تجاذبات أميركية ـ روسية حول الصواريخ متوسطة المدى

تهدد بـ«حرب باردة» واتهامات متبادلة بانتهاكات للمعاهدات الموقعة

منصات لأنظمة صواريخ «إس-300» التي استخدمت في المناورات الروسية - البيلاروسية الأخيرة (أ.ف.ب)
منصات لأنظمة صواريخ «إس-300» التي استخدمت في المناورات الروسية - البيلاروسية الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

تجاذبات أميركية ـ روسية حول الصواريخ متوسطة المدى

منصات لأنظمة صواريخ «إس-300» التي استخدمت في المناورات الروسية - البيلاروسية الأخيرة (أ.ف.ب)
منصات لأنظمة صواريخ «إس-300» التي استخدمت في المناورات الروسية - البيلاروسية الأخيرة (أ.ف.ب)

جددت الولايات المتحدة اتهاماتها لروسيا بانتهاك معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى المبرمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عام 1987. وحذرت على لسان الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس أركان القوات الأميركية، من تدابير عسكرية تستعد واشنطن لاتخاذها بغية إجبار روسيا على الالتزام بتلك المعاهدة.
وكان دانفورد قال في كلمة أمام الكونغرس إن روسيا ما زالت تشكل «التهديد الوجودي الرئيسي للولايات المتحدة»، وشدد على ضرورة إجبار موسكو الالتزام بفقرات المعاهدة، التي تنص بما في ذلك على تدمير الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى من 500 إلى 5500 كم، وعدم إجراء تجارب عليها. وأكد أنه بحال وافق الكونغرس على بقائه في منصبه فسيعمل مع الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) كل ما بوسعه كي تلتزم روسيا بنص المعاهدة. واتهم موسكو بتحديث كل أنواع أسلحتها النووية في السنوات الأخيرة، أي الصواريخ النووية بمنصات إطلاق برية، ومنصات بحرية، من على متن السفن والغواصات، والمنصات الجوية بواسطة القاذفات الاستراتيجية. وحذر دانفورد من أن هذا الوضع سيؤدي إلى تفوق روسيا على الولايات المتحدة في المجال العسكري. وتقول الولايات المتحدة إن روسيا تجري اختبارات على صواريخ «كاليبر» المجنحة البحرية، أي المنصوبة على القطع البحرية الروسية ويتم إطلاقها من على متن تلك السفن فقط، لتصنيع نسخة برية، أي «كاليبر» يتم إطلاقها من منصات برية. وترى في هذه التجارب انتهاكاً لمعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، لأن مدى الصاروخ الذي يدور الحديث حوله يقع ضمن المدى الذي تحظره المعاهدة، أي من 500 إلى 5500 كم. وكان مصدر من البيت الأبيض قال لوكالة رويترز في منتصف فبراير (شباط) مطلع العام الجاري إن روسيا تنتهك المعاهدة، وأشار إلى أن «المشكلة تصبح أكثر جدية»، نظراً لأن عدد الصواريخ الروسية متوسطة المدى الجاهزة للإطلاق يتزايد. وفي نهاية أبريل (نيسان) الماضي أعدت الخارجية الأميركية تقريراً أكدت فيه أن روسيا تواصل انتهاكاتها للمعاهدة، وإثر ذلك قال الأميرال هاري هارس، قائد أسطول المحيط الهادي في القوات الأميركية، إن واشنطن تنظر في إمكانية إعادة النظر في المعاهدة «لأن أحد أطرافها ينتهك شروطها دون أن يتحمل المسؤولية عن ذلك».
