رئيس وزراء الجزائر للمسلحين: الاستسلام أو العقاب الشديد

الحكومة أعلنت أن الإرهاب خلف 150 ألف ضحية بين عامي 1993 و2006

أحمد أويحيى (أ.ف.ب)
أحمد أويحيى (أ.ف.ب)
TT

رئيس وزراء الجزائر للمسلحين: الاستسلام أو العقاب الشديد

أحمد أويحيى (أ.ف.ب)
أحمد أويحيى (أ.ف.ب)

ناشد رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحي، «بقايا الجماعات الإرهابية» التخلي عن السلاح، وتسليم أنفسهم للسلطات الأمنية «وإلا سيكون العقاب شديداً، وبقوة القانون». ولا يعرف عدد المتطرفين الذين ما زالوا ينشطون في الجبال والصحراء، فيما أعلنت الحكومة في وقت سابق أنها قتلت 50 ألفاً منهم، وأن الإرهاب خلف 150 ألف ضحية بين عامي 1993 و2006.
وقال أويحي، أمس، أثناء عرضه «مخطط عمل الحكومة» على أعضاء «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية)، إن السلطات «توجه نداء إلى أبناء الجزائر الضالين الذين لا يزالون في صفوف الجماعات الإرهابية، للتخلي عن جريمة الإرهابية، والعودة إلى حضن الشعب وعائلاتهم. وفي حال عدم الاستجابة لهذا النداء، ستقضي الدولة عليكم طال الزمن أو قصر، وسيكون ذلك بقوة القانون، وستقدمون للقضاء لمحاكمتكم، وسيكون العقاب شديداً».
وأضاف: «أملي أن يتم الإصغاء لهذا النداء، وأن يعود هؤلاء الإرهابيون إلى جادة الصواب، فيلتحقوا بالآلاف من أبناء الجزائر الذين كانوا بالأمس في صفوف الإرهاب»، في إشارة إلى متطرفين تخلوا عن السلاح، بموجب مشروعين سياسيين في عهد الرئيس بوتفليقة: الأول سمي «الوئام المدني» (1999)، وشهد «توبة» 6 آلاف مسلح كانوا ينتمون لـ«الجيش الإسلامي للإنقاذ»، الذراع المسلحة لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (حزب إسلامي حلته السلطات عام 1992).
أما المشروع الثاني، فأطلق عليه بوتفليقة «المصالحة الوطنية» (2005)، ولم تقدم السلطات أي شيء عن حصيلتها. والمشروعان يتضمنان عفواً ووقفاً للمتابعة ضد المتشددين الذين يسلمون أنفسهم طواعية.
وصرح زعيم «جيش الإنقاذ»، مدني مزراق، للصحافة عدة مرات بأن الحكومة «أخلفت وعدها» تجاه أتباعه، بحجة أنها رفضت منحهم حقوقاً سياسية ومدنية، فضلاً عن صعوبات واجهتهم أثناء البحث عن شغل بسبب «ماضيهم الإرهابي». وأكثر ما يلفت في «المصالحة» أن متطرفاً بارزاً استفاد من تدابيرها، وعاد إلى بيته وكأن شيئا لم يكن، هو حسان حطاب قائد «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» (1999 - 2005)، التي تحولت مطلع 2007 إلى «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، أبرز تنظيم إرهابي بالمغرب العربي وصحراء الساحل، يتزعمها حالياً الجزائري عبد المالك دروكدال، الشهير بـ«أبو مصعب عبد الودود».
يشار إلى أن الدستور يفرض على الحكومة الجديدة عرض «مخطط عمل» على غرفتي البرلمان. وقد استلم أويحي مهامه في 15 من الشهر الماضي، وحاز على تأييد الغرفة البرلمانية الأولى.
وحول موضوع «المصالحة»، قال أويحي أمام البرلمانيين إن الحكومة «تتمسك بتنفيذه روحاً ونصاً»، مشيراً إلى أنه «لا جدال حول نجاح هذا المسعى، الذي بادر به رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وصادق علية الشعب الجزائري في 2005».
ويرى مراقبون أن هذا المشروع كرس منطق الغالب في الحرب التي دارت رحاها بين الجيش والجماعات المتشددة، بمعنى أن قادة الجيش فرضوا شروطهم على المتشددين الذين سلموا أنفسهم، بأن يعودوا إلى بيوتهم، وعدم المطالبة بأي حق، خصوصاً ممارسة السياسة. ويحتوي المشروع على مادة صريحة تحرم السياسة على «كل من دعا إلى الجهاد، وتلطخت يداه بدماء الأبرياء»، ولكن من دون ذكر اسم أي أحد، وهكذا أضحت العقوبة جماعية تنسحب على كل شخص كان عضواً في جماعة مسلحة، سواء ثبت أنه تورط في جريمة أم لا. كما يمنع المشروع متابعة عناصر الأمن، في حال ثبت ضلوعهم في قتل مدنيين أثناء الحرب الأهلية.
وبحسب أويحي، «أصبح النموذج الجزائري للمصالحة الوطنية موضوعاً يستقطب اهتمام كثير من الدول والمنظمات الدولية التي تريد أن تستلهم هذه التجربة». وهذا الكلام يتباهى به كل المسؤولين الجزائريين، والنشطاء السياسيين الذين يدورون في فلك السلطة، فهم يقولون إنهم صدروا «تجربة المصالحة» إلى مالي وليبيا، وإنهم يعرضونها على كل بلد يعيش صراعاً داخلياً.
وتابع رئيس الوزراء: «يستخلص من مسعى المصالحة الوطنية درسان: الأول هو ضرورة توحيد الصف الوطني عندما يتعلق الأمر بتحديات حيوية تواجه الأمة والدولة، والثاني كم هو غالٍ استقلال البلاد، عندما يتعلق الأمر بتحمل التحديات التي ترهن مستقبل البلاد. فاليوم مثل الأمس، نبقى في حاجة إلى استقلال القرار، وإلى وحدة الصف لمواجهة التحديات المعاصرة».
ولم يوضح أويحي ما يقصد بـ«استقلال القرار»، وأضاف: «الحمد لله في هذا المحيط الجغرافي المقلق، حافظت الجزائر على أمنها واستقرارها وسلامتها الترابية، وهذا بفضل جهود الجيش الوطني الشعبي وقوات الأمن الأخرى التي تدفع فاتورة التضحيات الجسام».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».