يشغل رئاسة أهم جمعية للطبّاخين في فرنسا منذ عام 2011 ألا وهي «أساتذة الطهاة» (Maitres des cuisiniers)، وهو الذي اكتشف شغفه للطبخ عندما كان في الحادية عشرة من عمره. فالشيف كريستيان تيتدوا والمعروف بلقبه «أستاذ كريستيان» يرى أن مهنة الشيف ترتكز على كرم النفس والصدق. «ما أعنيه هنا بالكرم هو شغف المهنة فكلّما أحببت ما تقوم به نجحت وحقّقت الأفضل».
يقول الشيف الفرنسي الذي التقيته في فندق «لو غراي» في بيروت حيث كان يقوم بزيارة عمل ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أجد الناس اليوم تأكل بطريقة سيّئة وينفقون الكثير على مشترياتهم المتعلّقة بالطعام بشكل عام، كما أنّهم يخزنون الطعام بشكل سيئ. فهم لا يهتمون بالمذاق بقدر ما يهتمون بالكمية التي يرغبون في استهلاكها». فالشيف الفرنسي والذي عمل لفترة في قصر الإليزيه، وكذلك في مطاعم «بول بوكوز» و«جورج بلان» حصد تسمية «أفضل عامل» الفرنسية في عام 1996 وعلى «ماكارون» من قبل دليل ميشلان العالمي في عام 2000.
«على الشيف الناجح برأيي أن يمتلك أساسا غنيّا بالمطبخ الكلاسيكي، فعمر مهنتنا طويل، وكلّما غبّ من الجذور استطاع السيطرة بشكل أفضل على مسيرته المهنية فيخفّف من اقتراف الأخطاء». لا يطيل الشرح كثيرا الشيف الذي كان يهوى تحضير حساء الخضار لأفراد عائلته عندما كان في السابعة من عمره، فيختصر نصيحته لأصحاب هذه المهنة الشباب ويقول: «عليهم أن يحبّوا بلدهم وأصولهم وأن يصغوا إلى زبائنهم باهتمام».
فحسب كريستيان تيتدوا إننا غالبا ما نسير على هامش الخطّ المستقيم ونقطف من هنا وهناك ما يحلو لنا من تجارب، لنعود ونمشي على هذا الخطّ الأساسي، وهي الحال ذاتها بالنسبة للشيف إذ عليه أن لا يضيع في متاهات الخطوط المتعرّجة فيعود تلقائيا إلى مطبخه الأم ولذلك يصفون القدماء بأنهم كانوا أصحاب الفطرة السليمة.
وعن مهمتّه كرئيس جمعية «Maitres cuisiniers de France» يقول: «هي مسؤولية كبيرة وأحيانا تثقل الكاهل، وغالبا ما أقطع المسافات الطويلة لأطلّ على أفراد هذه الجمعية المنتشرين في بلدان العالم أجمع ومن بينها لبنان. فهؤلاء الطبّاخون يتمّ تسميتهم من قبل لجنة رسمية تشرف عليها الدولة الفرنسية مما ينبغي علينا الوقوف على عملهم وتطوّرهم». ويرفض الشيف تيتدوا التعامل مع طلّابه في الجمعية بروحية «الشيف الأستاذ»، فأن تمارس سلطتك لهو أمر غير مستحب، مقابل أن تصادق من تتعامل معهم وتقف على طلباتهم وتكتشف مزاياهم.
