كشفت دراسة سويدية حديثة نشرت في المجلة الطبية البريطانية BMJ عن احتمالية زيادة فرص الإصابة بالأورام السرطانية بشكل عام وأيضا أمراض الجهاز الهضمي بشكل خاص للأطفال الذين يعانون من الحالة المرضية المعروفة باسم (التهابات الأمعاء inflammatory bowel disease) وتزيد فرص الإصابة بالأورام سواء في الطفولة أو لاحقاً في البلوغ بالمقارنة بالأطفال الآخرين الذين لم يتعرضوا لهذا المرض.
والحقيقة أنها أشارت إلى ارتفاع نسبة الخطورة بشكل طفيف وليس بشكل مطلق بمعنى زيادة فرص الإصابة بالأورام السرطانية بنسبة حالة واحدة لكل 556 حالة تعاني من التهاب الأمعاء كل عام مقارنة بالأطفال الأصحاء. وهذه النسبة يجب أن يتم التعامل معها بجدية خاصة إذا عرفنا أن هناك ما يقرب من 3 ملايين من الأميركيين فقط يعانون من أمراض الأمعاء حسب إحصائية أجريت في عام 2015.
التهابات الأمعاء
من المعروف أن لفظ أمراض الأمعاء يشمل نوعين من الأمراض يصيبان الأمعاء الأول مرض كرون Crohn›s disease، والثاني التهاب القولون المتقرح ulcerative colitis الذي في الأغلب يصيب المرضى من عمر 15 وحتى 40 عاما ولكن يمكن حدوثه في أي عمر. وهناك الكثير من أوجه التشابه بين المرضين في عدة نقاط مثل أن كلا المرضين مزمن ويسبب الالتهاب وتتشابه بعض أعراضهما مثل الإسهال والإمساك وآلام البطن والاحتياج العاجل للذهاب للحمام في حالة امتلاء القولون وأيضا الإحساس بعدم الإخراج بشكل كامل وارتفاع درجة الحرارة ووجود دماء في البراز وفقدان الشهية وفقدان الوزن.
بطبيعة الحال ليس بالضرورة أن يعاني المريض من كل هذه الأعراض في الوقت نفسه خاصة أن المرض مزمن تتراوح حدة الأعراض وتوقيت حدوثها بين أوقات حدة وأوقات انحسار. كما أن المرضين يعتبران من أمراض المناعة بمعنى أن الجسم يهاجم الخلايا كما لو كانت خلايا غريبة نتيجة لخلل في الجهاز المناعي، وليس هناك سبب واضح للمرض ولكن هناك نظريات تشير إلى احتمالية أن تلعب العوامل البيئية وطبيعة الطعام دورا في الأشخاص المهيأين جينيا لذلك.
وعلى الرغم من تشابه المرضين فإن هناك ثمة اختلافات بينهما وعلى سبيل المثال في مرض كرون يمكن للالتهاب أن يصيب أي جزء من الجهاز الهضمي وأي طبقة من الأنسجة المبطنة سواء السطحية أو العميقة بينما يصيب القولون المتقرح المستقيم والأمعاء الغليظة فقط وأيضا الأنسجة المبطنة الأكثر عمقاً.
دراسة الأورام السرطانية
وأوضح الباحثون أن الدراسات السابقة التي أشارت إلى احتمالية الربط بين أمراض الأمعاء والإصابة لاحقا بالسرطانات ينقصها التفصيلات ولم تتبع المرض منذ الطفولة. ولذلك قام الباحثون بفحص البيانات الخاصة بالمواطنين المقيمين بالسويد وتم عمل مقارنة لمعدلات الإصابة بالأورام السرطانية للأفراد الذين أصيبوا بالتهاب الأمعاء في طفولتهم (قبل 18 عاما) ومعدل الإصابة في الأشخاص العاديين. وشملت مقارنة 9405 من الأفراد الذين أصيبوا بالتهاب الأمعاء في طفولتهم 92870 من الأشخاص العاديين الذين ولدوا في العام نفسه والمنطقة السكنية نفسها وتم عمل تلك المقارنة في خطورة الإصابة بالسرطان قبل عمر 18 عاما وأيضا مرة أخرى عند عمر 25 عاما وأيضا طوال فترة الدراسة التي امتدت إلى 40 عاما من عام 1964 وحتى عام 2014 في المتوسط حتى أوائل الثلاثينات من العمر.
وبعد استبعاد بقية العوامل التي يمكن أن تؤثر على نتيجة الدراسة من اختلاف طبيعة العمل والضغوط النفسية والنظام الغذائي توصل الفريق إلى وجود 497 حالة سرطان في الأشخاص الذين تم تشخيصهم بالتهاب الأمعاء قبل عمر 18 سنة بنسبة بلغت 3.3 لكل ألف شخص في عدد سنوات المتابعة، بينما كانت نسبة الإصابة بالسرطانات في الأشخاص العاديون 2256 بما يعني نسبة 1.5 لكل ألف شخص خلال سنوات الدراسة أيضا وهو الأمر الذي يوضح ارتفاع النسبة في الأشخاص الذين عانوا من التهاب الأمعاء وذلك يعني حالة إصابة سرطان جديدة لكل 556 فردا يعانون من التهاب الأمعاء لكل سنة متابعة وهي نسبة تعتبر كبيرة خاصة في الدول المتقدمة التي تكون فيها الظروف البيئية أفضل بطبيعة الحال من الدول الأقل تقدما.
وقد وجد الفريق أن نسبة خطورة الإصابة بالسرطان تكون كبيرة في السنة الأولى التي تلي تشخيص التهاب الأمعاء وتظل النسبة مرتفعة بمدة 5 سنوات كاملة من المتابعة حيث كانت الإصابة هي السبب في حالة سرطان القولون والمستقيم والأمعاء الدقيقة. وأوضح الباحثون أن خطورة الإصابة تزداد إذا كان التهاب الأمعاء حدث في الطفولة خاصة في وجود التهاب مزمن للقولون أو تاريخ عائلي للإصابة المبكرة بالسرطانات وأيضا أشار العلماء إلى احتمالية أن تلعب الأدوية نفسها دورا في زيادة الخطورة لكن يبقى العامل الأهم هو حدة الأعراض وطول مدة الإصابة بالتهاب الأمعاء.
وأوضح الباحثون أن التهاب الأمعاء لا يؤدي إلى الإصابة بالسرطان ولكنه فقط يزيد من خطورة الإصابة بمعنى أنه ليس نهاية حتمية لكل المرضى وأن المزيد من الدراسات يجب أن تتم على علاقة المرض بالتدخين والأدوية الخاصة بعلاج التهاب الأمعاء ومدى خطورتها في زيادة الفرص. كما أن المرض نفسه يختلف في الحدة وشكل الإصابة من طفل إلى آخر فضلا عن أهمية التشخيص المبكر للمرض خاصة في الطفولة حيث إنه في كثير من الأحيان يتم التعامل معه على أنه التهاب عادي في القولون.
*استشاري طب الأطفال