البرتغالية والهولندية والفرنسية واليابانية. وتم إدخال الفلفل الحار إلى الطبخ التايلاندي خلال أواخر السادس عشر لا عن طريق الهند من قبل المبشرين البرتغاليين الذين عرفوا هذه الخضرة اللاذعة أثناء خدمتهم في أميركا الجنوبية، أي عن طريق الأوروبيين. كما جلب البرتغاليون إلى تايلاند حلوياتهم إلى محكمة الملك ناراي في القرن السابع عشر.
وتركز الموسوعة الحرة العربية على عالم الأرز في المطبخ التايلاندي، إذ تقول إن الغذاء الرئيسي في المطبخ التايلاندي هو الأرز رغم الاختلاف المطبخي بين المناطق. وتضيف أن تايلاند هي أكبر مصدر للأرز في العالم، والتايلانديين يستهلكون محلياً أكثر من 100 كيلوغرام من الأرز للشخص الواحد في السنة.
مطابخ المناطق
تتأثر الأطباق التايلاندية الشمالية بالمطابخ الصينية البورمية (ميانمار) وتتميز بشكل عام بالنكهات الخفيفة غير المالحة، مع القليل من التوابل والفلفل الحار الخفيف. ومن الأطباق الشعبية المعروفة جدا طبق النقانق - هي سا - وا وطبق اللحم المفروم مع رب الفلفل - البندورة - نام بريغ أونغ وطبق الكاري النباتي - كينغ كير.
المناطق الشمالية الشرقية
يتأثر المطبخ في شمال شرقي (مقاطعة إيسان) تايلاند بشكل كبير بكل من لاوس وكمبوديا المحاذيتين. ولذلك يعتبر الكثير من السكان أنفسهم من الخمير الحمر. وتعتبر المقاطعة من أفقر المقاطعات في تايلاند تاريخيا، ولذا يستخدم سكانها في المطبخ كل ما توفر ووقعت عليه اليد من حشرات وسحالي وثعابين ونباتات. و«يتم العثور على طعام إيسان في كل مكان في تايلاند الآن، وخاصة بانكوك، حيث انتقل كثير من الناس للعمل في مختلف المناطق الصناعية، حيث يمكن كسب المزيد من المال. عربات الشوارع التي تقدم الطعام التقليدي (عيسان) تحظى بشعبية كبيرة». تتمتع أطباق المناطق الشمالية الشرقية بشكل عام بالمذاق الحار جدا والقوي جدا والمالح، وتستخدم كثيرا الأعشاب والتوابل.
ولا بد من الذكر هنا أن أصول معظم التوابل التايلاندية من الهند.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات «عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.