الجيش يعترض على سياسة نتنياهو حول الاتفاق النووي الإيراني

الجهاز الأمني يرى أن إلغاءه أو التراجع عنه لا يخدم مصالح إسرائيل الأمنية في هذه المرحلة

TT

الجيش يعترض على سياسة نتنياهو حول الاتفاق النووي الإيراني

عشية اللقاء الذي ينوي فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، حرصت مصادر عسكرية واستخباراتية في تل أبيب على تسريب معلومات، مفادها أن الجهاز الأمني في إسرائيل يعارض هذا التوجه لقناعته بأن إلغاء الاتفاق النووي، أو التراجع عنه، لا يخدم مصالح إسرائيل الأمنية في هذه المرحلة.
وقالت هذه المصادر، إن هناك خلافا عميقا على المستوى السياسي، وتحديدا بين نتنياهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، وبين الضباط الكبار في جهاز الأمن بخصوص إن كان يتوجب على إسرائيل دفع الرئيس الأميركي للإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.
ويذكّر هذا الوضع بالخلاف الذي ساد في سنتي 2009 و2010 بين نتنياهو وإيهود باراك من جهة، وبين قيادة الجيش والموساد من جهة أخرى حول تنفيذ هجوم عسكري على إيران، لكن في الأخير حسم قادة الجيش الموقف وتراجع نتنياهو وباراك.
ويتضح من خلال محادثات أجريت مع موظفين كبار وجهات في جهاز الأمن، تعالج هذا الموضوع، لكنهم طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم بسبب الحساسية السياسية، أن نتنياهو وليبرمان يعتقدان أن انسحاب أميركا من الاتفاق سيخدم إسرائيل، لكنهم في جهاز الأمن يتحفظون من ذلك، ويعتبر هذا النقاش مهما بشكل خاص؛ لأنه في الـ15 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل سيكون على الرئيس ترمب إعطاء «مصادقة جديدة» على الاتفاق النووي، وسيبلغ الكونغرس ما إذا كانت إيران تلتزم بتنفيذ الاتفاق النووي، أو أنها تقوم بخرقه، وفي هذه الحالة ستصبح الطريق ممهدة لتجديد فرض العقوبات الأميركية على المشروع النووي الإيراني، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي وقعت عليه أيضا روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وكان مسؤولون كبار في إسرائيل قد أوضحوا أن نتنياهو والسفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر، يشجعان الرئيس ترمب ومحيطه ومستشاريه على عدم المصادقة على الاتفاق مجددا، والإعلان بأن طهران تقوم بخرق الاتفاق.
ويتوقع أن يلتقي نتنياهو مع ترمب الاثنين المقبل على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، وسيكون مصير الاتفاق النووي أحد الموضوعات المركزية التي يتوقع أن يقوم رئيس الحكومة بطرحها على الرئيس الأميركي. وحسب موظف إسرائيلي كبير، فإنه «بالنسبة لرئيس الحكومة فإن هذا هو الأمر الأكثر أهمية والذي يمكن لترمب القيام به، وهو يأمل أن تكون النتيجة تجديد فرض العقوبات على إيران من قبل الكونغرس».
وقبل أيام، وبعد أن اقتبست وكالة «رويترز» للأنباء أقوال شخصيات كبيرة في الإدارة الأميركية، مفادها أن إسرائيل غير معنية بانسحاب أميركا من الاتفاق النووي وأنها تعارض إلغاءه، سارع نتنياهو بصورة علنية لنفي هذه الأقوال، وشدد على أن موقف إسرائيل هو أن على إدارة ترمب «تعديل الاتفاق أو إلغاءه». وبعد يوم من ذلك، وفي خطابه بمناسبة احتفال حزب «إسرائيل بيتنا» برأس السنة العبرية قال ليبرمان إن «الاتفاق لا يؤخر مشروع إيران النووي ولو ليوم واحد. الاتفاق لا يعيقهم. وهو لا يمنعهم من الاستمرار في البحث والتطوير لأجهزة الطرد المركزي، وهم غارقون في البحث والتطوير. الاتفاق لا يمنعهم من مواصلة البرنامج العسكري، وهم يواصلون في تطوير الصواريخ والرؤوس الحربية ويفحصون الدقة والمدى. وكل من حاول فحص مواقع برنامجهم العسكري قال له الإيرانيون لا».
بيد أن هذا الموقف يختلف عن موقف معظم المستويات المهنية في إسرائيل، كجهاز الاستخبارات العسكرية وقسم التخطيط في جيش الدفاع الإسرائيلي والموساد، ووزارة الخارجية ولجنة الطاقة النووية لأن كل الجهات الاستخباراتية في إسرائيل التي تعنى بالموضوع الإيراني، متوحدة في رأيها بأن إيران تخرق بنود الاتفاق.
وحسب وكالات الاستخبارات في إسرائيل، يتبين الجهد الذي تبذله إيران من أجل الوفاء بالاتفاق، بصورة تحقق لها أفضليات في علاقاتها مع المجتمع الدولي. ومع ذلك، يؤكد الجنرالات الإسرائيليون أن الاتفاق سيئ بالنسبة لإسرائيل، إلا أن احتمال خيار الانسحاب الأميركي سيخلق وضعا أسوأ. كما يعتقدون بأن انسحابا أميركيا من الاتفاق لا يؤدي إلى انسحاب الدول الأخرى، ولن يؤدي إلى عزلة إيران، أو إلى تجديد فرض العقوبات الدولية، بل سيؤدي فقط إلى انقسام المجتمع الدولي، وسيمس باستمرار مواصلة المشروع النووي الإيراني.
وحسب مصدر إسرائيلي كبير، فإن نتنياهو وليبرمان يعتقدان أن المجتمع الدولي منقسم أصلا حول هذا الموضوع. وبخاصة على ضوء العلاقات الواهية بين الولايات المتحدة وروسيا، ولا يبدو أن النظام الدولي مستعد لاتخاذ قرارات جدية، وهو الأمر الذي ظهر حسب رأيهم، خلال الأزمة الحالية حول المشروع النووي لكوريا الشمالية.
ويقول جهاز الأمن الإسرائيلي، إن المهمة الأكبر الآن هي التأكد من أن إيران لا تنحرف عن الاتفاق، ولا تقوم بإنشاء قنوات سرية غير مباشرة من أجل تطوير مشروعها النووي، موضحا أن هناك مصلحة إسرائيلية واضحة للعمل على تحسين الاتفاق عبر تشديد الرقابة الدولية على المنشآت النووية الإيرانية، وأيضا على ضوء الدروس من التوترات الحالية مع كوريا الشمالية، التي تجسد فشل المجتمع الدولي في علاج التهديد النووي القادم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».