من جانبها ترى روسيا أن الولايات المتحدة تنتهك المعاهدة من خلال نشر منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا. وكان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي قال في وقت سابق إن تلك المنصات يمكن استخدامها لإطلاق صواريخ اعتراضية، مضادة للصواريخ، الأمر الذي يشكل انتهاكا للمعاهدة. وفي رده على التصريحات الأميركية الأخيرة التي جاءت على لسان جوزيف دانفورد، قال ريابكوف أول من أمس إن الولايات المتحدة لا تمتلك أدلة تثبت تلك الادعاءات، ولم ينف بصورة واضحة كما لم يؤكد تصنيع روسيا لصواريخ متوسطة وقريبة المدى، لكنه أشار إلى أن «الاتهامات ليست جديدة، وكانت تتردد طيلة السنوات الماضية سرا وعلانية»، وأضاف: «نحن وكما في كثير من المسائل في العلاقات مع الولايات المتحدة، نقف أمام تأكيدات مع محاولات لوضعنا في موقف التبرير، دون أن يقدموا أي وقائع يمكن النظر إليها كأدلة أميركية» على الاتهامات. وأكد أن «كل ما قالوه لنا عبر القنوات الدبلوماسية لا يدفع لاستنتاج بوجود أدلة لدى الأميركيين... ولا ندري من أي أسس ينطلقون في توجيه الاتهامات». وبالمقابل أكد ريابكوف أن وزارة الدفاع الروسية لديها الكثير من الاعتراضات حول كيفية التزام الولايات المتحدة بالمعاهدة المذكورة. وترى موسكو أن تجارب يجريها الأميركيون على طائرات من دون طيار تشكل انتهاكا لحظر التجارب على الصواريخ المجنحة بمنصات إطلاق أرضية.
وتشكل معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقريبة المدى حجر أساس في التفاهمات التي أدت إلى تخفيف حدة التوتر بين الاتحاد السوفياتي والغرب ونهاية الحرب الباردة، وسباق التسلح خلالها بين الجانبين. ويحذر مراقبون من أن الخروج عن نص المعاهدة أو انسحاب أي من الطرفين منها سيعني تثبيت الأجواء السلبية القائمة منذ سنوات والعودة إلى التنافس بشكل يشبه مرحلة الحرب الباردة. ويتوقع أن يطفو ملف هذه المعاهدة مجددا وبصورة حادة على جدول أعمال العلاقات الأميركية - الروسية العام القادم، ذلك أن الكونغرس الأميركي، وخلال اعتماده الموازنة لعام 2018، وذلك في منتصف سبتمبر (أيلول) الجاري، منح الرئيس دونالد ترمب مهلة 15 شهرا لتقديم أدلة على عدم انتهاك روسيا للمعاهدة، وإلا فإن الكونغرس سيمنح البنتاغون الحق في تصنيع صواريخ بمدى 500 إلى 5500 كم.
وفي أحدث علامة على التوترات المتصاعدة بين البلدين نقلت وكالات أنباء روسية عن ريابكوف قوله إن موسكو سترد على الولايات المتحدة في خلاف بشأن اتفاقية تسمح للبلدين بالقيام بطلعات مراقبة جوية عسكرية فوق أراضي البلد الآخر. واتهمت الولايات المتحدة روسيا بخرق ما يسمى باتفاقية الأجواء المفتوحة التي تهدف إلى بناء الثقة بين جيشي البلدين وقالت إنها تعتزم اتخاذ تدابير انتقامية ضد موسكو. وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد ذكرت أن ذلك سيشمل الحد من الطلعات الجوية الروسية فوق الأراضي الأميركية ردا على ما وصفته بمنع موسكو طلعات المراقبة الأميركية فوق جيب كاليننجراد الروسي المدجج بالسلاح في منطقة البلطيق.
وقال ريابكوف للصحافيين «لا يساورني شك بأنه سيكون هناك رد (روسي). ولكن قبل إعلان شيء بشأن ذلك علينا تحليل الموقف مع قواتنا المسلحة وبحث كيفية الرد على الأميركيين».
ونُقل عن ريابكوف وصفه لموقف واشنطن من هذا الخلاف بأنه متحيز وقوله إن روسيا لن تذعن للضغوط الأميركية كي تقدم تنازلات. وقال دانفورد إن واشنطن ترى من الأفضل استمرار اتفاقية الأجواء المفتوحة ولكن إذا كانت روسيا تنتهكها فيجب عدم الإبقاء عليها.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».