هو منفتح اليوم على مجال إدارة المطاعم: «إنه عالم ضخم يندرج على لائحته أشخاص كثر بدءا من المزارع مرورا بصاحب المطعم والعاملين لديه وصولا إلى المطبخ. هذا العالم يشدّني ويدفعني إلى السفر والتعرّف إلى كلّ جديد يتعلّق به». يهوى الشيف الفرنسي الوقوف على أصول مطابخ بلدان جديدة وبدا متلهفا للتعرّف إلى المطبخ اللبناني كونه غنيّا بأطباق صحيّة: «كلّما زرت بلدا جديدا تمكنت من ابتكار الجديد فأستوحي من مطابخه وأطوّر نفسي». ولكن ما رأيك بالمطبخ الحديث وبظاهرة المزج بين المطابخ المتعددة في أطباق واحدة أي ما يسمّونها بالـ«فيوجن»؟: «هو أسلوب جديد في الطهي يقدّم أشياء لذيذة كغيرها من المطابخ ولكنّي أفضّل المطبخ التقليدي، ومن الطبيعي أن أتعلّق بالمطبخ الفرنسي الذي هو برأي (أمّ المطابخ) ومنه انبثقت مطابخ وأطباق عدة».
وعن المطبخ الصيني يقول: «لقد أجرى تغييرات في عالم الطبخ بشكل عام وأعتقد أنه لعب دورا كبيرا في انتشار ظاهرة الـ(فيوجن) في المطاعم، كما أثر أيضا على المطبخ الفرنسي إذ اتّخذت بعض أطباقه خطا أقل دسامة فصارت خفيفة على المعدة ويتمّ هضمها بشكل أفضل».
يلفته التطوّر الذي تعيش فيه مهنة الشيف اليوم ويقول: «هل تعرفين مسابقة بوكوز دور»؟ هي كناية عن مختبر حقيقي يولّد النجوم والمبدعين في هذه المهنة وهي مثال ملموس عن مدى تطوّر مهنتنا وارتقائها إلى الأفضل.
بالنسبة لكريستيان تيتدوا صاحب لقب «chef des chefs» لا يكفي أن يتمتّع من يعمل في هذه المهنة بحواسه الخمس بل أيضا بالخيال الواسع ليستطيع الابتكار وعدم الوقوع في التكرار فيملّ الزبون. «ليس هناك من حدود تسيّج مهنتنا أو تقيّدها فعندما نملك الركيزة تصبح الفرص كثيرة لتقديم مروحة أطباق تعبق بالإبداع. وأنا من الأشخاص الذين يرسمون الطبق قبل إعداده وبالألوان فأسرح مع رسمتي وأعيشها في خيالي إلى حدّ يجعلني أحدد مذاقها أحيانا كثيرة».
عرف بإعادة النظر بأطباق عدّة وبينها تلك المؤلّفة من ثمار البحر «هومار» (سرطان البحر) مع مهروس الجزر، وكذلك «الفوا غرا» (كبد البطّ) مع سمك التونة وغيرها. وفي لبنان تذوّق هذه الأخيرة وانتقدها «أفضّلها أقلّ لزوجة وأكثر برودة». وعن تجربته في قصر الإليزيه يقول: «كانت غنيّة عرفّتني على شخصيات كبيرة وبالنسبة لي فإن تحضير الأطباق لهؤلاء الأشخاص أو غيرهم من الناس العاديين تتطلب المسؤولية وحبّ المهنة».
ما هو سرّك؟ يردّ: «وضع التوازن في أي طبق أحضّره كما أنني أحب أن أكون على تماس مع الناس وأقف على آرائهم دائما».
أما الطهي بحدّ ذاته فهو يصفه بفنّ المشاركة: في المطعم الذي أملكه (Tetedoie) في مدينة ليون الفرنسية يافطة كبيرة كتب عليها «الطبخ يعني التقاسم». وأحب أن يشاركني زبائني الدهشة والحشرية والمذاق الطيب وهي عناصر أساسية لطبق ناجح».
كريستيان تيتدوا: أرسم أطباقي قبل تحضيرها وأتخيّل مذاقها
يرى أن المطبخ الصيني لعب دوراً أساسياً في تفشّي ظاهرة الـ«فيوجن»
كريستيان تيتدوا: أرسم أطباقي قبل تحضيرها وأتخيّل مذاقها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة